نص إتفاق جوبا على إعلان إقليم دارفور خلال شهر من التوقيع على الإتفاق في حال عدم حدوث ذلك يسري تلقائياً عقب 6 " سته " أشهر من الإتفاق , و يصادف ذلك الاول من مايو 2021 نسبة لتوقيع الإتفاق في الثاني من إكتوبر 2020 ، و يبدو أن اللجوء للتعيين بسريان المدة قصدت به رئاسة الوزراء الخروج من الحرج الذي يثير أسئلة لا تزال قائمة حول مصير نظام الحكم و هو أمر مرتبط بقيام المؤتمر الدستوري ( مؤتمر نظام الحكم ) لكن يبدو أن إتفاق جوبا تخطى أجندة المؤتمر بشكل مسبق بالعودة إلى نظام الأقاليم لكن بشكل أكثر تعقيداً هو بقاء التقسيم الإداري لها كوحدات ولائية تحت مظلة حاكم صلاحياته لا تزال قيد الإنتظار لتعديل الوثيقة الدستورية ، و هو يتطلب أيضاً إعادة وضع دساتير الولايات بشكل يضبط العلاقة بين الولاة أو الحكام و بين حاكم الإقليم و بين الإقليم ومجلس الوزراء ، في القوة القانونية يتساوى كل من الولاة و الحاكم في ذلك حيث أن كليهما تم تعيينه بواسطة رئيس الوزراء مما يجعل الطعون الإدارية في قرارات كليهما تسلك ذات درجة التقاضي، بتعيين السيد مني أركو مناوي حاكماً يكون ما تبقى من ملف إقتسام السلطة بالنسبة لحركات الكفاح المسلحة مقعد والي بأحد ولايات دارفور الخمسة لا يزال قيد التنفيذ في إنتظار قرار رئيس الوزراء .
الصلاحيات الولائية ال 28 الممنوحة لإتفاق دارفور في إتفاق سلام السودان ( إتفاق جوبا ) تثير تساؤلات حول ممارستها و هي إحدى التعقيدات التي إرتبطت بنقدنا لمنهج إتفاق جوبا الذي لم يستفد من إرث الإتفاقات السابقة كوثيقة الدوحة التي دفعت برئيس للسلطة الانتقالية الدكتور التجاني السيسي في تجربة مقابلة لفكرة حاكم الإقليم مع الإختلاف حول ماهية النظام الديكتاتوري الذي تم الأمر تحت مظلته ، فإنعكس الأمر على جعل قضايا النازحين داخلياً محور الإهتمام دون النظر بشمول لأزمة الإقليم و تراجع علاقة دولة ما بعد الإستقلال في ترسيخ علاقة المواطنة والوفاء بالإلتزامات الخدمية المرتبطة بذلك .
ناحية ثانية أثر ضعف الثقافة الديمقراطية في إتفاق جوبا جاء ليشكل مقاربة أخرى مع وثيقة الدوحة ، ولا سيما فترة سيطرة الإسلاميين وتنامي مد الحقوق الفردية و الجماعية المحمية بماهيتها المتخطية للسيادة أنتجت قوى فاعلة ذات تفويض مدني كما عززت ثورة ديسمبر 2018 إلى نشأة فاعلة لقوى حديثة ممثلة في لجان المقاومة ، و هي تمثل حركات إجتماعية مفتوحة بأجندات قومية في الأساس كما شهد مسار التغيير بذلك و برغم صعود وهبوط مسار الثورة إلا أنها ظلت على جودي الإنضباط والإلتزام ولم تتأثر بالعقبات المختلفة بل ظلت تجيب على إختبارات الواقع المعقد بكل إقتدار و لعل آخر دليل على ذلك موقفها الإيجابي من حدث مستشفى الامتياز حيث إستطاعت إلزام سلطات الفترة الإنتقالية لإلتزام واجبها وفقاً لصحيح الإجراءات والقانون ، محصلة ما وددت ربطه بالفقرة السابقة هي التحديات السياسية بعيداً عن مسار تنفيذ نصوص الإتفاق التي يجدر على حاكم الإقليم الأستاذ مناوي الإنتباه لها ، حيث أن ضمانة تنفيذ الإتفاق لا يقف على توفير قوة لحفظ حماية المدنيين ، و الدمج وإعادة التسريح ، و توفير الموارد و ترسيم العلاقة بين الإقليم ورئاسة الوزراء ، بل يتخطى الأمر إلى خارطة طريق للتعامل مع تلك القوى ، المدنية و الحديثة و الأحزاب السياسية بالإقليم و كافة أرجاء السودان ، و ذلك لقوتها في جوانب ترسيم المواطنة و تهيئة المسرح للإنتقال الديمقراطي و فعاليتها في تكملتها لدائرة شمول أصحاب المصلحة لكونهم شكلوا قاعدة صلبة لشرارة ثورة ديسمبر 2018 كفاعلين أساسيين دون إقصاء أو تقليل لكافة الأدوار ، أهمية إيلاء الإنتباه لذلك مرتبط بأسباب أهمها أن النظرة الجغرافية و نصوص إتفاق جوبا بما فيها حاكم الإقليم تروج نظرياً لكان الإقليم وحدة صلدة من حيث الفاعلين والمواقف وهو أمر غير سليم على الإطلاق فهنالك الكثير من العوامل التاريخية ، والسياسية والإقتصادية تم التعامل معها سلباً من حكومات ما بعد الإستقلال و زاد الطين بله سياسات الإسلاميين السودانيين من عسكرة المجتمعات ، وتقسيم الأرض ، وتسييس الإدارة الأهلية ، و منهج العقاب الجماعي و الإفقار الممنهج و غيرها لتبقي الإقليم على حواف مجموعات مدنية نسبية إرتبطت بالأحزاب داخل المدن الرئيسية و نشاط واسع لحركات الكفاح المسلحة التي تقاسمت الجغرافيا الحضرية وخارجها بالإضافة إلى حدات قبلية تمظهرت آثارها السالبة في سياق الصراعات المرتبطة بالتنافس حول الموارد و ضمان الولاء السياسي بل وصل الأمر إلى دفعها لإنتاج إعادة التغيير الديمغرافي .
كما يدفع الواقع بقوة للتنبيه إلى واقع الإقليم الذي يجيب عليه مسار نشأة حركات الكفاح المسلحة و إنقساماتها التي فاقت العشرات ، بل في صورة أخرى عدم تبلور اللحظة الموازية للأزمة التي وصلت مرحلة النضج و أعني بذلك فشل جهود التوحيد أو الإلتفاف على موقف تفاوضي موحد على الأقل دون تبرير لمواقفها السابقة قبل 2018 من إلتزام التفاوض كتحالف تاسيساً على ضرورة الأمر ليتسق مع شمول الأزمة ومسبباتها ، هذا ما يسند ما أشرت إليه من خطل النظر لإقليم دارفور كمعادل جغرافي يمثل كتلة موحدة في جوهرها ربما إلى حد كبير قد يقترب الأمر الإنتباه إلى التغيرات التي قادت إلى نشأة لجان المقاومة و إنطلاقها من منصة أجندة وطنية تجاه قضايا الثورة التي شكل إسقاط النظام أبرزها ، و إلتحامها القومي نتيجة لطبيعتها التي إستندت على التنظيم جغرافياً وفق لمحيط السكن بعيداً عن روابط قبلية فشمل الأمر النازحين بالمعسكرات إلى جانب الضواحي الحضرية و القرى ، إلتزامها بماهية الأجندة و عزز من مسارها في سياق حركة التغيير السليمة لمواجهة الهدف المشترك وهو نظام الإسلاميين محور للأزمات الوطنية
عطفاً على ما أشرت إليه لعل الإنتباه المطلوب من حاكم الإقليم هو للسياق السياسي العام بين الأستاذ مناوي قائد حركة / جيش تحرير السودان و مناوي الحاكم السياسي الذي يواجه مرحلة مختلفة تتطلب أدوات و قدرات بذات القدر .
فها هو التوقيع الإختياري على إتفاق جوبا يدفع بإلتزام تجاه الأستاذ مناوي بصيانة وحدة الإقليم في سياق السودان الموحد ، فقد سبق و أن أصدر مناوي تصريحاً في 2015 حول إحتمال المضي إلى فكرة تقرير المصير للإقليم و لعل ذلك في ظل السلطة السابقة و التعقيدات المرتبطة بها ، فها هو الحصان أمام العربة في ظرف تاريخي مختلف عن2015.
الأمر الثاني إرتبط أيضاً بتغريدة له علي تويتر في أكتوبر 2020 حول ضرورة تغيير إسم الإقليم و إقتراح بتغييره إلي دار السلام ، حاولت تقصي الأسباب فلم أجد ما يجيب على التساؤلات ، لأنه ببساطة ضم و إنضمام الإقليم إلى السودان جعله تم كدارفور المرتبطة بسلطنة الفور وهو يشير إلى ما تم شمل محمولات شعوب سلطنة الفور على نسق عملية الإضافة ،التاريخ السياسي القريب جعل جنوب السودان تحمل الإسم كدولة بعد الإنفصال / الإستقلال وهو أمر حصيف لأن الأحداث السياسية لا يمكنها إقصاء المحمولات بمسميات ، أما دار السلام فليكن شعار لهدف راجح التحقيق في فترة قيادة مناوي للإقليم ، فدار السلام كمسمى لن توحد مكونات الإقليم ولن تخلق منها كتلة متسقة تجاه مسألة المواطنة و إحترام الآخر والعيش الآمن كسودانيين بعيداً عن الإنتماءات القبلية والإثنية .
كما أشرت فإنه آن الآوان لمرحلة مختلفة تطلب إستراتيجية و قاموس مختلف إحداثياته ليست دارفور فقط بل السودان و التحولات التي تمثل آمال السودانيات / السودانيين كما عبر عن ذلك على سبيل المثال قافلة وادي هور ( التي تقع ضمن تصنيف قوى الثورة و لجان المقاومة) فرغم أنها عبرت من الغرب إلى ميدان الإعتصام جغرافياً و ثقافياً و سياسياً .
الواقع الراهن يشير إلى رحلة جديدة إتفقنا أو إختلفنا مع بداياتها و شمولها مما يجعل نجاح إدارة حكم الإقليم يفرض النظر إلى قضايا نوعية مرتبطة بواقع الحركات المسلحة بين الإنقسامات و التوحد مقابل الوحدة العضوية للأزمة ، أيضاً مسألة رد الإعتبار لكافة شعوب السودان عن ما نتج عن أية ممارسات سالبة في سياق نشاط الحركات من إنتهاك لحالة حقوق الإنسان ، فالواقع دون حجب يشير إلى التحديات الكبيرة منها أن تقبل الإتفاق علي أرض الواقع بشكل لا يبعث على الإطمئنان .
شارك هذا الموضوع: