إتجاه جديد في العولمة الاقتصادية على الطريقة الصينية: مبادرة الحزام الاقتصادي وطريق الحرير الجديد (الحلقةالخامسة)

د. أنور يوسف عطا المنان - 26-05-2021

خارطة جديدة لطرق النقل العالمية
المسار الجغرافي في أفق مبادرة الحزام و طريق الحرير الجديد، يمر بين عشرات الدول, فإذا كانت البداية من الصين فبعدها تأتى منغوليا وتركمانستان، كازاخستان، أوزبكستان، أفغانستان، تركيا، إيران، الهند، باكستان، سوريا، مصر وإيطاليا. الطريق يمر من خلال 65 دولة، حيث يخترق قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهما يربطان دائرة شرقي آسيا الاقتصادية النشطة من طرف، بدائرة أوروبا الاقتصادية المتقدمة من طرف آخر ، حيث يتركز الحزام الاقتصادي لطريق الحرير على تفعيل ممرات الصين- أوروبا بحر البلطيق عبر آسيا الوسطى وروسيا، والصين- منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط عبر آسيا الوسطى وغربي آسيا , ويتمثل الاتجاه الرئيسي لطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين في الانطلاق من الموانئ الساحلية بالصين إلى المحيط الهندي مرورا ببحر الصين الجنوبي، وامتدادا إلى أوروبا؛ وكذلك من الموانئ الساحلية بالصين إلى جنوبي المحيط الهادئ عبر البحر الجنوبي.

إن التغيير الكبير الذي أحدثه، وسيحدثة بالتأكيد في المستقبل ، ما إختطه أفق مبادرة الحزام وطريق الحرير، سيشكل ويعيد رسم طرق النقل العالمية وينقلها من شكلها التاريخي القديم إلى آفاق لم تكن في الحسبان، ذلك سيحدث إنقلاب كبير في طرق التجارة العالمية ويحدث تبدل كبير في مراكزها التقليدية المسيطرة الآن وستنعش مبادرة الحزام والطريق مناطق كثيرة حول العالم في اوربا وآسيا والشرق الأوسط بما يعود بالتقدم والإزدهار على كثير من الدول والشعوب وتحيا حياة جديدة ، ولربما قلت أهمية بعض المناطق التي كانت لفترة طويلة متحكمة في طرق النقل العالمية بحكم موقعها للربط بين أواصر العالم.

تعتبر القنوات المائية التي تربط بين المسطحات المائية الكبرى في العالم ، ومعظمها قنوات صناعية تم حفرها في فترات الاستعمار القديم، بعد الكشوف الجغرافية ، وكان الغرض منها إختصار المسافات والدوران حول القارات القديمة في العالم، ولعل أهمها ، قناة السويس التي حفرت في عهد الاستعمار الفرنسي لمصر، لربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، لتقريب المسافة بين أوربا وإفريقيا و آسيا وأستراليا عبر المسطحات المائية وتقلل تكاليف الترحيل و مدتها الزمنية وتوفر الكثير من الأمان لنقل البضائع عبر البحار أكثر منه بالبر، وهناك أيضاً، قناة بنما المهمة في أميريكا الوسطى التي تربط ما بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. والتي تم شقها في العام 1914 والتي تعتبر من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم. هذه القناة تقصر مسافة رحلة السفن من سانفرانسيسكو إلى نيويورك إلى أقل من 8,370 كم. وفي الفترة التي سبقت شق هذه القناة، كان على السفن التي تقوم بمثل تلك الرحلة، أن تدور قاطعة نحو 20,900كم حول أمريكا الجنوبية. هذا ، أضافة إلى مضيق مضيق ماجلان، هو ممر مائي يقع جنوب أمريكا الجنوبية ،على الحافة الجنوبية للقارة ،وهو يعتبر من أهم الممرات المائية الطبيعية بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي. ومضيق بيرنغ الذي يفصل بين قارة آسيا وقارة أمريكا الشمالية، تحديداً بين رأس ديجنيف في روسيا, و ألاسكا، وهو يصل بين بحر برينغ والمحيط المتجمد الشمالي وهناك مضيق البسفور في تركيا ومضيق جبل طارق بين أوربا وإفريقيا. هذه القنوات سيطرت لفترة طويلة في تاريخ التجارة العالمية وكانت لها اهميتها القصوى في اقتصاديات كثير من الدول وخاصة مصر وبنما إضافة لأهميتها الاستراتيجية و الجيوسياسية ، إلا أن المحاولات لم تفتر في السعي نحو خلق طريق بديلة؛ لتجارة العالمية العابرة في هذه المناطق المهمة عالميًا، لمنع التحكم وإختصار زمن الطريق وكلفته ، وهي مشروعات أو أفكار لم ترى النور، إما بسبب تكاليفها شديدة الضخامة، أو لأسباب تقنية أخرى تعوق التنفيذ.

وسنتناول التأثير المتوقع لمبادرة الحزام وطريق الحرير على قنوات النقل البحري العالمية والموانئ:

القنوات البحرية: قناة السويس وقناة بنما
يبدو أن مصاعب كبيرة تنتظر قنوات النقل البحري التقليدية ، وفي مقدمتها قناة السويس وقناة بنما، قد تؤدي لفقدانها التحكم في مسارات السفن ، أولى هذه المصاعب ، وهي المسارات البديلة للسفن عن قناة السويس، والتي برزت خلال العقود الماضية بعشرات التصريحات، أو الإشارات عن نوايا استبدال قناة السويس المصرية، وقناة بنما البنمية في أميريكا الوسطى ، بطرق أقل كلفة وأكثر أختصارا للوقت ،ولكن، نجاح ناقلة الغاز الروسية "بالتيكا" بتنفيذ أول مرحلة من مهمتها لنقل الغاز المكثف من مورمانسك الروسية إلى شنغهاي الصينية، عبر الطريق المحاذية لسواحل البلاد الشمالية من المحيط المتجمد الشمالي، والتي ستعوضها عن استخدام الطريق الجنوبية عبر قناة السويس، يضع علامات استفهام كبيرة حول إمكانية تحقق تلك المشروعات أو إحداها على الأقل، خاصة وأن هذا الممر الجديد بإمكانه أن يستوعب نصف البضائع والمواد التي تمر الآن عبر قناة السويس من أوروبا وأمريكا إلى الصين واليابان.

رحلة "بالتيكا"(1) تمت بوقت وكلفة قليلين بالنسبة لقناة السويس، حيث قطعت في رحلتها 2500 ميل بحري خلال 11 يومًا، حتى المحطة الأولى في ميناء "بيفيك تشوكوتكا"، عبر مياه المحيط المتجمد الشمالي، وعلى متنها 70 ألف طن من مكثفات الغاز، ورافقتها في الرحلة كاسحة الجليد الذرية "50 عامًا على النصر"، حيث انطلقت من مدينة مورمانسك الروسية ، متوجهة إلى الصين في أول رحلة تجريبية بهذا الطريق الجديد، الذي يختصر رحلة قناة السويس من 20 ألفًا و500 كيلومتر، إلى 1200 كيلومتر فقط عبر بحر الشمال، ما سيوفر على كل باخرة 10 أيام من الوقت، و300 ألف دولار من الإنفاق .

خارطة توضح الطريق الجديد
خارطة توضح الطريق الجديد عبر المحيط المتجمد الشمالي المقترح بديل لقناة السويس

لم تعد المسألة اقتصادية فقط، وباتت مساعي الدول لخلق القنوات البحرية والطرق البرية البديلة عن قناة السويس، من أهم عناصر التنافس الإقليمي والدولي، حيث تسعى الدول إلى تشكيل ممرات وطرق خاصة تتحكم فيها وتؤمنها سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، بالمقارنة بقناة السويس التي تسيطر حاليًا على حوالي 70% من حركة التجارة العالمية، نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز؛ مما أكسبها على مدار العقود الطويلة الماضية أهمية استراتيجية واقتصادية كانت كافية لإشعال الحروب . مؤخرًا برزت مشاريع لطرق جديدة وإعادة إحياء لطرق قديمة، سواء بحرية أو برية؛ الأمر الذي شكل منافسة وتهديدًا للقناة المصرية أهمها الممر الشمالي الشرقي، الذي كشفت عنه بداية العام الحالي الحكومة الصينية، والذي يمر عبر المحيط المتجمد الشمالي، الذي فتح بفضل الاحتباس الحراري الذي ذوب الجليد في القطب الشمالي؛ لتقليل الزمن وتفاديًا لتكاليف المرور عبر قناة السويس وقناة بنما.

في حال نجاح المشروع، ستجبر القناتان في إطار سعيهما للاحتفاظ بجاذبية المرور عبرهما، على تقليل رسوم المرور عبرهما بنسبة 30% تقريبًا لقناة بنما، و50% لقناة السويس، ، باعتبار أن هذا الممر سيقلل الرحلة من شنغهاي بالصين إلى هامبورغ بألمانيا، عبر الممر الشمالي الجديد بحوالي 2800 ميل بحري عن الطريق المار عبر قناة السويس، موفرة بذلك الوقت والوقود كما موضح بالخريطة.

خلال 4 سنوات من 2012 إلى 2016 ارتفع عدد السفن التى استخدمت هذا الطريق من نحو 5 سفن عام 2012 إلى 71 سفينة عام 2016، ورغم أن ذلك لا يقارن بحوالي 17 ألف سفينة شحن تعبر قناة السويس سنويًّا، لكن تضاعف السفن التي تستخدم هذا الممر يعكس الاهتمام الدولي به. بمجرد ذياع صيت هذا الطريق بادرت الصين بالتهديد باستخدامه كبديل للقناة المصرية؛ للضغط من أجل تخفيض رسوم العبور، حيث تبلغ حصة بكين من إجمالي الحاويات المحملة العابرة لقناة السويس حوالي 23%، وبلغ حجم تجارة الصين من البضائع العامة العابرة لقناة السويس حوالي 10.7% من إجمالي البضائع العامة العابرة للقناة، وبلغ عدد سفن الحاويات التابعة لشركة الحاويات الصينية 452 سفينة، فيما بلغت أعداد الناقلات التي تحمل البترول الخام أو منتجاته والغاز المسال أو الكيماويات 118 سفينة، في المقابل قابلت مصر هذه التهديدات بالتجاهل، معتمدة على صعوبة بل استحالة استخدام هذا الطريق في فصل الشتاء، بالإضافة لمساهمة مشروع القناة الجديدة في تقليل ساعات الانتظار واختصار ساعات الرحلة عما كان عليه الوضع من قبل.(2)

قناة نيكاراغوا
المشروعات والمحاولات الصينية لم تتوقف، وسعت مؤخرًا إلى حفر قناة جديدة بين المحيطين الهادي والأطلسي عبر أراضي نيكاراغوا، تربط هي الأخرى المحيط الأطلسي بالهادي، لمنافسة قناة بنما، وتمتد إلى 278 كلم طولًا وبعرض يتراوح بين 230- 520 م وعمق 27.6م، وهي أكثر طولا وعمقا واتساعا من قناة بنما. وتستطيع حمل ما يصل إلى 25 ألف حاوية، وتتوقع شركة HKND الصينية ، هي الشركة المسؤولة عن إنشاء القناة، أن ينتهي المشروع خلال خمس سنوات على أن يبدأ التشغيل بحلول عام 2020، فيما يبلغ تكلفته نحو 50 مليار دولار (32 مليار جنيه إسترليني)، ويضم المشروع ميناءين ومطارا ومنتجعا ومنطقة صناعية لتوليد الكهرباء وغيرها من المنشآت.(3)

وتهدف قناة نيكارغوا الكبرى، كما أطلق عليها، إلى منافسة قناة بنما وانتشال البلاد من فقرها. تتوقع نيكارغوا تحريك خمسة في المئة من حجم التجارة العالمية التي تتحرك في البحر، وسيكون لها فوائد اقتصادية كبرى وستضاعف إجمالي الناتج القومي."

ويعتبر هذا المشروع ذا أهمية استراتيجية، لأن التمويل والتنفيذ سيكون صينيًّا، وبدعم روسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية؛ الأمر الذي سيجعل بكين تتحكم في معبر مائي دولي على مشارف الولايات المتحدة، لكن القناة لن تضر قناة السويس؛ لأنها تخدم مناطق بعيدة عن تلك التي تخدمها القناة.

القناة الإيرانية المقترحة
طهران هي الأخرى دخلت على الخط ، ذلك أن قناة إيرانية مقترحة ستصل بين بحر قزوين، المسطح المائي المغلق الأكبر عالميًا، والذي تطل عليه خمس دول هي: روسيا وإيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان، وستمر بطول الجمهورية الإيرانية بالكامل من الشمال للجنوب، وصولًا إلى الخليج الفارسي، مما يعطي طهران ومن ورائها موسكو خطًا مباشرًا إلى خليج عمان، ومن ثم المحيط الهندي، وسيكلف طهران قرابة السبعة مليارات دولار أمريكي، لكن مصادر اقتصادية عدة توقعت تغطية تكاليف المشروع، من أرباح القناة، في فترة لا تزيد على ثلاث إلى أربع سنوات، منذ بداية التشغيل، بما تقدر قيمته الربحية سنويًا بـ 1.4 مليار دولار قيمة شحن البضائع من الجانب الروسي، و1.3 مليار دولار من الجانب الإيراني.(4)

القناة الايرانية

هنالك مشكل فنية تتعلق بهذه القناة، فهي تصل بين بحر قزوين وبين مياه المحيط الهندي، الأعلى منها بحوالي 28 مترًا كاملة، ما يعني أن أغلب السفن ستصبح ملزمة بتركيب أنظمة أقفال هيدروليكية كاملة جديدة، لمنع فيضان المياه أو تدفقها من المستوى الأعلى للأسفل، بتكلفة إضافية عالية، بالإضافة لعقبات أخرى، منها أن سلسلة جبال ألبرز تمتد في الشمال الإيراني بالكامل تقريبًا وستعيق الحفر، ناهيك عن أن طول القناة قد يزيد من معدل الفيضانات، والتي بدورها ستزيد من معدلات حدوث الزلازل، في منطقة هي بالأصل نشطة زلزاليًا.(5)

المضائق المائية:
على جانب آخر يأتي مضيق هرمز الإيراني في مقدمة القنوات المائية التي لن تتأثر سلباً بطريق الحرير، فمن المعروف ان إيران تسيطر على مضيق هرمز، وهو المضيق الذي يشهد تدفق أكثر من 175

مليون برميل نفط يومياً، بنسبة تقترب من 40% من تجارة النفط العالمية. ومن المعلوم أن طريق الحرير، يقع بعيداً عن المضيق، كما أن نوعية البضائع التي يساهم في نقلها تختلف اختلافاً كاملاً عن النفط الذي يتم تصديره عبر مضيق هرمز. وفي المستقبل القريب، يبدو أن هرمز سيحتفظ بمكانته الحالية.(6)

أما بالنسبة لمضيق باب المندب، الذي يشهد مرور 7% من إجمالي حجم الملاحة العالمية، سوف يتأثر كثيراً بالتراجع المتوقع لمرور البضائع الهندية والصينية، ولكنه سيحافظ على مكانته كممر نفطي مهم لأن ناقلات النفط سوف تستمر في اتخاذه سبيلاً نحو قناة السويس.

ومن الممكن أن يعود مشروع الحزام والطريق بأثر إيجابي على المنطقة المحيطة بباب المندب، وبجيبوتي ومنطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص، وذلك في حالة إقامة المشروعات اللوجيستية الكبرى التي أبرمت الصين اتفاقياتها مع جيبوتي في عام 2014، والتي بلغت كلفتها 14.5 مليار دولار. بإقامة تلك المشروعات، سيصبح باب المندب واحداً من أهم مراكز طريق الحرير الجديد، وسيعني ذلك مزيداً من التنمية لشرق القارة الأفريقية.(7)

أهمية إستراتيجية وتنافسية دولية للموانئ البحرية على طريق الحرير:
إن الشركات الصينية تنشط بكثرة في مجال انشاء وصيانة المواني في الخارج، ومثل هذه المشاريع الرائدة تمتد من اليونان إلى مصر، إلى سنغافورة وبلجيكا وغيرها من الدول.إلى جانب منافعها الإقتصادية الكبيرة، تنفع هذه المشاريع الشعوب بشكل مباشر. وبالتالي، فأن شركات إنشاء الموانئ الصينية بصدد كتابة فصل جديد من تاريخ طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين.

الحقيقة أن طريق الحرير ، أشعل فتيل المنافسة الإقليمية والدولية بين الموانئ البحرية ،وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب و شرق آسيا ، بغرض حجز مكانة استراتيجية ولعب دور مهم على طريق الحرير ، ذلك ، أن كل المعطيات تبشر بانتعاش إقتصادي وإجتماعي وأهمية جيوسياسية في المستقبل الحاضر

والآتي ، وأدى ذلك لتهديد أهمية موانئ لا تزال في كامل نشاطها وتبشير ببذوغ نجوم جدد على الساحة في هذه المناطق مما يمكننا من إلقاء مزيد من الضوء عليه في الفقرات التالية:

ميناء جبل علي في دبي:
منطقة "جبل علي" في دبي، من أكبر المناطق الاقتصادية في الشرق الأوسط، إذ يوجد بها أحد أكبر الموانئ العالمية وهو "ميناء جبل علي" الذي يؤدي دورا حيويا في خدمة الأسواق العالمية، ويلعب دوراً محورياً في اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة. جغرافيا، تبعد منطقة جبل علي عن وسط مدينة دبي بنحو 30 كيلو متر مربع،

ما ذكر في الفقرة السابقة، وعلى الرغم من المكانة الكبيرة التي تحتلها دبي وميناء جبل على حالياً، إلا أن ذلك مقرونا بقراءة الواقع الذي يشئ به توسعة ميناء غودار الباكستاني وجحم الاستثمار الذي يضخ فيه بأن إحداثيات المستقبل تتبدى بوضوح :

حاولت دبي الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي للخليج العربي التغلب على فقر مواردها الطبيعية باستثمارها في البُنَى التحتية لتصبح أكبر مركز عالمي للتجارة والمال والسياحة، لتستقبل سنويًا الملايين من السائحين ورجال الأعمال، وأصبحت موطنًا لكثير من الشركات العالمية. حيث يوجد بها ميناءان تجاريان رئيسيان “ميناء راشد”، و “ميناء جبل علي. وتأتي إيرادات دبي الرئيسية من السياحة والطيران والعقارات والخدمات المالية.

ولكن ، الأوضاع فيما يتعلق بتوازن القوى الإقتصادية والسياسية في جنوب آسيا ومنطقة الخليج العربي، آخذة في التغير بسرعة فائقة. ويمكن أن يعزى ذلك إلى حقيقة أن القوى الناشئة في المنطقة تعيد تحديد وجودها؛ وتقوم كل من الصين وباكستان وقطر بتشكيل الأجندة الاقتصادية للمنطقة استنادًا إلى الاقتصاد الجيولوجي لميناء غوادر، في حين أن الهند والإمارات العربية المتحدة تقاومان بشدة هذا الاحتمال، وتحاولان معادلة هذه الخطة بإقناع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية بالاستثمار في دبي.

وفي إشارة واضحة لما يشئ به صعود القوى الإقتصادية الناشئة بالمنطقة ، يتوقع المراقبون أن تتفاوت القدرة على التعاطي مع ذلك المتاح لدول في المنطقة من موارد إقتصادية خاصة. ،فبينما تمتلك المملكة العربية السعودية والكويت موارد طبيعية من النفط، ولقطر مواردها للغاز الطبيعي، ليس الأمر ذاته إذا ما نظرنا للإمارات، حيث لا تملك أي موارد خاصة بها وتعتمد في الغالب على عائداتها من السياحة والنقل(8). ووكذلك، في وجود استثمار المملكة العربية السعودية الكبير، لجذب السياحة من خلال تحويل 50 جزيرة في البحر الأحمر إلى منتجعات سياحية فاخرة، وهذه المنافسة الاقتصادية المستعرة في خليج عمان، تبقى الإمارات العربية المتحدة هي الخاسر الأكبر ؛ حيث لن يبقى لدبي أية امتيازات في السياحة ولا في النقل بعد مضي عشر سنوات من الآن.

ميناء جوادر: واقع جديد، من الناحية الإقتصادية والجيو- استراتيجية.
يصل التنافس وتغيير الأفق الإستراتيجي في المنطقة مداه ، حين يكون الحديث عن ميناء جوادر الباكستاني الجديد ،هذا الميناء يطل على بحر العرب جنوب غربي باكستان بالقرب من مضيق هرمز الذي تعبر منه ثلث تجارة النفط العالمية، بين جنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط، فضلاً عن كونه الجزء الأكثر أهمية في طريق الحرير القديم الذي يربط الصين بالقارات القديمة الثلاثة (آسيا أوروبا وإفريقيا) . إن العمل على توسعة هذا الميناء ، تخلق واقعا جديداً تماماً ، من الناحية الإقتصادية والاجتماعية والجيو استراتيجية ، ذلك أن الواقع الاقتصادي للمنطقة يتغير تماماً ، بخلق دبي جديدة ، ذلك ، أن تحالفا إقتصادياً جديداً بدأت ملامحه تلوح في الأفق ، بين الصين وباكستان وقطر في مواجهة الهند والأمارات العربية المتحدة . يعد ميناء غوادر منافسا خطيرا لدبي، كما يعتبر الميناء موقعا إستراتيجيًا يمنح الصين ووسط آسيا إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط، و سوف يصبح البوابة الرئيسة البحرية لآسيا الوسطى.

موقع جوادر
يمثل موقع جوادر جزءًا هامًا من طريق الحرير القديم الذي يربط الصين مع أوروبا وآسيا وإفريقيا. ما يعزّز أهمية الميناء، موقعه الاستراتيجي جنوب غرب باكستان، حيث يطلّ على بحر العرب بالقرب من مضيق

هرمز الذي تعبر منه ثلث تجارة النفط العالمية، والذي تسيطر عليه حاليًا إيران. يساعد موقع الميناء في تقليل الوقت والمال على الرحلات التجارية، ويعدّ موقع الميناء ذا أهمية استراتيجية أخرى لوقوعه بين جنوب و وسط آسيا والشرق الأوسط.

في السابق كان جوادر تحت سيطرة سلطنة “عمان” حتى استعادته باكستان في عام 1958 وظلّ معطلًا حتى عام 2002 قبل بدء باكستان في الاستفادة من عمق مياهه وصلاحيته لاستقبال السفن الكبيرة.

أهمية الميناء
يعتبر الميناء جزءًا من مشروع حزام واحد وطريق واحد الذي أعلنت عنه الصين في عام 2013 في سياق صعودها المستمر كقوةٍ اقتصاديةٍ عظمى. المشروع عبارة عن مجموعة من الطرق البحرية والبرية العملاقة، سيتمّ إنشاؤها خلال خطة زمنية بالتعاون مع 65 دولة ، بهدف إيصال البضائع الصينية مباشرة إلى أنحاء العالم. تكمن أهمية ميناء جوادر في قربه للصين؛ حيث يعدّ أقرب ميناء لإقليم شينجيانج الصناعي، إذا ما قُورن بالموانئ الصينية الواقعة شرقها. ستعبر التجارة الصينية برًا على طول جغرافيا باكستان من خلال الطرق التي تَمَّ إنشاؤها حتى تصل إلى جوادر، ومن هناك يتم نقل البضائع إلى دول الخليج والشرق الأوسط.(9) التكلفة الاستثمارية للمشروع: الكلفة المتوقعة للاستثمار السنوي في المشروع الصيني الباكستاني تقدر بنحو 150 مليار، وأن هناك 4.5 مليار دولار سوف تنفق على الطرق والطاقة والفنادق وغيرها من البنى التحتية للمنطقة الصناعية في جوادر.(10)؛ حيث ينقسم المشروع إلى حزام برّي وطريق بحري ويقع جوادر ضمن خطة الحزام البري الذي يتكون من 6 طرق رئيسية أشهرها طريق قطار لندن الذي يقطع 18 ألف كيلومتر ويمر بتسع دول

(الصين، كازاخستان، روسيا، بلاروسيا، بولندا، ألمانيا، بلجيكا، بريطانيا، وفرنسا.) . تبلغ مساحة منطقة التجارة بميناء جوادر 152 هكتارًا سلمت للشركات الصينية بحقّ استغلال لمدة 43 عامًا.

وعلى جانب آخر، أدركت دولة قطر ، أهمية غوادر كمغير كبير للتوازن الإقتصادي في المنطقة، ولذا عزمت على المشاركة في الإستثمار بمقدار 15٪ من "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني(11)" -وهو عبارة عن مجموعة من مشاريع البنية التحتية قيد الإنشاء حاليا عبر باكستان . هذا الممر سيُسهم في تقليل الوقت المستغرق لنقل البضائع من ميناء جوادر إلى غربي الصين وأيضا إلى مناطق آسيا الوسطى بنسبة تبلغ حوالى 60 أو 70%".

الممر الباكستاني
خارطة توضح الممر الباكستاني على طريق الحرير وميناء جوادر

موانئ تمتاز بإدارتها الصين على طريق الحرير:
لم يكن البحر البيض المتوسط بعيداً عن القوى الناعمة الصينية ، ولم تغفل الصين عن إيجاد موطئ قدم فيه إستكمالاً لامتدادات طريق الحرير البحري والمنظور الإستراتيجي لحيثيات مبادرة الحزام، وبالتالي

نشطت الشركات الصينية في هذه المنطقة لأهميتها الإستراتيجية ولتأكيد الوجود الصيني وتسهيل وصول السلع والبضائع الصينية للمنطقة وحصلت على إمتياز إدارة الكثير من الموانئ ، ومنها:

ميناء حيفا

يقع ميناء حيفا شمال وسط مدينة حيفا ويطل على البحر المتوسط ويمتد بطول 3 كم على الشاطئ الأوسط للمدينة ويقع عليه مرافق صناعية، وتجارية، بجانب مرافق سفن الرحلات السياحية.(12) ميناء حيفا، هو أحد أهم ثلاث موانئ إسرائيلية، وهي إيلات وحيفا وأسدود. وللميناء مرفأ طبيعي يمتد في المياه العميقة، ليخدم السفن التجارية وسفن الركاب. وهو أحد أكبر موانئ شرق المتوسط من حيث حجم الشحن، حيث يتم شحن أكثر من 22 مليون طن على الميناء سنوياً. يعمل في هيئة الميناء أكثر من 1.000 شخص، ويرتفع الرقم إلى 5.000 شخص عند رسو سفن الرحلات في حيفا .

ميناء شرشال الجزائري

هذا الميناء هو شراكة بين المجمع العمومي الوطني لمصالح الموانئ وشركتان صينيتان (شركة الدولة الصينية للبناء والشركة الصينية لهندسة الموانئ). وفقا لقاعدة 49/51 بالمائة لصالح الجزائر ، وتقدر تكلفة المشروع الذي لن يكلف خزينة الدولة أعباء مالية 3.3 مليار دولار، إذ سيتم تمويله في إطار قرض صيني على المدى الطويل على أن يتم إنجازه في غضون سبع سنوات و يدخل الخدمة تدريجيا في غضون 4 سنوات، مع دخول شركة صينية (موانئ شنغهاي) التي ستضمن تشغيل الميناء. وتوصلت الدراسات التقنية لتحديد موقع انجاز ميناء جديد في المياه العميقة بعمق 20 مترا. وسيحوي الميناء على 23 رصيفا يسمح بمعالجة 6.5 مليون حاوية ، 25.7 مليون طن من البضائع سنويا كما سيكون الميناء قطبا للتنمية الصناعية حيث سيربط بشبكات السكة الحديدية والطرق السيارة وسيستفيد في جواره المباشر من موقعين بمساحة 2.000 هكتار لاستقبال مشاريع صناعية. (13)

ميناء بورسعيد المصري

ميناء ومدينة بورسعيد المصري ،على البحر الأبيض المتوسط في شمال قناة السويس . يعتبر موقع ميناء بورسعيد من أهم الموانئ المصرية، حيث أنه يعد أكبر ميناء عبور في العالم ، وتبلغ مساحة الميناء 3.000.895 متر مربع، وتبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 12.175 مليون طن سنوياً، ويعمل 24 ساعة يومياً، وفي منتصف أكبر خط ملاحي تجاري يصل بين أوربا والشرق. ، حصلت على إمتياز إدارة ميناء الحاويات فيه ، شركة كوسكو باسيفيك في العام 2013. (14)

ميناء كومبورت التركي(15)

وفي عام 2015، حصلت الشركة الصينية لخطوط الشحن (كوسكو) على حصة الأسد في ميناء "كومبورت" ثالث أكبر الموانئ في تركيا، الذي يملك قدرة تشغيلية تصل 2.1 مليون حاوية شحن من حجم عشرين قدمًا. ، وذلك بالتزامن مع دخول مجموعة شركات صينية، من بينها تشاينا ميرشنت العالمية القابضة “CMHI”، كشركاء بعد شرائهم حصة 65% من فيبا القابضة. وتضم المجموعة شركة كوسكو باسيفيك ليميتد “COSCO Pacific” إضافة إلى تشاينا انفستمينت كابيتال “CIC Capital”. ويعد هذا الميناء الواقع على بحر مرمرة بالجانب الأوروبي للعاصمة التركية اسطنبول، أحد أسرع الموانئ التركية نمواً في حجم العائدات والعمليات، وذلك بفضل موقعه الاستراتيجي الذي يبعد 35 كيلومتراً من مضيق البوسفور ويعد المنفذ الوحيد للمناطق الواقعة على البحر الأسود، ويتكون الميناء من 6 أرصفة بحرية بطول 2180 مترا. ويبلغ عمق المياه عند هذه الأرصفة حوالي 5ر16 متر وهي قادرة على استيعاب أكبر ناقلات الحاويات الموجودة في العالم، وقد وصلت الطاقة الاستيعابية الحالية للميناء إلى حوالي “1.8″ مليون حاوية نمطية .. ومن المؤمل أن يزيد العدد ليصل إلى “3.5″ مليون حاوية نمطية في المستقبل. جدير بالذكر أنه في عام 2016م قد استوعب الميناء ما مجموعه “1.4″ مليون حاوية نمطية، أي ما نسبته 17% من إجمالي الحاويات التي تم استيعابها في تركيا. وقد بدأت الشركات الصينية بالفعل تستخدم هذا الميناء لشحن بضائعها إلى أوروبا.

ميناء جنوا

ميناء جنوا ميناء إيطالي كبير على البحر الأبيض المتوسط. يبلغ حجم التبادل التجاري فيه 51.6 مليون طن، وهو ميناء مزدحم بحمولة البضائع. ويغطي ميناء جنوا مساحة 700 هكتار برًّا و500 هكتار بحرًا، ويمتد لأكثر من 22 كيلومترًا على طول الساحل، مع 47 كيلومترًا من الطرق البحرية وعلى بُعد 30 كيلومترًا من الأرصفة النشطة.(16)

ميناء بيرايوس اليوناني:

اليونان هي الشريك البحري الأقوى للصين في هذا الجزء من العالم،(17) فقد تم تطوير ميناء بيرايوس بالقرب من أثينا تدريجيا منذ عام 2009 باستثمارات صينية، وفي عام 2016 استحوذت شركة الشحن الصينية "كوسكو" على الحصة الأكبر في مرافق الميناء. وبعد أن وصل الحجم السنوي للحاويات إلى 3.67 مليون حاوية في عام 2016 (ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 5 ملايين حاوية بحلول عام 2018) صار ميناء بيرايوس أكبر ميناء للحاويات في شرق المتوسط، ونقطة دخول رئيسية للمنتجات الصينية إلى الأسواق الأوروبية. ونظرا لطول مدة علاقة الشراكة الوثيقة بين أصحاب السفن اليونانية وشركات الشحن الصينية، فقد أصبح ميناء بيرايوس مركزًا للأنشطة الصينية في المنطقة.

طريق الحرير البري: القطار الصيني إلى أوربا:
وصل القطار الصيني المعروف إعلامياً باسم خط الحرير الجديد، إلى محطته النهائية في العاصمة الإنجليزية لندن في 2014، بعدما مر بكل من كازخستان وروسيا وبلاروسيا وبولندا والمانيا وفرنسا، ويعد أطول خط سكك حديد عابر للقارات بالعالم، القطار الصيني انطلق من محطته الأولى في مدينة ييوو

الواقعة في شرق الصين، ، وتبلغ هذه المسافة 13 ألف كم تقريبًا، في رحلة ستستغرق 17 يومًا، بدلًا من 6 أسابيع بالبحر.

قدرات الطريق الجديد وتغيير خارطة التجارة العالمية
يأتي خط السكك الحديدية الصيني، كخطوة أولى في مشروع "الحزام والطريق"، الذي أعلنت الحكومة الصينية عن ابتداء العمل فيه في عام 2013.هذا المشروع الضخم يعمل على إحياء طرق التجارة القديمة بين قارات العالم القديم الثلاث (آسيا وأوروبا وأفريقيا. وبحسب مجلة فورين بوليسي الأميركية، فإن الصين تهدف من ذلك المشروع الضخم، تسهيل تجارتها مع 65 دولة، تتركز فيها نسبة 60% من سكان العالم.

وتتأتى أهمية المشروع من حجم الاستثمارات الكبيرة التي سيتم ضخها فيه، فقد بلغت التكلفة المبدئية له 250 مليار دولار، ومن المتوقع أن حجم الاستثمارات النهائية عند اكتمال المشروع سيبلغ ما يقرب من 4 تريليون دولار.

فمن ناحية، الحديث عن استثمارات ضخمة بهذا الحجم أمر لابد وأن يقترن بدراسة العوائد المرتبطة به. ولا يقف المشروع عند حدود تمويل خط بناء سكة حديدية، بل يمتد إلى توفير استثمارات صينية على طول الخط الحديدي، والحديث عن استثمارات في 65 دولة لابد وأن تعتمد على الخط الحديدي كجزء من خطة تدوير العائد الاقتصادي.

يمثل هذا المشروع فرصة كبيرة لبلوغ مستوى مثالي من تشغيل الموارد، وبخاصة البشرية، وهو ماسيعود أثره على هذه الاقتصادات التي ستفيد من وجود قوة شرائية قوية بهذا الحجم، ما سينعكس بالإيجاب على مستوى رفاه المناطق المحيطة بالمشروع. ومن ناحية أخرى، فإن شركات التعدين والحديد العملاقة، التي تعاني جراء الركود الاقتصادي، تضغط للمشاركة في المشروع وإنجاحه، فهناك فرصة كبيرة جداً لبلوغ استثمار مثالي في بناء 12.500 كيلو متر من السكك الحديدية قد يؤدي لطفرة في قطاعي التعدين والسلع والإنشاءات الدولية. ولا ننسى في هذا الصدد أن أمان التجارة العالمية من مخاطر النقل البحري

يمثل عنصرا مهما من عناصر الترويج للمشروع، وهو مفتاح ترويجي بالفعل. ولا غرو أن نجد أفضل شركات التأمين ضد المخاطر والمصارف الاستثمارية تدعم هذا المشروع وتروج له. ومن المؤكد أن عدداً من الدول ستتعرض لخسائر في عوائد استغلالها لمراكزها الجغرافية واللوجستية المهمة من جراء تشغيل الخط الصيني، كما إن هناك بعض الدول التي من المتوقع أن تتماشى مصالحها الاقتصادية مع هذا المشروع.

كما أوضحنا سابقاً، فإن إيران لن تتأثر بالخط الصيني، فمن المعروف ان إيران تسيطر على مضيق هرمز، وفي المستقبل القريب، يبدو أن هرمز سيحتفظ بمكانته أمام الخط الصيني، إذ لم تصدر أي تصريحات من جانب الشركة الصينية المنفذة تشير إلى امكانية إقامة محطات للطريق الجديد بالقرب من منطقة الخليج، وهو أمر بديهي وسط الحروب والقلاقل التي تشهدها المنطقة العربية. (18) على الجانب الآخر، ليس من البعيد أن تستغل إيران موقعها الجغرافي المتميّز، ووقوعها على شواطئ بحر قزوين، لتستغل مرور الخط الحديدي الصيني بالقرب من أراضيها، وأن تستفيد من علاقاتها الديبلوماسية المتميزة مع الصين من جهة والدول الأوروبية من جهة أخرى، في تسويق منتجاتها وسلعها عبر هذا الخط الجديد.

من المتوقع ألا يتأثر ميناء جبل علي كثيراً بالخط الحديدي الصيني في مرحلته الأولى، وذلك لكونه يعمل في ربط السلع الأجنبية بالأسواق الخليجية، والتي لا يمر فيها طريق الحرير حالياً. ولكن في الوقت نفسه، فإن هناك مخاوف من تهديد الاستثمارات المستقبلية المنوي ضخها في الميناء، ;كما أن هناك إتجاه من قبل إدارة مواني دبي العالمية لرفع الطاقة الاستيعابية للميناء لتصل إلى 22.1 مليون حاوية بحلول عام 2018، وهو الأمر الذي قد تهدده إقامة طرق فرعية لطريق الحرير الرئيسي.(19)

ينضم قطار الصين، إلى طرق التجارة العالمية التي تنافس قناة السويس، التي يمر من خلالها 7.5% من حجم التجارة العالمية، ومن أبرز تلك الطرق: بحر الشمال ذلك الممر الملاحي الذي نشأ

بفعل التغيرات المناخية ، ويمر عبر القطب الشمالي يمثل مسارًا أسرع للسفن. من المتوقع أن تكون للقطار الصيني إلى أوربا، تأثيرات سلبية حقيقية على قناة السويس، متعلقة بتمرير صادرات الصين إلى أوروبا مباشرة بعيدًا عن القناة، لكن في المقابل تجارة الصين التي ستخرج إلى الدول العربية والإفريقية ستمر عن طريق قناة السويس مرة أخرى، وهو ما قد يفيدها أكثر من الضرر الذي قد يوقعه بها.

المشروع سيمنح فوائد جمة لروسيا ، حيث يشكل مدخلًا استراتيجيًا هامًا وسهلًا لمياه المحيط الهندي وبالتالي المحيطين الهادئ والأطلسي، وروسيا تمتلك بالفعل وصولًا إلى مياهي المحيطين، إلا أنه وصول عن طريق المياه الباردة، أما هنا فإنه سيكون أول طريق مياه دافئة يتوفر لموسكو.(20)

طريق القطار الصيني لأوربا، يمثل مفتاحًا شديد الأهمية للنفوذ الهندي، كونه سيسمح للهند بتجاوز باكستان ، كمتحكم رئيس في وصول تجارة نيودلهي إلى آسيا الوسطى، ومن ثم إلى روسيا وأوروبا، وسيعطي الهند بديلًا فعالًا اسمه "إيران"، بالإضافة إلى الأفغان، ولذلك أعطت الهند موافقتها على استثمار نصف مليار دولار، بشكل مباشر، في تحديث ميناء "جابهار" على ساحل بحر عمان، الميناء الأساسي الثاني مع "بندر عباس".(21)

بالنسبة لتركيا ، التي تنقسم أراضيها بين الجانبين الآسيوي والأوروبي، من الممكن أن تكون أحد أكثر المتضررين من مشروع القطار الصيني الجديد. فبرغم الموقع الاستراتيجي المتميز، والذي يشرف على مضيقي البسفور والدردنيل الحيويين، كان قد أنجز في 2013 مشروع مرمراي، والذي يتمثل في إنشاء نفق تحت مضيق البسفور ليكون حلقة وصل ما بين الشرق والغرب، أو بالأحرى ما بين العاصمة الصينية بكين والعاصمة الإنجليزية لندن.(22) منت تركيا نفسها بالحصول على مكاسب اقتصادية هائلة من ذلك المشروع ، ولكن قطار طريق الحرير الصيني تجاوز المضائق التركية، وتحديدًا مضيقي الدردنيل والبوسفور، ويعني هذا من تقليل أوراق النفوذ الاقتصادية التركية، وبالتالي السياسية. وتبقى الآمال التركية

معلقة على أن تشارك في أحد المسارات الفرعية لطريق الحرير، تلك التي من المزمع إقامتها في المستقبل القريب.

وهكذا بعد أن أصبحت مبادرة الحزام وطريق الحرير الصيني في حكم الواقع ، إذن أضحى العملاق الصيني ، وعبر طرق الحرير البحرية وطرق الحرير البرية ، في كل مكان وأصبحت البضائع الصينية في كل متجر وفي كل بيت وفي متناول يد كل مواطن في العالم ، حسب مقدرته الشرائية ومستوى الجودة الذي يرغب فيه، من إفريقيا إلى آسيا ، ومن أوربا ، إلى أمريكا وكندا ، لا اسثناء لأحد ، وحتى استراليا ونيوزيلاندا. كما وضع بصمته على البنيات التحتية ، لكل الدول التى مر بها ، بل وامتدت آثاره إلى التنمية البشرية ورفع مستوى معيشة السكان المحليين ، بإيجاد فرص العمل وتقديم الخدمات التعليمية والصحية وإدخال الكهرباء لكثير من المناطق في العالم لأول مرة ، وشملت الاثار تلاقح ثقافات الشعوب وفنونها وعاداتها وتقاليدها ، وتسهيل حياة الناس ووصلهم بالعالم خارجهم بكل سهولة ويسر عبر النقل والاتصال



المراجع:

  1. http://www.arabic.rt.com/news/53410

  2. https://www.BBCarabiccom/2016/news.

  3. https://www.noonpost.org/content/14051/04/2016

  4. https:// www.marsadz/blog/order-from-chaos/2017/05/22

  5. https://www.raseef22.com/economy/2017/01/24/

  6. https://www.midan.aljazeera.net/reality/economy/2017/9/21/…

  7. https:// www.saadahpress.net/news/news-35306.htm

  8. https://www.thelenspost.com/2017/11

  9. https://www.midan.aljazeera.net/reality/economy/2017/9/21 10. https://Troops on Guard as Britain Opens Harbor of Haifa". Chicago Daily Tribune. p. 24.Retrieved 2017-08-24

  10. https://www.centurion dz.com/=cLPocgOODnw Feb 19, 2018. 12. Peter Apps, Political Risk Correspondent. "China, Russia, U.S. raise Mediterranean naval focus"

  11. https://www.turkpress.com.tr/node/39944

  12. https://ar.wikipedia.org/wiki/ميناء_جنوة

  13. https://assafinaonline.com/maritime-news/top-news/5354/04 2017

  14. https://www.marsadz/blog/order-from-chaos/2017/05/22

  15. https://wwwraseef22.com/economy/2017/01/24/قطار

  16. https://syriannewscenter.net/ar/article/24278-قطار-الصين

د. أنور يوسف عطاالمنان

o بكالوريوس إقتصاد وتنمية ريفية جامعة الجزيرة

o ماجستير التخطيط الريفي والحضري جامعة ساكسيون بهولندا / جامعة قرينتش ببريطانيا

o دكتوراة علم إجتماع / علم إجتماع التنمية /جامعة النيلين بالخرطوم

o أستاذ مشارك / كلية الدراسات الدولية / جامعة يانجو / جمهورية الصين الشعبية

o أستاذ كلية العلوم الإدارية والإقتصادية جامعة البطانة / رفاعة

o نشر العديد من المقالات الإكاديمية المحكمة في عديد من المجلات الأكاديمية الأجنبية والمحلية

o له مقالات منشورة بالصحف ومواقع التواصل الإجتماعي

Anwar_yousif@yahoo.com



الكاتب: د. أنور يوسف عطا المنان

بكالوريوس إقتصاد وتنمية ريفية جامعة الجزيرة ماجستير التخطيط الريفي والحضري جامعة ساكسيون بهولندا / جامعة قرينتش ببريطانيا دكتوراة علم إجتماع / علم إجتماع التنمية /جامعة النيلين بالخرطوم أستاذ مشارك / كلية الدراسات الدولية / جامعة يانجو / جمهورية الصين الشعبية أستاذ كلية العلوم الإدارية والإقتصادية جامعة البطانة / رفاعة نشر العديد من المقالات الإكاديمية المحكمة في عديد من المجلات الأكاديمية الأجنبية والمحلية له مقالات منشورة بالصحف ومواقع التواصل الإجتماعي Anwar_yousif@yahoo.com