أثر الأندية في تشكّل الشخصية العطبراوية

عبدالخالق السر - 13-10-2020

مدخل:

ليس غرض هذه الورقة الاستغراق في الهوية كمصطلح، أو العمل على اضاءة تعقيداته المفاهيمية، بقدر ما أنه سعى للتعاطي معه كحقيقة إجتماعية من منطلق تصور جماعة ما لذاتها، وتصدير هذا التصور للأخر للتعاطي معه كحقيقة وجودية ممايزة لحقائق وجودية أخرى.
وما عنيته تحديدا في هذا الخصوص هو الوقوف قليلا لتمحص التاريخ الاجتماعي للمدينة منذ تكوينها كما تتبعه الباحث السوداني الدكتور أحمد العوض سكنجة، وما تمخض عن بحثه القيم عن حقائق موضوعية عملت على اضاءة عناصر كثيرة ساهمت بقوة في تشكيل هوية إنسان عطبرة، ومن ثم المدينة نفسها. وجدت ضالتي في هذا البحث بتعرضه لدور الأندية كحدث تاريخي مهم ساهم بقوة في تميّز الحياة الاجتماعية، الثقافية، الرياضية والسياسية لعطبرة. أي باختصار، كانت لها القدح المُعلّى في تشكّل هُوية المدينة. أقول وجدت ضالتي، لأنني أحد ابناء هذه الأندية، ترعرعت في أروقتها وصاغتني إنسانا قبل أن أكون رياضيا، فكان وما زال يعتريني احساسا دفينا أن هذا الاندية لم تجد من يسبر أغوار فضلها على المدينة وإنسانها من منظور سوسيولوجي، حتى عثرت على كتاب سيكنجة (مدينة الحديد والنار: التاريخ الاجتماعي لمدينة عطبرة 1906-1984).
وفي تقديري، أنّ هذا الإهمال ما هو الإّ نتاج الإسراف المبالغ فيه – على حد تعبير سكنجة- في تتبع السيرة السياسية للمدينة، من قبل الباحثين والكُتّاب. لم يكن هناك تضخيم بالطبع، بقدر ما أنه تركيز عمل على حجب العناصر الأخُرى التي لو لاها، كما سوف نتتبع في مسار هذه الورقة، لما كان يمكن للجانب السياسي ان يُشكّل كل هذا الحضور الكثيف والمميز في سيرة المدينة وصيرورتها.

عطبرة والأندية: وجهان لعملة واحدة:

يقول سكنجة: "عندما يتعلق الامر بالأندية كمحور للنشاط الاجتماعي، نجد أن عطبرة قد بزّت غيرها من مدن السودان، بل أن الاندية هي معلم هُويتها الأبرز".
بمنتصف أربعينات القرن الماضي، بلغ عدد الاندية حوالي الثلاثين ناديا، وليس من قبيل المُبالغة إن قُلنا أن أيّة فرد من سُكّانها كان ينتمي، وقتها، الى نادياً ما. "شهادة شخصية، ص 83".
كانت الأندية الاجتماعية والرياضية في ذلك الوقت تتبني وتُعبّر عن التمايز الاجتماعي-الاقتصادي بين سكانها. فنجد، على سبيل المثال، أن ناديا مثل نادي عطبرة كان مثالا للتمايز الطبقي من حيث حصرية عضويته على الموظفين الانجليز. ولكن، رغماً ذلك، ضم مجموعة من صغار الحرفيين "الصناعية" ذوي الميول الاشتراكية، مما كان سببا لاحقا في تغيّر تركيبته الطبقية.
وكما لاحظ سكنجة، فإن تشجيع الرياضة والأنشطة الاجتماعية لم يكن اعتباطيا من قبل الادارة الاستعمارية وقتها، بقدر ما أنه كان نهجا علميا قد تم تطبيقه في كثير من المستعمرات البريطانية الأخرى. الغرض من ذلك – وفق بعض النظريات الاجتماعية المتبناه وقتها- هو أنه بمقدور الرياضة والأنشطة المُوجهه ان تقوم بتعزيز الترابط، الانضباط، حس المسئولية والقدرة على المبادرة بين أبناء المهنة الواحدة.
لن أتتبع في هذه الورقة المسار التاريخي لقيام الأندية أو المنافسات ، الا بالقدر الذي يخدم الغرض، لأن ذلك ليس مسعى الورقة، ولكن بالمقابل، سوف أُكثّف من إبراز الشق الرؤيوي المستبطن لقيام الأندية ومن ثم الأنشطة المصاحبة لها وأثر كل ذلك في تعزيز هوية عطبرة ومن ثم الشخصية العطبراوية.
من المؤكد أنّ بروز هوية عطبرة بهذه الطريقة المتفردة لم يكن صدفة بقدر ما أنه استراتيجية مقصودة من قبل المستعمر حتى يضمن كل الولاء الممكن من ساكني عطبرة للسكة الحديد التي يُعوّل عليها المستعمر كثيرا. تأكيدا لذلك، علينا تأمل هذا النص المقتبس من قبل سكنجة والمنسوب لأحد الموظفين البريطانيين في مذكرة بعث بها لإدارته يشرح من خلالها أهمية تبنّي السكة الحديد للمنافسات الرياضية:
"إن قيام هذه المنافسات الداخلية يبعث على التفاهم. والتفاهم يعني التعاطف والتقدير. والتقدير المشترك بين الجماعة هو حجر الزاوية في قيام حياة منظمة محورها الادارة. إن هذه اللقاءات التي تتم تحت إشراف إداري هي بلا شك تجسيد غير مباشر للمكاتب والورش، وبهذا المعنى، فمبقدورنا أن نُمتّن ونرتبط بهذا النموذج المثالي الذي كلنا نفخر به: إنه روح عطبرة". (88).
من هذا المنطلق وبهذا المنظور، يمكن القول أن هوية عطبرة وإنسانها تُرِكت مسئوليتها للأندية الرياضية وأنشطتها المنبثقة منها لكي تقوم بتشكيلها عبر النشاط المديني الدؤوب. وكما لاحظ سكنجة في معرض تعليقه على مذكرة المسئول الاداري، فإن رؤية العاملين لأنفسهم كتيم داخل وخارج العمل كان هو جوهر فكرة الهوية.
عندما نتحدث عن دور الأندية في تشكل الهوية العطبراوية يجب أن نعيِ أنّ الأمر لم يتم بين ليلة وضحاها، بل كان صيرورة عملت باستمرار على التشكل المتطرد لعطبرة ومن ثم إنسانها. يجب علينا في البدء أن ننتبه على أنّ هذه الاندية قد تمثلت في بداية نشأتها التننظيمات الجهوية، القبلية، الاثنية وكذلك الانتماءات المهنية. هذا المحفل الرموزي المُشئ بالانغلاق كان في الأساس تجسيد للواقع الاجتماعي للمدينة التي كانت وقتها مركزا لهجرة الريف، تكافح في خلق هوية "غامضة" خاصة بها.
هذا التخلّق لم يكن ممكنا لو لم تقم هذه الأندية بدور المِصهر لكل هذه التكوينات ما قبل المدينة والتي كانت تموج بها عطبرة كما سوف نرى. فعطبرة في بداياتها كانت قبلة القادمين للعمل بمختلف تكويناتهم الثقافية، الاثنية والعرقية، ومن ثم كانت الأندية تمثل مزيدا من التحوصل في خضم هذا النسيج المتنافر. ولكن لم يستمر هذا طويلا. فالأندية التي كان مرادا لها ان تكون قلاعا للتحصن الجهوي، العرقي والإثني قد مارست مهمتها المدينية بهمة وجدلية عالية. فقد عملت في البدء على تفكيك روابط ما قبل المدينة أو أوهنتها على أقل تقدير، ومن ثم مارست ببطء في إنتاج البديل المديني أي الهوية العطبراية. مهم جدا أن نفهم أن العفوية والطوعية التي وفرها مناخ الأندية نفسه لعبا دورا اساسيا في تبني وتعديل مفاهيم الولاء كما تتمثلها المدينة.
الأمثلة اكثر من ان تحصى في تتبع كيف بدأت الأندية وكيف فعل "الداينمك" الخاص بها في انتاج واقع جديد وهو الذي نسميه هوية عطبرة التي قامت وتاسست عليها شخصية الانسان العطبراوي.
في عام 1936م قام نادي في حي الداخلة بإسم (شباب حي الداخلة). تم تعيين السرور السافلاوي كرئيس للنادي. فكما يبدو من الوهلة الاولى، فإن كل عناصر "الإنغلاق" جاهزة. نادي يمثل حرفيا قرية الداخلة والتي يتكون نسيجها الاجتماعي القائم وقتها على وشيجة الدم والعرق، وفوق ذلك رئيس على رأس الادارة الأهلية، يُمثّل نموذج الاستيعاب كما أراده المُستعمر لحلفائه من المواطنين. ولكن تعالوا لنرى ما تمخض عنه الواقع. في عام 1944م تحول إسم النادي الى (الوطن)، بكل ما في دلالة الاسم من رحابة. إشتهر النادي بالأنشطة الثقافية وتنظيم الفصول الدراسية للرجال والنساء على السواء. وفي خضم حُمّى الوطنية التي انتظمت البلاد وقتها، عمل النادي على دعوة واستضافة طلبة كلية غردون لعقد الندوات السياسية، وتنظيم المسيرات السياسية ضد السياسات الاستعمارية، كما أهتم بتنظيم ندوات يؤُمها رموز المقاومة الوطنية.
ولنادي الأمل أيضا قصة تروى. فقد تأسس النادي في عام 1946م من شباب الموردة المنحدرين من أصول غرب أفريقيا وأحرار المسترقين. وفي وعي سياسي مبكر بما يدور في القارة السمراء، فقد أطلقوا على فريق الكرة لقب (الماو ماو)، تيمنا بحركة المقاومة الكينية للاستعمار الانجليزي. أكثر من ذلك، فقد إنفتحت عضوية النادي على كل سكان المدينة، ومارس أنشطة ثقافية واجتماعية مشهود لها. فقد كان مسرحا لفصول محو الأمية للنساء، كما صدرت به أول صحيفة يومية.
سأختم بنادي الأمير من حيث أنه تجسيد حي لما اود أن أقول في موضوع تشكل الهوية. أُنشيء نادي الأمير بواسطة مجموعة من أبناء دارفور القادمين الى عطبرة للعمل بالسكة الحديد، وكان ذلك في عام 1936 وسمي وقتها ب(النجم الأحمر). ثم تغير الاسم الى (الأمير) لأن مجموعة كبيرة من المؤسسين كانوا يمتون بصلة قرابة للخليفة عبد الله التعايشي والسلطان علي دينار، ومن ثم كانوا يعتقدون في
أنفسهم انهم سليلوا الأمراء. ومع ذلك إنتهى الأمر بعضوية النادي أن تضم سائر أعراق عطبرة، بل أنّه مر عليه زمنا كان ممثلا للطبقة الوسطى. الأكثر إدهاشا أنه، عندما قرر اعضائه بناء دارا للنادي، عملوا على إنشاء فرقة مسرحية لجمع التبرعات! في اعتقادي، ليس هناك فعلا مدينيا أكثر من ذلك.
لم تقتصر مهمة أندية عطبرة في كونها أصبحت مُفاعلا إجتماعيا يعمل على تشكيل هوية المدينة، بل أنها هششت إن لم تكن قد هشمت التمايز الطبقي بين الأفراد والجماعات السكانية على السواء. فالمعروف منذ البداية أن المدينة كانت قد قسمت طبقيا بشكل حاسم، وقد
عمل خط السكة الحديد الذي يفصل شرق المدينة عن غربها على تجسيد هذا التمايز الطبقي الفاضح. فغرب السكة الحديد كان يمثل المدينة الحديثة بتخطيطها الفيكتوري وموقعها الآثر على ضفاف النيل. أما شرقها، فقد خصص للأهالي من بسطاء العمال والعاملين على هامش اقتصادها يعيشونها كما اتفق لهم وفق خلفياتهم الاجتماعية التي وفدوا منها.
برزت الأندية في هذا الصدد كترياق لهذا (الاربهايت) الاجتماعي، وعملت بأنشطتها المدينية من رياضة، ثقافة، فنون وسياسة لتجسير هذه الهوة. بل قامت بمهمة الإختراقات الطبقية في بعض الأحيان. لقد ضمت هذه الأندية ، لاحقا، أعضاء من مختلف الطبقات الاجماعية والفئات العمرية، ليستحيل التمايز الطبقي الى مساواة إجتماعية، باتت هي أكثر ما يميز عطبرة وإنسانها.
وفي ذات السياق، فقد لاحظ سكنجة أنه حتى حركة كحركة الأخوان الجمهوريين، قد إستفادت بقوة من قدرة الأندية على تقبل أكثر الأنشطة الفكرية والاجتماعية إثارة للجدل. فقد تمكنت الحركة في ستينات وسبعينات القرن الماضي من الانتشار بفضل الأندية.
يورد سكنجة في هذا الصدد:
"استفادت هذه الحركة الاصلاحية المؤسسة على نهج فكري جديد يقوم على تبني ترجمة جديدة للقرآن والسنة والدعوة لفقه جديد، من رحابة هذه الأندية. وعلى الرغم من قلة عددهم فقد كانت هذه الجماعة ناشطة في طرح برامجها. وكانت الأندية تعُج بندواتها ونقاشاتها، مما مكنهم من أن يُكوّنوا قاعدة قوية بالمدينة خاصة وسط الطلاب".

موات الأندية وشرخ الهوية:

لم تعد أندية عطبرة كالسابق. ظهر مواتها البطيء منذ أوائل تسعينات القرن الماضي. فالحضور الاجتماعي الطاغي لسكان عطبرة بمختلف أعمارهم ومراكزهم الاجتماعية في أنشطة الأندية حتى ذلك الوقت كان ضمانا وحصنا للحفاظ على هوية المدينة وإنسانها. تعطب المفاعل الاجتماعي منذ ذلك الحين وصار الكساد البشري يلف أندية المدينة، ومن ثم فقدت سمتها الرئيسية في إمتصاص كل وافد والعمل على إعادة تشكيله الى عطبراوي السمات والملامح.
في هذا الصدد، أذكر أنني التقيت الاخ والصديق المعروف هاشم الأديب قبل عدة سنوات في واحدة من زياتي للوطن. سألت كالعادة عن حال عطبرة وأهلها. رد الأديب بسخريته المعهوده: "نحن هسة بصدد إنشاء رابطة أبناء عطبرة بعطبرة"!
ضكحت وقتها على التعليق، والذي أراد من خلاله الأديب أن يُنبيِ بالتغيُّر الذي طرأ على التركيبة الديمغرافية للمدينة، للدرجة التي أصبح أهلها "غرباء". ولكن ما أثار اهتماهي حقا وقتها، إن لم يكن قلقي، هو أن الأديب أحال عطبرة الى جهوية محضة، عنى ذلك أم لم يعنى. فما غاب حقا عن فطنة الأديب – في تقديري- هو أن وفود "الأغراب" ليس هو الإشكال الحقيقي، لأن الحقيقة التاريخية للمدينة تقول أنها لم تكن في يوم الأيام موطن فئة محددة – هذا اذا استثنينا أهل الداخلة القرية قبل ميلاد المدينة- بقدر ما أنها مدينة مهجر، بل أنها كانت أول مدينة متروبوليتان بكل ما تعني الكلمة في مفهومها الحديث. وذلك لأن نسيجها السكاني كان يضم أعراق وإثنيات من داخل وخارج السودان. ولكن عبقرية عطبرة تكمن في قدرتها على تشكيل كل وافد واكسابه هويتها المميزة.
إن الذي حدث الآن وأصبح مشكلة السكان "الحقيقيين" لعطبرة هو أنه لم يعد بوسع المدينة فعل ذلك، ومرده من وجهة نظري، يعود الى العطب الذي اصاب مفاعلها الاجتماعي في القيام بدوره، أي بعبارة أخرى: أنديتها. الشاهد أن العطبراويين هجروا الأندية كمؤشر دامغ لاعتزالهم حياة المدينة، ومن ثم جفت منابع أنديتها من الرواد والانشغال كما السابق في المحافظة على كسبها المديني المييز في تفعييل حياة الافراد وتفجير طاقات الشباب واستعياب كل من قادته الأقدار نحو دروب المدينة مقيما أو عابرا.
إن تأليف بروفيسور سكنجة لهذا السفر القيم في التاريخ الاجتماعي لهذه المدينة الرائعة لهو أصدق تعبير لما نود أن نقول. فسكنجة كما أشار في مقدمة كتابه على أنه ليس من سكان عطبرة، ولكن كما هو واضح من دلالات الإهداء لبعض أقاربه (المعروفين كعطبراويين)، أنه أحد أبناء الرباطاب الذي أمضوا قسطا من عمرهم بالمدينة، ربما طالب ثانوي. أيا كان الأمر، فالثابت أنّ عطبرة أعملت هويتها في سكنجة وشكلته كأي عطبراوي صميم. اذا ليس بغريب أن يأتينا هذا السفر بكل هذا الغِنى والإحاطة.
ينتابني حزن عظيم كلما تقودني خطواتي الى نادي الشبيبة، فالنادي العظيم والذي كان في يوم من الأيام منارة بموقعه المميز في وسط المدينة وعضويته العريضة من مختلف سحنات أبناء السودان، ضاعت ملامحه المميزة وسط ركام الدكاكين ولم يتبقى منه سوى مدخل خجول ومساحة بالداخل بالكاد تكفي لمن نسميهم ب"وافدي المدينة" يتحلقون يوميا حول التلفزيون لمشاهدة مسلسل تركي مدبلج. هذا النادي الذي كان حتى اوائل ثمانينات القرن الماضي يموج ويعج بكافة الأنشطة من ندوات وجرائد حائطية ولقاءات اجتماعية، كان واحداً من بوابات عبور غرباء المدينة للإنتماء وإكتساب الهوية العطبراوية، بات اليوم نموذجا لغربة المدينة ومضاعفتها لغربة من قصدوها بحثا عن مقام وانتماء.

ملخص:

كما تتبعنا، عملت الأندية عبر تاريخها، والذي هو بعمر عطبرة المدينة، يداً بيد مع هيئة سكك حديد السودان، كمفاعل اجتماعي مكّن نسيجها المتباين من التفاعل الخلاًق في صيرورة فريدة، أنتجت شخصية متميزة للمدينة أكسبت إنسانها هوية وخصوصية عالية صارت بعض من عناصر شخصيته التي لا يخطئها الآخرون. أرجع سكنجة أهمية الأندية بالنسبة لإنسان عطبرة من موقع أن المدينة وقتها لم تكن تملك الكثير من وسائل الترفيه والمتعة، ووجد سكانها ضالتهم في قيام هذه الأندية وقدروها حق قدرها حين خلقوا منها مركز أنشطتهم الانسانية المختلفة.
أيا كان الأمر، ففي تقديري، أن ما تمخض عنه الواقع ما هو الاّ إنعكاس لعبقرية التفاعل الخلاق بين المكان وإنسانه، ولكن المحزن حقا، أنّ الأمر لم يعد بتلك الوردية. فقد هجر أبناء المدينة أنديتهم، وذلك عندي هو هجرانا لهويتهم. ويخطيء أهلها كثيرا إن ظنوا أن هويتهم محض جينات، وليست فعلا تاريخيا قوامه المدينة وماكينزماتها التي أحسنوا في زمن ما توظيفها فكافأتهم كما يجب.

ملحوظة:

يمثل كتاب البروفسور أحمد العوض سكنجة
The City of Steel and Fire, the social history of Atbara, 1906-1984
المرجع الأساسي لهذه الورقة.