لا ندري إلى أين وصلت خطوات المسؤولين عن البلاد للإسراع بتشكيل المجلس التشريعي. ولكنا ندري تماماً أن التباطؤ في قيامه بحجة تحقيق السلام كان أمرًا باطلاً، إن لم يكن مقصودا لذاته. وفصلنا في مقال سابق قبل عام تقريبا بأن هناك إمكانية لقيام المجلس، ولاحقا اقترحنا أنه لو تحقق السلام يُضاف إلى قائمة النواب المعينيين عدد من ممثلي الحركات المسلحة. وأشرنا إلى أن كل القوى المؤثرة في المشهد السياسي توافقت مصالحها بتجميد اجراءات بناء هذه المنصة التي تقطع مع الماضي، وتشرع لحاضر، ومستقبل البلاد. ولا زلنا نعتقد أن القوى السياسية الممثلة لحاضنة الثورة، والمجلسين السيادي والتنفيذي لا تريد فقد هذا الامتياز الدستوري الآني الذي كفل لها إدارة البلاد لأكثر من عام دون وجود جسم تشريعي يمثل كل مكونات البلاد.
وما تزال معظم هذه القوى الفاعلة بعد اتفاق السلام الجزئي في جوبا تفتقد الشفافية، وآية ذلك أنها لا تواجه الرأي العام بالأسباب التي تحول دون الإعلان عن موعد تكوين التشريعي بعد انقضاء مفاوضات جوبا. ولا نعلم حتى الآن إن كانت هناك مشاورات سرية وسط هذه القوى في الوقت الحاضر للالتزام بمتطلبات الوثيقة الدستورية هذي، واستكمال هياكل السلطة الانتقالية الأخرى. ولكننا نعلم أن كل يوم يمر دون وجود المجلس التشريعي هو في صالح ممثلي الفئة الجزئية لمجتمعنا الناشطة مركزياً، وخسارة من الجانب الآخر لمجتمع البلد بكليات مركباته الجغرافية، والمدينية، والمهنية. ولربما لهذا السبب تعثرت خطوات الحكومة في ملفات كثيرة لو لم تكن قد تخبطت في خلق سياسة ناجزة في قطاعات كثيرة.
وإلى أن يقيض الله للمسؤولين عن البلاد أمراً مقدرًا نرى الآن أن هناك ضرورة ملحة لشمل مواطنينا بالخارج في حسابات تشكيل المجلس التشريعي، والذين ظلوا يبنون سوداناً في الخارج مقابل سودان الداخل. وهذه الشريحة المهمة ينبغي ألا يتم تجاوزها مهما كانت تلك الحسابات التي يبني عليها السياسيون لتحقيق التمثيل الشامل للمجلس التشريعي. بل نرى أن وجود ممثلين للسودانيين في هذا الجسم السلطوي، والذين يعيشون في كل قارات الدنيا، يساهم لا بد في دفع فائدة التجسير بين سودان الداخل والخارج. وكذا يساعد وجودهم داخل قبة البرلمان المعين في إثراء جدل الديموقراطية، وتشريعاتها، ورقابتها، نتيجة لتجربتهم في العيش في الديموقراطيات الممتدة، واكتسابهم وعيا معرفياً، ذلك الذي سيحقن النقاش البرلماني بالمزيد من الرؤى البناءة، والمثمرة، والعميقة.
ومن ناحية أخرى فإن شريحة المغتربين، والمهاجرين، وبحسب الدور النضالي الذي قامت به في الخارج لمحاصرة النظام البائد، ودعمها لنضالات الداخل - على كل المستويات - تستحق أن يُعاد الاعتبار إليها، خصوصا أن الكثير من الأفراد قد حرم من العودة للبلاد، ولوحق بعضهم حتى في مهاجره من قبل زبانية جهاز الأمن.
تمثيل سودانيي الدياسبرا عبر صيغة تضمن مشاركتهم العملية والرمزية لإبراز صوتهم في المجلس التشريعي واجب ملح ونامل أن ألا يتم تجاهلهم بحجج واهية. فحاجة البلاد إلى استثمار القدرات التي اكتسبها سودانيو المهجر في مجالات السياسة، والحكم الرشيد، والإدارة والتخطيط، والتربية، والأكاديمية، والتعليم عبر كل مراحله، والعمل المتصل بالخبرات القانونية، والصحية، والتجارية، والهندسية، والإعلام، والاقتصاد، والعمل في المؤسسات الدولية والنظام، وفوق كل هذا فهم واقع السياسات الدولية عن تجربة، وكذلك فهم التحولات الإنسانية.
ونعتقد أن هناك عدداً كبيراً من أصحاب هذه القدرات والخبرات على استعداد لتلبية نداء الوطن، والعودة للمشاركة، على النحو الذي شهدناه في عودة بعض هؤلاء المهاجرين المختارين للإسهام في مختلف مؤسسات السلطة الانتقالية. وما دام من الممكن الاستعانة بهذا النفر من ذوي الخبرات النوعية في هذه المواقع الانتقالية فما الذي يمنع شملهم في المجلس التشريعي؟.
إن صيغ تمثيل سودانيي الدياسبرا يمكن أن تكون انطلاقا من التمثيل القاري، والإقليمي، بمعنى أن يكون هناك ممثلان، رجل وامرأة، للولايات المتحدة، وأوروبا، واستراليا، وكندا، وأفريقيا، على أن يكون تمثيلهم بمقعدين أو ثلاثة للمقيمين في دول الخليج، ومصر، حيث الكثافة السكانية للمغتربين. وإذا كانت تياراتنا السياسية، والأطراف الموقعة على اتفاق السلام، سيتم تمثيلها بنسبة كبيرة فإن الواجب لهذه القوى أن تضغط باتجاه التمثيل الخاص للسودانيين خصوصا أنهم ظلوا قاعدة متينة لأحزابنا، وقوى الكفاح المسلح.
لقد حقق السودانيون المغتربون والمهاجرون نجاحات باهرة في كل بلاد المهجر بل نال بعض هؤلاء وأبناؤهم وبناتهم من الجيل الثاني الثقة لتمثيل أهل تلك البلاد نفسها في مجالسها التشريعية. ولذلك فإننا نتوقع أن تمثيل أبناء الجيل المهاجر واجب، إذا تكفل شمل المهاجرين والمغتربين في المجلس التشريعي، وذلك ضمن صيغة تضمن لهؤلاء الشريحة المهمة من مجتمع السودانيين في الخارج المساهمة بحماسهم الطاغي، ولكون تمثيلهم يشجع رصفائهم لتعميق الانتماء لأرض الأجداد، والآباء.
إذن فلنضغط حتى تسرع مكونات السلطة الانتقالية الحالية في تكوين المجلس التشريعي لأهميته القصوى كاستحقاق انتقالي، وليضغط الرأي العام، أيضا، لحمل المسؤولين على تنويره بالإجراءات المتبعة للخلوص من هذه المهمة التي طال انتظارها، ومعرفة الصيغة التي يتم بناءً عليها الاختيار للعضوية كافة. على أن هناك واجباً لنشطاء الخارج للضغط لتمثيل سودان الدياسبرا في المجلس التشريعي متى أصبح وجوده حقيقة ماثلة.
شارك هذا الموضوع: