<h2 class="is-size-6 has-text-centered">أحمد الطيب زين العابدين (1937 -1998 ) المهدي غير المنتظر الذي استتر</h2> <div class="has-text-centered"> <small> بقلم د.عبدالسلام نور الدين <br/> نشر ٢٦ أغسطس ٢٠١١ </small> </div> <p class="has-text-centered">-1-</p> كتب هذا المقال مباشرة بعد ان خرج أحمد الطيب زين العابدين من أهالي أم كدادة وسنار في الثالث من يناير عام 1998 من منزله بمساكن الكلية المهنية العليا بالخرطوم ولم يعد بعدها الي هذه الساعة ,وقد لا يعود ابدا وينشر بصورة كاملة الان لأول مرة في ذكري غيبته الثالثة عشر فارجو من القراء مراعاة فروق الوقت الذي التهم كثيرا من الاسماء التي وردت في وقائع هذا السياق الذي يعود بدوره الى عام 1998 <p class="has-text-centered">-2-</p> الغيبة والاستتار لك أن تصدق أو لا تصدق هذا الخبر غير السار ,ان قد خرج أحمد الطيب زين العابدين غير المجهول في مساكن الكلية المهنية العليا بالخرطوم والمعلوم مكان عمله في المقرن (المقر القديم لعمدة الصواردة الشيخ المرضي الكبير والد محمد أحمد المرضي الصغير رجل المهمات الماكرة لدي الرئيس اسماعيل الازهري حفيد السيد المكي-)حيث انشأ الخواجا قرين لوو في مقرن المرضي كليتة للرسم والتحبير والتلوين والتطبيق بعد ان فصلها في نهايات النصف الاول من القرن الماضي من كلية الخرطوم الجامعية التي ضاقت به وضاق بها . لا ينبغي ان يفوت علي أحد ان احمد الطيب زين العابدين المشهور بالكجور لدي ودالهادي ورباح وابراهيم الصلحي وابرهيم العوام وأحمد عبداللة جلي وعبدالمنعم (بتاع المطبعة) وصالح الخزاف وعطا الرجاف وسوركتي الشطرنجاف وشبر وشبرين وعربي وكمالا ابراهيم اسحق ,واحمد عبدالعال وكل جماعة “براحة مافي” شيوخا وحواريين وله ايضا المكانة والتجلة والتهلال من قبل ومن بعد في عموم قري البزعة وقوز بعشوم وارض الهمباتي “الوطني (عبدالعزيز الذي سارت ببطولاته اغاني البنات في الجراري “والمندعوس” في غرب أم كدادة) .<br/> <figure class="image is-pulled-left"> <img src="https://images.ssc-sudan.org/ahmed_zain_alabideen_6_d1ecfc5b20.jpeg"/> </figure> لأحمد الطيب في شرق دارفور من لدن الشريف كباشي الي جبل حلة وأم شنقة “وبير تولو” واللعيت جار النبي ومهاجرية أهل ومنتاب ويمتون ويمتدون الي سنار ومع ذلك قد خرج الاستاذ أحمد الطيب زين العابدين ويبدو انه لن يعود الي الكلية المهنية العليا أو الي بيت العزابة العامر بالديم الذي يقع شرق طلمبة حجازي وبه صديقه الصدوق الضابط بالقوات المسلحة مختار أبو الدش أو الي المقرن أو الي جماعة “براحة مافي” أو الي سنار أو اللعيت جارالنبي أو الي أم كدادة , لكل ذلك نرجو من كل اصدقائه واحبائه وحبيباته وعلي وجة خاص :دخرية ووفاء وسناء وهاجر والسيدة المتألقة “زهرة” التي تعلق بها أحمد كما لم يتعلق بسواها من النساء حتي تلك الحسناء التي تسمي “هاجر” ان يعلموا ان أحمد الطيب قد دخل في خلوة “السيد أحمد التيجاني والشيخ الحافظ وسيدي ابن عمر الذي بهر بنوره “خرسي ” ووبربر وعموم كردفان ودارفور وأبشي وبلتن وتونس الخضراء وفاس والجزائر وكل من سار علي نهج الاشعري ومالك وطرائق الجنيد السالك” والأمر كذلك قد تطول تلك الخلوة بعد ان استبعد منها الكيف ورتل فيها حزب السيف وقد انكسر “القيف “وسيقرأ أحمد في ثنيات اورادها “مولد سيد الكمال” الف مرة وحزب الجمال الف الف مرة وسيخرج بعدها “قطع شك” في “ليلة ليلية” الي جنينة الرضي الراضي المرتضى “رضوان” الذي دعاه واغراه “بالزوغان” فاتركوه يرحمكم اللة ومن اراد المزيد من التفاصيل فليقرأ التالي رغم التكرار والاملال. <p class="has-text-centered">-3-</p> تجليات التنحي والاختباء لقد انتحى الاستاذ أحمد الطيب زين العابدين عميد كلية الفنون الجملية بجامعة السودان ومنذ الثالث من يناير الماضي 1998 مكانا قصيا وعلى غير عادته قد اعتزل زوجته الطيبة “دخرية” ، وبدوره الزواهر “وفاء” “وسناء “وأبنه الوديع المشذب “أنور” وحتي الصغيرة هاجر التي لم يخطر علي بال أحد أن يستغني يوما عن أحاجيجها ووجيجها وذهابها وجيئها بين يديه وكتفه وصدره ولا أحد بمقدوره أن يجيب حتي أحمد حسب اللة “وكاربينو” وكل تجار الفول والصمغ والسمسم “وأنقارة” الذين لا يعقلون ابدا أن يأتوا الي حاضرة بلاد “الصباح” حيث الرئيس ينوم والطائرة تقوم ولا يحجون ثم يقضون مع مني كل حاجة ومني هي الأم والعمة والجدة والنسيبة “العجوز زهرة ” في زياراتهم الي الخرطوم .<br/> ليس صحيحا ان لكل سؤال جواب كما كانت تبشر احدي برامج هيئة الاذاعة البريطانية آن كان صلاح أحمد محمد صالح والطيب صالح وعلي ابو عاقلة ابوسن من نجومها الشارقه واذا كان بحق لكل سؤال جواب فلماذا غاب أذن واستتر عن بلور حدقات العيون أحمد الطيب زين العابدين و هجر ايضا وهذا أمر غير قابل للتصديق صديقه الحميم الشيخ الطيب زين العابدين (ابوه)، وقد تخلى بغتة عن عشيقته الوضيئة ” الكتابة الرصينة ” عن تاريخ التشكيل، الثقافة السودانية ، والنقد الجمالي ، وإعادة بناء الحكايات الشعبية من شرق دارفور ، وقراءة منمنمات الفنون والصناعات اليدوية في الانقسنا، ليس ذلك نهاية الخبر كما قد يتبادر إلى الذهن ، فقد توقف أيضاً أحمد الطيب زين العابدين وعلى نحو صارم لم يتوقعه أحد ، ودون إعلان ، أو إخطار ، أو إنذار عن إكمال لوحاته ورسوماته للشخصيات التي ظل يحاورها ويراودها عن نفسها بالخطوط والالوان والافكار منذ أيام الصبا الباكر ، وعرف بها وقد عرض بعضها في كبرى قاعات الفن في مدن العالم ونالت إعجاباً وتقديراً له وقعٌ ومعنى .<br/> أليس عجيباً ومثيراً للتساؤل وبعض التشاؤم أن لا يدخل أحمد الطيب زين العابدين ومنذ التاريخ الأنف الذكر حديقته الوارفة الأثيرة كلية الفنون الجميلة بجامعة السودان ؟ تلك التي رعته أياماً فرعاها سنيناً عدداً وظل هناك كالبتول في محراب الجمال منذ أن قدم إليها من أقاصي أقاليم السودان من أم كدادة للتدريب على التربية الفنية في مقررات المدارس الإبتدائية ، فقرر أن لا يعود من حيث أتى وأن يبقى هناك في تلك الحديقة الآسرة ملازماً ومهاجراً وطالباً ومعيداً وأستاذاً وعميداً ولم يغادرها إلا مبعوثاً لنيل الماجستير في المملكة المتحدة ( بردن وليدز) في بدايات عقد السبعين أو مدعواً لأيام معدودات للمشاركة عارضاً أو ناقداً في معارض الأسكندرية والقاهرة ولندن وماليزيا ، أو منتدباً من منظمة اليونسكو لشهر أو بعضه لتقويم ثقافي أو فني في البلاد الإفريقية والآسيوية ثم يؤوب على عجل إلى حديقته التي تشتاق إليه ويعز عليه فراقها .<br/> لم يعد أحمد الطيب زين العابدين ومنذ الثالث من يناير الماضي 1998 يتوكأ على عصاه ويهش بابتسامته الوادعة الحكيمة على المقبلين عليه وتحسبهم شتى وقلوبهم جميعاً عليه ومعه ، يحاصرونه بحبهم وتوقهم إلى سماع أحاديث الشيخ الكجور كما يلقبه بعض أصدقائه من جماعة “براحة مافي”، عن الفنون اليدوية في جنوب النيل الأزرق لدى قبائل الأنقسنا والبرتا وتقاليد مدارس حفظ القرآن في زالنجي وشماريخ نيرتتي بجبل مرة وعن حلي النساء وولعهن بتمائم حفظ الذهب والزينة في مروي القديمة والتي لا تزال لها آثار باقية لدى النساء المتعلقات بسبائك بالذهب والعطور سيما في بربر ، والمتمة والدامر ومروي الحديثة ، أو يضيف الكجور مجدداً أو معيداً النظر في بعض قواعد نظريته في خصائص بناء الشخصية السودانية وقد اشتهرت على قلمه “السودانوية” التي سكها ثم نساها نورالدين ساتي .<br/> <div class="has-text-centered"> <figure class="image"> <img src="https://images.ssc-sudan.org/ahmed_zain_alabideen_5_f48d8d2553.jpeg"/> </figure> </div> أن الدهشة الصاعقة لتدهش الكثر من محبيه الخُلص من جنوب البلاد ومن الهدندوة وأبناء غرب السودان القادمين من السعودية والخليج الذين يغشون بيته العامر بالضيوف والكتب واللوحات فيمكثون ليالياً وأياماً يستمتعون فيها بوجودهم معه ، ويضحكون من أغوار أعماقهم كعادة ابناء دارفور حينما يلتقون من نوادره وشوارده وقذائفه الساخرة ويبادلونه اضاحيكهم عن نوادر “الملخلخين” “والملغلغين” ويقصون احسن وعجائب القصص عن عربان نجد والحجاز وعسير ثم يواصلون ترحالهم الدائم الي أم كدادة ومليط وودعة ومنواشي وعد الغنم ورهيد البردي وشماريخ جبل مرة وخور برنقا وفافا “وبير تولو” ثم يكرون كظعائن الرزيقات وبني هلبة والزغاوة والميدوب في رحلة الخريف والصيف من بحرالعرب وحفرة النحاس الي واحات الفزان والمهرية والمحاميد من حيث اتوا-مرة اخري الي جدة وتبوك وسكاكا وبكاكا وخميس مشيط والي اسماء ديار ما اأنزل اللة بها من اشباة ونظائر ككعل والجعرانة ويلملم وشيفا وجيفا وبيها وفيفا وابها ونجران. ولكن هذه المرة وإبتداء من يناير الذي مضى لن يخرج إليهم أحمد الطيب زين العابدين المصاب بالشلل النصفي متوكئا على عصاه لإستقبالهم والترحيب الضاحك معهم وبهم لاستعادة اقاصيصه التي تتجدد كلما ترددت علي الدوام وللتندر علي أوابد وليد دارفور في اسفاره التي لها سبع مكائد . لن يخطر ببال أصحاب وأصدقاء ومعارف أحمد الطيب من التشكيليين وكتاب القصة والشعراء والمترجمين والعارفين باجنحة روحه التي تحلق مرفرفة في كل ربوع السودان ثم تحط علي اكف اصحابه الاحباب من أمثال الامين محمد عثمان والياس فتح الرحمن وشريف مطر وصلاح مطر ومحمد عثمان كجراي ومبارك أزرق وجلي وصالح الزاكي ومالك الزاكي ومختار ابو الدش وسمير ود الدينكاوية وآدم عبدالمؤمن والشيخ عبدالقادر منعم منصور أن كجورهم قد فقد الإحساس بهم ولم يعد يطيق سماعهم ، الشعراء منهم يرجونه بشغف بالغ وقد يعمدون إلى إستفزازه أن يعيد على مسامعهم ترجمته الشعرية لرباعيات عمر الخيام التي تجاوزت في دقتها وإبداعاتها ترجمة أميل البستاني وأحمد رامي وأحمد الصافي النجفي وأضحت نصاً موازياً ، وكتاب القصة يلحون عليه أن يخرج من تقيته والأعيبه المعروفة وإنكاره لبعض مواهبه بأن يعلن عن نفسه قاصاً مكتملا ، أما التشكيليين فيرفضون كل ذلك ويعلنون بعناد أن مكان عميد الفن عوالم الفنون ولوحاتها ومعارضها ونقدها والتأريخ لها . يبدو أن الخبر الذي لا يود أحد أن يسمعه أو ينقله أو يتقبله أو يتصالح معه أن البروفيسور أحمد الطيب زين العابدين لم يعد بينهم ولا تضمه ارض ولا فضاء . هل دخل احمد الطيب حقا خلوة الليسية في الثالث من يناير الذي إنقضى . أذا عن لأحدهم ان يستنتج من هذا القول ان قلب أحمد الطيب زين العابدين قد توقف عن الخفقان فجأة فقد أخطأ فأصاب واصاب فأخطأ جملة وتفصيلا والقولة المشهورة الصحيحة ان المهدي غير المنتظر قد استتر .
شارك هذا الموضوع: