الطاهر بشرى في مزلقان أوتوموا ابراهيم علي ابراهيم والطيور التى أقعدتها مخالطة الناس ..)) مرت طمأنينة العيش تحت مناسرها فانتخت وبأعينها فارتخت وارتضت أن تقأقي حول الطعام المتاح ما الذى يتبقى لها غير سكينة الذبح غيرانتظار النهاية ان اليد الآدمية.. واهبة القمح (( تعرف كيف تسن السلاح أمل دنقل* عند بوابة مغلقة باشاراتها وأجراسها ، توقفت بنا السيارة ليمرالقطار السريع، بعرباته الفضية اللامعة فتساءلت عن سر اناقة هذا القطار المغايرلقطارات البضائع، فضحك عبد الله محمد عبد الله وأسامة عبد الجليل(رفيقا الرحلة) وقالا بصوت واحد : انه قطار اللحم !! فتذكرت ان هذه المدينة يقوم اقتصادها على أساس اغتيال الخنازير والأبقار....(طلقة واحدة في الرأس تكفي ..) !!! فهذا الأنسان يغتال الطيور والأسماك ولا تسلم منه حتى الزواحف بضفادعها ولذا لم يكن صمت عبد الله جراء الصبر الكثير الذي يحتاجه المرء لعبور قطارات هذه البلاد، وانما لآنه من كبار النباتيين.. وأحسبه كان يردد مع صلاح جاهين : (( .. حقرا وفوق كوكب حقير محتقر في الكون تكون دنياكو ايه يا بقر رملاية في صحراء؟ لكن ايه بس نقول والكون بحاله جوه عقل البشر.. عجبي )) كنا قد قطعنا مائة وخمسين ميلا الى الجنوب الغربي من ايوا سيتي في اتجاه اوتوموا وهي مدينة صغيرة يغلب عليها الطابع القروي ، لايقطنها سودانيون ، ولكن مكسيكي عليم ببواطن الأمور قال أن قرية تبعد من هنا بضعة أميال نصف سكانها من أبناء جلدتنا - 50% - قالها هكذا. ثانية توقفنا عند محطة بنزين ، وسألنا عن شارع يقطنه شاب أسمر مليح، هاديء ، يبعث الأمان والطمأنينة في من حوله حال الجلوس اليه. تحسب دواخله ساكنة، وما أن تنفذ اليها تلقاها تمور بصراع الأضداد لم تهدأ رغم احتراف الفن لعقدين وأكثر.. وكذا تصطرع الخطوط مع الأفكار والألوان ولربما زادتها أوجاع الغياب الممض اشتعالا.. لكنه بسيط وأليف .. سرقته من حوش الجامعة سنوات الزيف والمنافي .. ومازال يستعصم ويحن الى الزمن الجميل، وتعمر ذاكرته بسنوات الضوء والسماح . - يا سيدتي نحن نبحث عن الطاهر بشرى .. قالت فتاة أمريكية لطيفة انها تعرف الشارع وأخذت ترسم خريطة يستتبعها أسامة - خلف نظارته السميكة - ولكنها توقفت ثم استدركت حائرة : انها معقدة !! واردفت : سأوصلكم حال فراغي من عملي ..... ومن ثم قطعت بنا النهر.. والمزلقان.. دارت دورة الرحى.. ونحن من خلفها .. ووصفناها بأنها أمريكية (بت بلد) ..!! وحينما طرق عبد الله الباب .. ظهر الطاهر بشرى .. وتسمر في مكانه وسط الصياح الذي باغتناه به ثلاثتنا .. فرح بالمفاجأة ، مد له أسامة رسائل أصدقاءه عبر الأنترنت .. وقرأنا له قصيدة زعيم ( الكاميراتا) عبد المنعم رحمة .. وسن عبد الله كاميرته الفخيمة ذات العلاقة بالفضاءات.. فكانت مباغتة من نوع آخر .. فالى أين الهروب أيها الطاهر .. فتح الطاهر بشرى أحضانه .. وأحزانه .. ومرسمه ليكرمنا .. تناثرت الأشياء في المرسم الصغير الا أن علب الألوان كانت مرصوصة في تناسق .. وفي الصدر تفاجئك جدارية مبهرة تنم عن تغيير وتطور خلاق حدث في حياته الفنية .. ورغم ان الزمن لم يسعفنا بمتعة مشاهدة وقراءة أعماله، فقد أخذتنا اليه الكثير من الأشواق ..، لكنه مازال يحافظ على أسلوبه الخاص .. خطوطه بأبعادها الهندسية .. منمنماته الدقيقة .. سلاسة الأنتقال بين عناصر اللوحة .. على الرغم مما يشبه العزلة .. في داخل المنفى ..، الا أن الطاهر بشرى صار أكثر قدرة على منح الجمال فقد نضجت تجاربه أكثر فأكثر ... يقول الطاهر أنه يحرص على فنه ويحافظ عليه منذ نشأته وحتى اليوم .. فالفن محور حياته.. قلت له بحثت عنك في أريتريا فقيل أنك في اثيوبيا وسألت عنك في أيوا سيتي فقيل أنك انتقلت الى أوتوموا.. فالى متى ستطل مع هذا الرحيل .. وسنوات (أم جرس) كما قال صديقنا الراحل (جلابي) .. سألني عما أفعل ، فرددت عليه : أمارس ما أسماه يحي حقي ( كناسة الدكان) ..!! ضحك الطاهر بشرى .. فما زال هادئا وجميلا .. تجلس اليه فتحس بالأمان و الاطمئنان .. رغم ما تمور به دواخله ..، يحف به اناس من جنسيات مختلفة يعبرون المزلقان للأطمئنان عليه . ابراهيم على ابراهيم ايوا سيتى
شارك هذا الموضوع: