مجلّة الإشتراكية الدولية
دورية ربع سنوية لتناول النظرية الإشتراكية
العدد:163
اقتناص زمن الثورة: محاولة لفهم أبعاد وتفاعلات انتفاضتي السودان والجزائر
بقلم: آآن أليكساندر
نُشر بتاريخ: 26 يونيو 2019م
(ترجمة هاشم محمد صالح)
(نلتقي في الساعة الرابعة* ظهراً؛ زمن الثورة!).
هَذِه العبارة التي وردت في نداء لتجمّع المهنيّين السودانيّين للجماهير للتظاهر الجماعي على صفحته في (الفيسبوك) في ١٢ أبريل، ربّما لا تعني الكثير بالنسبة لأولئك الذين يريدون تحجيم دور حِراك الجماهير إلي إشارة في الحاشية في ما يرونه مُجرّد توالٍ معهود للأنظمة العسكرية في الحكم.
ولكنّ بالنسبة للذين- كما وصفتهم روزا لوكسمبورغ (يستطيعون (شمّ) رائحة الثورة الممزوجة بالملوحة)- بالنسبة لهؤلاء- فإن لهَذِه العبارة مغزىً عميق؛ حيث أنّهم يدركون أنّ (زمن الثورة) زمن مُختلف تماماً!
(زمن الثورة)، هو لحظة نجحت مئات الآلاف مِن الجماهير التي كانت في قلب الحِراك في السودان والجزائر أن تنتزعها (وتستردها) مِن التاريخ.
مِن زاوية، يبدو لنا (زمن الثورة) وكأنّه قد مرّ سريعاً بصورة رائعة ومُدهِشة. فقد نشأت التنظيمات وحركات (المقاومة) بسرعة نمو الحشائش في الصيف، وتغيّيرت أفكار الناس (وميولهم) بين ليلة وضحاها واهترأت اليقينيات القديمة. وما ظلّت كل تحرّكات السنين الماضية تصبو إليه، أصبح مِن المُمكن تحقيقه خلال أسابيع أو أيّام أو حتى ساعات! فأربعة أشهر مِن الاحتجاجات أسقطت نظام البشير الذي دام ثلاثون عاماً، أمّا وزير دفاعه عوض أبنعوف فلم يبق في السلطة سوى ساعات.
على أن حجم ومدى عملية التغيير سيعطينا، مِن ناحية أخرى، إحساساً آخر ببطء (زمن الثورة)، فقد بدا واضحاً أن سقوط ونهاية الديكتاتور إنما هو بداية لمسيرة صراع طويل المدى لمواجهة وإبعاد تلك الجيوب في السلطة التي أدارتها باسمه.
ولا أحد يدري إلى متى سيدوم (زمن الثورة) ففي مصر مثلاً فإنّ دورة التنازع بين الثورة والثورة المضادة بين عامي ١٩١١م و١٩١٣م استمّرت لعامين. فعلى حين يُصبح بمقدورالإرادة الجمعية للملايين مِن الجماهير التي انبثق فيها الوعي السياسي فجاة أن تُشكل خطراً على بقاء الحكّام وان تلقي بهم في أزمة عميقة؛ فإن هؤلاء الحكّام بدورهم يسعون لقلب الموازين، واستعادة قدرتهم على التسلط بِكافة السُبل.
لذلك يُمْكِن القول أن (زمن الثورة) زمن مُستلف بالمعنى الحقيقي للعبارة!
يبقى السؤال: إذا كان الزمن (زمن الثورة) قصيراً بهذِهِ الصورة، كيف يُمكن للثوار الإستفادة القصوى مِنه؟
يقترح هذا المقال ثلاثة مجالات (زوايا) للتحليل ويطرح ثلاث أسئلة تتعلق بالاستراتيجية، ظلّ للفكر الاشتراكي الثوري مساهمة مميزة فيها.
أول هَذِه المجالات التي يمكننا توظيف أدوات التحليل الماركسي للنظر إليها، لنفهم بشكل أفضل، الحركات الجماهيرية التي اندلعت في السودان والجزائر، هو فحص العلاقة بين الجوانب "الاقتصادية" و"السياسية" للحراك الذي هزّ كلا المجتمعين حتى النخاع.
ثانيًا: نحتاج بالذات لِتقصّي جذور هذا الحِراك في الأشكال الخاصة للتطور (النمو) الاقتصادي المتفاوت (غير المتوازِن) والمتساوق زمنياً في ذات الحين، الذي يتميّز بِه المجتمعان، وذلك بناءً على النموذج النظري الذي اقترحه ليون تروتسكي للنظر للتطورالإقتصادي في روسيا في أوائل القرن العشرين.
ثالثًا: سوف ننظر لمسألة (الدولة)، اعتمادا على التقليد الماركسي الكلاسيكي بما في ذلك كتيب لينين، الدولة والثورة: النظرية الماركسية للدولة ومهام البروليتاريا في الثورة.
وهذا يقودنا إلى سؤال في الإستراتيجية الثورية. فَمَتى يكون النضال من أجل تغييرات جزئية في النظام أمراً ناجعاً ؟ ومتى يُصبح تحقيق الإصلاحات وسيلة (مُضادة) لاحتواءوإجهاض العملية الثورية؟
هناك مجموعة تالية من الأسئلة تتعلق بتطوير أنماط التنظيم الديمقراطي القاعدية النابعة من أسفل. هَذِهِ التنظيمات القاعدية يُمكنها أن تُمهّد الطريق نحو ابتداع أشكال بديلة من الحُكم وحتى أشكال مختلفة جديدة لتنظيم المجتمع المدني.
المسألة الثالثة والأخيرة التي نتناولها هنا تتعلق بوعي الحزب الثوري الإشتراكي بذاته، ولماذا نعتقد أن الدروس المستفادة من موجة الانتفاضات في أعوام ٢٠١٠م و٢٠١١م تشير إلى الحاجة ليس فقط لأشكال واسعة من التنظيم (التحالفي) الجماهيري؛ولكن أيضًا للحاجة إلى القوة "الضيقة" والمركّزة (لحزب ثوري) قادر على قيادة النضالمن أجل تحطيم الدولة القائمة وفتح باب الإمكان لثورة اجتماعية من أسفل.
"التأثير المتبادل": من الاقتصاديّ إلى السياسيّ وبالعكس
انطلقت الانتفاضة السودانية في ولاية الدمازين في كانون الأول 2018 باحتجاجات على ارتفاع سعر الخبز إلى ثلاثة أضعاف، لكنها سرعان ما تبنّت مع انتشارها شعارات مناهضة لبقاء النظام مِثْل ("تسقط فقط!"). في يناير/كانون الثاني، أطلقت مجموعة واسعة من المنظمات المعارضة، بما في ذلك تجمع المهنيين السودانيين، وهو تحالف من ثمانِ نقابات عمالية مستقلة وجمعيات مهنية تضم أطباء ومعلمين وصحفيين ومحامين، وثيقة "إعلان الحرية والتغيير". صار هذا الإعلان (يمثل) الأجندة المُتّفق عليها للانتقال.(3)
وبحلول مايو، كان المفاوضون الذين يمثلون القوى الموقعة على الإعلان قد انخرطوا في محادثات مع المجلس العسكري الانتقالي (TMC)، وهو هيئة شكلها الجنرالات القدامى للديكتاتور السابق، حول الشكل المستقبلي لمؤسسات الحكومة، وسط استمرار الاحتجاجات الجماهيرية والاعتصامات والإضرابات.
في الجزائر، كانت الشرارة التي أطلقت التحركات الجماهيرية التي أطاحت بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في 2 أبريل، هي القضية السياسية المتعلّقة بترشيحه لفترة رئاسية خامسة بعد 20 عامًا في السلطة. لكن وراء هذه الأزمة السياسية كانت توجد أزمة اجتماعية أعمق بكثير.
فقد بلغ معدل بطالة الشباب في الجزائر 29 في المائة، بينما تبلغ نسبة الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، 70 في المائة وسط السكان.كما عبّرت قوة احتجاجات الشوارع التي انفجرت يوم الجمعة بعد 22 فبرايرعن الغضب المكبوت من تداعي الخدمات العامة، وتعويضات الفَقُر، ومِن ظروف العمل غير المستقرة والاستياء من عشائر رجال الأعمال والجنرالات الشبيهة بالمافيا الذين ينهبون ثروات البلاد.
كما يشير جياني ديل بانتا، كانت هناك ثلاثة مكونات رئيسية للثورة الاجتماعية التي بشرت بالعاصفة القادمة: العاملون في القطاع العام، ولا سيما المدرسين وصغار الأطباء؛ العمال في القلاع المتبقية للصناعات الثقيلة في الجزائر ذات التقاليد العريقة في النضال مثل مصنع السيارات SNVI في الرويبة؛ والعاطلين والمهمشين في مناطق مثل الجنوب، حيث تضافرت مظالم الإقصاء الاجتماعي والفقر مع مقاومة خطر الدمار البيئي نتيجة تكسير الغاز الصخري من قبل شركة النفط الحكومية سوناطراك.
يوفر تحليل لوكسمبورغ الكلاسيكي للإضرابات الجماهيرية في روسيا في أوائل القرن العشرين إطارًا مناسباً يُساعد في تحليل الكيفية التي تُغذّى بها النضالات الاقتصادية وتلك السياسية بعضها البعض في السودان كما في الجزائر اليوم. فكما لاحظت لوكسمبورغ، فإنّ هذين "الجانبين المتشابكين" للعملية الثورية (أيّ السياسي والإقتصادي)، بدلاً عن السير في خطّين متوزيين، فإنّهما يتداخلان ويتبادلان التأثير" (5).
التنمية غير المتكافئة والمتزامنة
أين تكمن الدينامات الفاعلة "للتأثير المتبادل" بين الجوانب الاقتصادية والسياسية في الصراع الطبقي؟
على مستوى أساسي للغاية، فإنّها تعبّرعن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة في قلب المجتمع الرأسمالي. ذلك أنّ الإضرابات العمّاليّة تعطّل مؤقتًا القوة الاقتصادية لرأس المال على العمل، وتحمل معها على الأقل تحديًا وتهديداً ضمنياً كامنًا لهيمنة الطبقة الحاكمة الرأسمالية على الطبقة العاملة. في السودان والجزائر اليوم، كما في روسيا في أوائل القرن العشرين، فإن قمع حق تكوين النقابات المستقلة على وجه الخصوص، وحقّ التنظيم السياسي بشكل عام، قادا إلى تسييس الإضرابات.
ومع ذلك، يُظهر العرض الموجز أعلاه صورة أكثر تعقيدًا بكثير من صدام بسيط بين العمال المنظمين من جهة ورؤسائهم والدولة من جهة أخرى.
وكان تروتسكي، الذي شارك مِثْل لوكسمبورغ في ثورة 1905 في روسيا، قد طوّر نظريته حول التنمية غير المتكافئة المتزامنة من أجل شرح الطبيعة الخاصّة للتكوينات الاجتماعية والاقتصادية في روسيا، والتي قال إنها سهلّت تشبيك عدة "مراحل" للثورة (على وجه التحديد التحول مِن ثورة تهدف إلى إقامة جمهورية ديمقراطية رأسمالية بدلاًمن الحكم المطلق القيصري، إلى ثورة ذات (محتوى) اجتماعي ضد الرأسمالية .. وهكذا، إلى ما يشبِه سلسة مِن الحلقات المتّصلة من "الثورة الدائمة" (6).
وتكشف الديناميات الخاصة بهذا التأثير المتبادل (بين الاقتصاد والسياسة) في انتفاضتي الجزائر والسودان عن تطورات مماثلة وقابلة للمقارنة ناتجة عن التنمية غيرالمتكافئة والمتزامنة.
فيمكن رؤية التطور غير المتكافئ المتزامن في الجزائر في الطريقة التي يتم بها دمج بعض قطاعات الاقتصاد (التقليدي) في الأسواق العالمية والإقليمية، مما يؤدي إلى جذب الاستثمار من الشركات متعددة الجنسيات مثل شركات النفط والغاز الأوروبية التي كانت تقود إنشاء صناعة التكسير الهيدروليكي في الصحراء الجزائرية. كما يُمكن رُؤيته، في السودان أيضاً في استثمارات المصدرين الزراعيين الخليجيين الذين استولوا على أراضٍ واسعة النطاق في وادي النيل الخصب، في حين أن القطاعات الأخرى المُتساكِنة معها متخلفة عن الركب. وريع هَذِهِ الاستثمارات لا يتمّ توزيعه بعدالة؛ بل تنتفخ بِه بِشكل فاضح ودون غيرهم جيوب رجال الأعمال المحليّين وضباط الجيش المقربين من النظام. فمثل هَذِهِ ا لتنمية التي تتجاور فيها مراحل وأنماط مختلفة من الرأسمالية (الرسملة) (وليس مِن التشكيلات الاجتماعية ما قبل الرأسمالية والرأسمالية كما في مثال تروتسكي)، تخلقأ يضًا خليطاً مركباً (مِن القوى الاجتماعية) قويّ وداوي الانفجار.
فلقد أنتجت عملية التطوّر المتفاوت والتنمية غير المتوازنة هَذِهِ طبقة عاملة غير متساوية أو مُتناسقة لكنّها متساكنة، يشكل العمال والفقراء الأغلبية فيها، بينما يُوجد العاملون في الوظائف الرسمية أو في أماكن العمل الكبيرة فيها في الغالب كأقلية. يؤكد مسار الانتفاضات والنضالات الاجتماعية في الجزائر والسودان ما كان واضحًا في تلك التي سبقتها في تجربة تونس ومصر في 2011: أنّه من الممكن أن تتبلور وحدة مِن خلال الكفاح المُشترك بين العاملين والعاطلين عن العمل، بين من هم "ذوي امتياز" نسبيًا (سواء من حيث الأجور أو مستويات التعليم والوضع المهني) وأولئك المهمشين والمستبعدين اجتماعياً. مِثْل هذا النوع من الوحدة الطبقية هو أكثر من ممكن، إنه (أيضاً) قوي وفعّال. فالعاملون في الصناعات القديمة" أو في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية التقليدية مثل النقل والاتصالات (السكك الحديدية، وخدمات الحافلات العامة، والبريد والاتصالات السلكية واللاسلكية)، لتمركزهم في أماكن العمل الكبيرة أو الكبيرة نسبيًا يجلبون معهم (قوةالعدد) والقدرة على شل (جهاز الدولة). وقد يجلبون أيضًا التقاليد التنظيمية للطبقة العاملة التي تعود إلى عقود ماضية والتي لها صدى رمزي يتجاوز قطاعهم. وكان هذاهو الحال مع الإضرابات في SNVI في الجزائر ومشاركة عمال بورتسودان وعمال السكك الحديدية في الانتفاضة السودانية.
وفي الوقت نفسه، فإن النقابات الجديدة التي يقودها المعلمون والأطباء المبتدئون قد وطدت نفسها في النضال من أجل مقاومة الأوضاع الضاغطة التي نتجت من "الإصلاحات" النيوليبرالية التي تهدف إلى خلق أسواق جديدة وفرص جديدة لجني الأرباح داخل جثّة (دولة الرفاه) المتحللة.
ماذا عن العاطلين عن العمل وأولئك الذين يكسبون لقمة العيش على الهامش مثل التّشّاشة والسماسرة والباعة الصغار؟ تستخدم الدولة الرأسمالية هؤلاء كأشباح (لقوى عامِلة) في الإحتياط لتهديد واجبار العاملين على الخضوع؛ ولكن هذا الدور يُمكن عكسه، ففي بعض الحالات فإن تحرّكاتهم لتنظيم أنفسهم قد أدت إلى إشعال النيران "داخل" أماكن العمل.
إنّ توحيد معارك الدفاع عن حق العيش (الحياة) وتحسين ظروف العمل في المراكز الصناعية القديمة للاقتصاد، مع النضال من أجل مقاومة تسويق الخدمات العامة، ومَعَ الكفاح من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية للعاطلين، يعكس شكل (النظام) الاقتصادي والتركيبات(المجتمعية) في ظل (الرأسمالية الليبرالية) الجديدة (السائدة) حقيقةً حالياً".
وهذه الأشكال الهجينة من القديم والجديد، وهذا التداخل لعناصر من كل من مرحلتي(رأسمالية الدولة) و(النيوليبرالية) للتطور الرأسمالي، له نتائج متعاكسة ومتناقضة على توحيد وتشرذم الطبقة العاملة، وعلى التحولات المستمرة في (مفهاهيم) العمالة، (والمقاولة) والبطالة. كما أنّها قادرة على إعادة إنتاج نفسها إلى ما لانهاية.
ومع ذلك، فإن تلك الموجات مِن الدفق الثوريّ في أعوام 2010 و 2013 و2018-2019، تُظهرلنا أنّ الطاقة التحشيدية الكامنة لهذِهِ التكوينات الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية، والناتجة عن التنمية غير المتكافئة والمتزامنة، لا تزال تبشر بإمكانية إطلاق العنان لعمليات للتغيير أكثر عُمقاً.
القهر والتحرير
تطرح الطاقة والدينامية الكامنة في التأثير المتبادل بين النضالات الاقتصادية والسياسية في سياق الأزمة الثورية، أسئلة متعلقة بالقمع. كانت هذه المسألة واضحة للاشتراكيين الثوريين الروس في القرن العشرين، فهم قد التزموا بالنضال ضد الاضطهاد المنظم للدولة القيصرية ضد الأقليات الدينية (بما في ذلك اليهود والمسيحيين غيرالأرثوذكس) كجزء لا يتجزأ من كفاحهم لبناء منظمة ثورية.
وكذلك فقد بدت الانتفاضات السودانية والجزائرية وكأنّها "مهرجانات للمسحوقين (مِن كل طيف)". فقد فاضت الشوارِع بالنساء وأصبحت الجماعات ضحية التمييز المنهجي الذي تبرره أيديولوجيات التفوق العرقي أوالثقافي جزءًا لا يتجزأ من حركة الجماهيرالواسعة.
وكانت أحدى الأمثلة الساطعة في الخرطوم هي لحظة الدخول المظفّر لوفد من دارفور إلى ساحة الاعتصام خارج القيادة العامة للجيش؛ في تحدٍ لتاريخ النظام الطويل في استخدام العنصرية ضد أهل دارفور، لإثارة الانقسام والشكوك بين مختلف أقسام المعارضة. (9)
كذلك نرى في الجزائر سيطرة صورة ألوان قوس قزح العلم الأمازيغي الذي تمّ رفعه في الإضرابات العمالية وأيضاً خلال الاحتجاجات الجماهيرية، إلى جانب العلم الوطني باللون الأبيض والأحمر والأخضر.
ومِن ذلك أيضاً ردود الفعل على وفاة كمال الدين فخار في الحبس، وهو ناشط حقوقي سُجن عدة مرات بسبب قيامه بحملة من أجل حقوق أقلية مزاب. فقد عمّت موجة من التضامن معه في جولة الاحتجاجات الجماهيرية يوم الجمعة التالية، نظّم فيها المتظاهرون في جميع أنحاء البلاد وقفات لدقائق صمت إحياءاً لِذكراه، كان كثيرون فيها يرتدون قبعة الجمجمة البيضاء المميزة لمجتمع المزابيين.
ولقد كان هناك التفات واضح للحضورالطاغي للمرأة في الاحتجاجات والإضرابات الجماهيرية حتى مِن قبل وسائل الإعلام الرئيسية. ولكن، وكما تشير سارة عبد الجليل، يمكن أن يُساء استخدام "أيقنة" النساء كرموز للثورة بهذِهِ الطريقة، للتغطية على تاريخهن الطويل من النضال قبل الانتفاضات، والذي يتم تجاهله في كثير من الأحيان(11). ومع ذلك، هناك أيضًا أسباب أكثر عمقاً لانبثاق النساء كقائدات صاعدات من القواعد في سياق انتفاضة شعبية مثل هذه. وتعود جذورهَذِه الأسباب لمنهج النظام البائد في أنّه لم يَكُن يَتَسيّد بالعنف والإكراه فحسب، بل وأيضًا من خلال خلق انقسامات بين خصومه. تشير سارة عباس إلى كيف أن نظام البشير لَغّم مسألة لبس النساء وفرض نمطاً للباس العام ثُمّ عمل على تطبيق قواعده من خلال القمع الوحشي تحت ستار تطبيق "قانون الشريعة". وقد خدم ذلك النظام في أكثر من ناحية. فهو قد لهى الرجال الذين لم يكونوا جزءًا من مُؤيديه عن مظالمهم الاجتماعية والسياسية الأخرى، وحوّل تركيز انتباههم بدلاً عن ذلك إلى الحاجة للسيطرة على النساء "العاصيات" بالشراكة مع رجال آخرين.
كما أنّ هذا المِثال في (فرض) الانضباط هو بمثابة عرض لعضلات النظام وقدرته على مراقبة الأماكن العامة وتحذير لجميع المعارضين المحتملين بالمدى الذي ستصله العقوبة للمارقين.
في الجزائر أيضًا، هناك تاريخ طويل ومؤلم من تحوّل لباس المرأة إلى سلاح فرق تسد- وإن كان من منظور معاكس. فقد تظاهر الإصلاحيون والعسكريون و"العلمانيون" بأنهم محررو النساء من الاضطهاد الإسلامي خلال التسعينيات. وكما تجادل سلمى العمري، وقع البعض في اليسار الجزائري خلال هذه الفترة في فخ التواطؤ وتوفيرغطاء للجيش بعزل النساء اللائي اخترن ارتداء الحجاب عن الحركة النسائية بدلاً من العمل على توحيد النضال (المُشترك) ضد القمع. وفي السودان كما في الجزائر، يجب أن ألّايكون هناك مجال للتراجع عن الحاجة للنضال داخل الحركات الجماهيرية ضد (كل أشكال) الاضطهاد و(تبنّي) المطالب والمظالم التي ترفعها (كل الجماعات) المضطهدة ضدالدولة.
فقد تعرضت الناشطات النسويات الجزائريات اللواتي نظمن كتلة (مميّزة) في مظاهرات 29 مارس/ آذار لعرض المطالبة بالمساواة بين الجنسين إلى جانب مطالب الحراك ككل، تعرّضن للمضايقات من قبل بعض المشاركين في الاحتجاج، وتم نشر صور معادية للمرأة بشكل صارخ في التعليقات على صفحات الفيسبوك(14).
بالمقابل، ورغم أن ميثاق المعارضة (السودانية) للفترة الانتقالية المقترحة، إعلان الحرية والتغيير، يدعو إلى تمكين المرأة السودانية وتمثيلها، فإن العوائق التي تحول دون مشاركة المرأة الكاملة في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية لن تختفي بين عشية وضحاها (15). علاوة على ذلك، وفي كلتا الحالتين، فإنّ التقدم الذي سيتم إحرازه سيعتمد على تعميق وتوسيع الثورة، وخاصة فيما يتعلّق بتفكيك الدولة القائمة.
القدرة على التنظيم الذاتي على نطاق واسع
كما أشرنا أعلاه، من السذاجة وصف التحركات الجماهيرية في السودان والجزائر بأنها تفجرت في فراغ. على العكس من ذلك، يوجد في كلتا الحالتين تاريخ سابق للحِراك صبّ مباشرة في الدورة الجديدة من الاحتجاجات وقام بتغذيتها.
لقد لعب تجمع المهنيين السودانيين، وهو في حد ذاته ائتلاف للنقابات العمالية المستقلة والهيئات المهنية، دورًا حاسمًا في إعطاء الاحتجاجات شكلها كحركة جماهيرية، وتحديداً من خلال اقتراح المطالب وتنسيق الشعارات وتسويق استخدام تكتيكات معينة من خلال شبكاته من النشطاء، مثل الإضرابات المنسقة في أوائل مارس، وانطلاق الاعتصامات الجماهيرية خارج مقر قيادة الجيش في الخرطوم في 6 أبريل، والإضرابالعام لمدة يومين في 28-29 مايو.
ومع أنّ تجمع المهنيين السودانيين كان موجودًا قبل اندلاع هذه الاحتجاجات، ولكن حدث فيه تحوّل هو أيضًا بفضل الدفع الجماهيري من أسفل، لدرجة أن قادته لعبوا دورًا رئيسيًا في المفاوضات مع الجيش إلى جانب أحزاب المعارضة الراسخة.
يمكن توضيح كيف أنّ تحشيد الحركة الجماهيرية يتطلب بناء التنظيم ويقود إليه في نفس الوقت، من خلال تعقُّب مدى التغيير (والتحولات) التي طرأت على لجان الأحياء القائمة في السودان، والتي لعبت دورًا حاسمًا في جلب المئات من الآلاف إلى الشوارع بشكل متكرر. فقد كانت "لجان المقاومة" (لجان الأحياء) شكلاً تنظيميًا سبق الانتفاضة هي أيضاً، لكنها انتشرت بشكل كبير خلال الأشهرالقليلة الماضية، حيث تظهر (16) صفحات على الفيسبوك للجان المقاومة في جميع أنحاء السودان، لناشطين يعقدون اجتماعات سياسية في الشوارِع، ويتناقشون ويتحدثون حول كيفية دفع الثورة إلى الأمام.(17)
في الجزائر، يبدو الحراك أكثر تشتتاً من نواحٍ كثيرة.فحين جاء مراسل رويترز، يبحث عن "قادة الاحتجاج" للتعليق على التطورات في ذروة الإضراب العام منتصف مارس، توصّل إلى أسماء رئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور، والأكاديمي الصريح فضيل بومالة، والمحاميّين المعروفين زبيدة عسول ومصطفى بوشاشي (18). إلى جانب بنبيتور، فإنّ عسول هو أحد مؤسسي منظمة "مواطنة"، وهي منظمة انطلقت في 2018 م بإعلان المعارضة لولاية بوتفليقة الخامسة في المنصب. في ذلك الوقت، كان واضعوالإعلان حريصين على التأكيد على أهدافهم المتواضعة، مؤكدين على أن رحيل بوتفليقة "لن يعني تغيير نظام الحكم" (19).
إنّ تسمية سياسيّي المعارضة الليبراليين واليساريين كقادة للحركة الشعبية يحجبنا عنّ اإدراك حجم التعبئة من القواعد الشعبية، وكذلك الإرتفاع الملحوظ لسقف المطالب مع تصاعد حركة إيقاع احتجاجات الجمعة المنتظمة التي (تكملّها مظاهرات الثلاثاء التي ينظمها الطلاب).
بالنسبة للناشط والكاتب الجزائري حمزة حموشين، فإن الحراك "ليس له قادة واضحين أوهياكل منظمة، إنه انتفاضة شعبية متعددة المشارب". وكما يبيّن حموشين فإن مطالب مسيرات الجمعة تكتسب شعبية واسعة مِن خلال تداولها على وسائط التواصل الاجتماعي التي أصبحت منصة تنظيمية مهمةللاحتجاجات. بدأت هَذِه المطالب بتركيز ضيق على رفض الولاية الخامسة لبوتفليقة، وانتقلت إلى يجب أن يرحل الجميع"، وبحلول مايو 2019م بدأوا في استهداف الجيش مباشرة: "الجزائر جمهورية وليست ثكنات عسكرية."
من المهم تحديد وتحليل أشكال القدرات على التنظيم الذاتي التي تغذّي التحشيد للإحتجاجات وتقويها. وتقدم الحركة الطلابية في الجزائر مثالاً واحدًا على كيف أنّ سلسلة الاحتجاجات المنتظمة أيّام الثلاثاء بقيادة الطلاب قامت، في بعض الحالات، بتطوير أشكال خاصة بها للممارسة الديمقراطية في التنظيم، بما في ذلك الاجتماعات العامة لاتخاذ القرارات بشأن الأسئلة المتعلقة بالحركة الطلابية وعلاقتها بالحراك الأوسع العام.(21)
ولقد كانت النقابات المستقلة أيضًا عنصراً حاسماً في الحراك، وقد أثبتت قدرتها على التعبئة في أماكن العمل أحيانًا، أنّ لها قوة ضاربة وحاسمة في المسار العام للنضال. يُذكر أن بوتفليقة سحب ترشيحه لولاية خامسة في اليوم الثاني من الإضراب العام الذي استمر خمسة أيام بين 10 و 15 مارس. ولقي هذا الإضراب دعمًا كاسحاً من العاملين في القطاعات الاستراتيجية بما في ذلك حقول النفط والغاز والنقل الجوي والسكك الحديدية والموانئ. وكذلك مِن العاملين في الخدمات العامة، كإدارة الضرائب، والتعليم، والصحة،وفي المهن والحرف الصغيرة (22).
ولكن على الرغم من القوة الضاربة الكامنة المحتملة للحركة العمالية في الجزائر، فإن دورها السياسي الفعلي لا يزال مقيدًا بدعم الحراك بدلاًعن قيادته.
بالإضافة إلى أنّ الانتفاضة السودانية قد زودت عشرات الآلاف من الأشخاص بالخبرة في الحشد والتنظيم للاحتجاجات والإضرابات، فهي أيضاً قد أوجدت الظرف المواتي لاختباروتجريب أشكال أكثر راديكالية في التنظيم الذاتي القاعدي من أسفل. وكان الاعتصام الجماهيري خارج القيادة العامة للجيش في الخرطوم أهمها. فَحتى 3 يونيو/حزيران،عندما تعرض لهجوم من قبل قوات من ميليشيا قوات الدعم السريع بأوامر من المجلس العسكري الانتقالي؛ كان ذلك الاعتصام محميًا بالحواجز، تقوم على حراستة لجان أمنية ونقاط التفتيش الخاصة به. وقد سمح ذلك الإعتصام بظهور فضاء ساعد على ترسيخ الحِراك من الداخل، من خلال النقاش والحوار بين الناشطين من مختلف أنحاء البلاد،ومختلف أماكن العمل والمهن وطبقات المجتمع. وداخل فضاء الاعتصام، اعتنى ترتيب معقد من "اللجان الثورية" بكل شيء من التثقيف السياسي إلى المساعدة الطبية، والمؤن، والتنظيف يومياً بعد مئات الآلاف الذين يتدفقون على زيارة الميدان كل مساء. (23) وفي ذات الوقت، عمل الإعتصام على إذاعة مطالب الانتفاضة للعالم الخارجي، ولا سيما قيادة الجيش بالطبع، ولكن أيضًا للحكومات الأخرى (بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، ووسائل الإعلام الدولية.
هناك إغراء للمقارنة بين اعتصام القيادة العامة، من حيث حجمه ودوره في العملية الثورية، مع تجربة الثورة المصرية خلال عام 2011م، ولا سيما في الطريقة التي أصبح فيها اعتصام ميدان التحرير لكثير من الناس، رمزاً للثورة ومرادفاً لها. ومع ذلك، فإنّ اختزال التجربة الثورية المصرية في ميدان التحرير أمرٌ مضلل أيضًا. فقد كانت نقطة التحوّل الحاسمة في انتفاضة 2011م هي اندلاع موجة الإضرابات التي بدأت قبل أيام قليلة من سقوط حسني مبارك، والتي خرجت بالثورة إلى أبعد مِن ميدان التحرير وبدأت في شل قطاعات رئيسية من الاقتصاد والحكومة (24).
استمرت موجة الإضرابات بشكل ملحوظ، بعد تفريق اعتصام التحرير، وحتى بعد خلع مبارك من السلطة، على الرغم من جهود السياسيين الليبراليين والإسلاميين وإصرارهم على أن وقت التعبئة من الأسفل قد انتهى (25). علاوة على ذلك، فإن التجربة المصرية تشمل أيضًا احتمال القمع والعنف المروع. مثال ذلك تلك المجازر التي وقعت في اعتصامي رابعة وميدان النهضة في أغسطس 2013، حيث قتل الجيش المصري وقوات الأمن المئات من أنصار رئيس الإخوان المسلمين غير المسلحين محمد مرسي، الذي أطيح به في انقلاب عسكري في 3 يوليو من قبل وزير دفاعِه عبد الفتاح السيسي (26).
"الرّبّاطة والكتائب الخاصة المسلّحة"
يلوح شبح الانقلاب العسكري والمجازر التي حدثت في مصر عام 2013 بشكل مُتزايدعلى الحراك الجاري في كل من السودان والجزائر، على الرغم مْن عُلو نغمةالهتافات المناهضة للحكم العسكري بشكل متكرر أكثر من أي وقت مضى، ووضوح المطالبات الصريحة بـ "دولة مدنية" في الاحتجاجات والاعتصامات.
في حالة السودان، دخلت قوى إعلان الحرية والتغيير، وهو تحالف أحزاب معارضة يضم تجمع المهنيين السودانيين، في مفاوضات رسمية مع المجلس العسكري الانتقالي حول مسألة نقل السلطة إلى المدنيين. وعلى الرغم من أن الجيش كان مستعدًا للموافقة على خطة الحكومة الانتقالية المقترحة على مستوي السلطة التنفيذية الدنيا، إلا أنه بحلول أواخر مايو وصلت المحادثات إلى طريق مسدود بشأن توازن الممثلين المدنيين والعسكريين في القمة (السيادية)؛ وأصر المجلس العسكري الانتقالي على الاحتفاظ بأغلبية ساحقة. وفي أعقاب تعثُّر المحادثات قام المجلس العسكري الانتقالي دون توانٍ بمحاولة لإجهاض الثورة من خلال عُنف مُماثل. فقد قُتل أكثر من 100 ناشط في هجمات على ساحة الاعتصام وفي الشوارع من قبل قوات الدعم السريع والميليشيات والقوات العسكرية الأخرى في خلال أيام قليلة بعد 3 يونيو، مع تقارير مروعة عن قيام القوات باغتصاب وتعذيب المعتقلين موثّقة من قبل المنظمات السودانية (28).
الصراع على "المدنية"
إنّ صراع الانتفاضات واصرارها على الطابع "المدني" لأي "جمهورية جديدة" مُنبثقة، يطرح بالتالي أسئلة حاسمة. هل يمكن للحركات الجماهيرية أن تُجبر الجيش والأجهزة الأمنية القائمة على الالتزام بدورها "المرسوم لها" في المجتمع؟
سنقترح هنا منظوراً مختفاً تمامًا. بالاعتماد على أعمال كارل ماركس ولينين بشأن مسألة الدولة، سوف نطرح حججًا بأنّه ليس بالإمكان أن يأخذ ثوار الْيَوْم ما أسماه ماركس في زمن كومونة باريس عام 1871م، "الآلة البيروقراطية العسكرية" ليعيدوا صنعها حسب رغباتهم، لكن يجب عليهم تحطيمها تماماً.
باختصار، كانت نقاط لينين الرئيسية بسيطة. على عكس أولئك الذين كانوا يأملون أن يتم ترويض مؤسسات الدولة من خلال الثورة، وإصلاحها من الداخل، شدّد هو على أنّ الدولة كانت نتاج "لاستحالة التوفيق بين المصالح والعداوات الطبقية"، مما جعل وجود"مجموعات خاصة من الرجال المسلحين" أمراً ضرورياً. إنّ طبيعة الدولة كأداة للاستغلال والقمع، الذيْن تمارسهما الطبقة الحاكمة من أجل ضمان استمرار سلطتها، تعني أن مثل هذه (التنظيمات) من الرجال المسلحين) لها أدوار مزدوجة لتلعبها. فلم يقتصر الأمر على استخدامهم كرجال درك داخليين لقمع انتفاضات العمال والفقراء لتغيير ميزان توزيع الثروة والسلطة، بل أصبح بالإمكان نشرهم في التنافس مع الدول الرأسمالية الأخرىعلى الوصول إلى الموارد والأراضي والأسواق- كما هو الحال بالنسبة للحرب الإمبريالية التي كانت مستعرة في جميع أنحاء العالم حين كتب لينين ليدمغها بأنَها (حالة) اندماج المنافسة الاقتصادية مع التناحر العسكريّ.
لابدّ مِن بعض الملاحظات التوضيحية المهمة هنا. أولاً، عبارة "مجموعات أو كتائب خاصة من الرجال المسلحين" مقصودة بدقّة هذِهِ الصياغة. فالمؤسسات التي نتحدث عنها هنا تتجاوز الجيش لتشمل أي مجموعات من الرجال المسلحين (وأحيانًا النساء) وتنفصل عن المجتمع ككل، ولها قيادة وسلطة عامة (مُجنّبة) ومعزولة عن بقية المجتمع (بمعنى آخرالدولة). كما سنناقش بمزيد من التفصيل أدناه، فإن إحدى سمات الثورات الشعبية هيأنها غالبًا ما تكشف الدور الحقيقي (المخفي) للقوات المسلحة، والتي يتم تقديمها عادةًعلى أنها تخدم فقط وظائف "الدفاع" ضد التهديدات الخارجية، في حين أن العمل القذرفي قمع للثورات الداخلية القمع متروك لقوات الأمن والشرطة. ثانيًا، سيكون مِن المفيدجداً التوسّع في عرض لينين للدور الذي تلعبه (تنظيمات الرجال المسلحين) في الدولة ولمصلحة الطبقة الحاكمة ككل، وذلك بالتمعُّن في أبعادها المؤسسية والطبقية. فهذه (الكتائب من الرجال المسلحين) ليست مجرد أسلحة تستخدمها الطبقة الحاكمة في المعركة ضد أعدائها (بين الناس الذين تستغلهم وتضطهدهم)، ولكن أيضًا ضد منافسيها من بين الطبقات الحاكمة الأخرى- أو حتى لتصفية الحسابات داخل صفوفها (هي نفسها). فالشرائح العليا مِن القادة مندمجة في الطبقة الحاكمة بطرق متعددة؛ من خلال المصالح التجارية، ومن خلال الروابط العائلية وشبكات المحسوبية والامتياز.
ليس من الصعب توضيح الدور القمعي الداخلي الذي يلعبه الجيش وقوات الأمن في كل مِن الجزائر والسودان. فمن الأمثلة الواضحة الانقلاب العسكري في الجزائر عام 1992 الذي ألغى الانتخابات البرلمانية ودفع المعارضة الإسلامية إلى العمل السري.
وفي السودان هناك التدخلات العسكرية العديدة في الحكم، بما في ذلك الانقلاب الذي قاده البشير نفسه عام 1989م. إنّ الطبيعة الجماعية لدور الجيش وقوات الأمن كرجال دركداخليين تتجلى أيضًا في مصفوفة العلاقات بين مختلف الهيئات العسكرية والأمنية فيالبلدين. في الجزائر كان جهاز الأمن الداخلي الرئيس (Département du Renseignement et de la Sécurité)
يتبع مباشرة لوزارة الدفاع حتى عام 2015. وأدّت أقالة بوتفليقة لرئيس دائرة الاستعلام والأمن، الجنرال محمد مدين، المعروف باسم توفيق، إلى تعيين أحد مرؤوسيه السابقين لقيادة جهاز الأمن الداخلي الجديد، هذه المرة تحت سلطة رئاسة الجمهورية (31).
في السودان، اشتهر البشير بإقامة توازن معقّد، حافظ عليه بين الجيش الوطني وجهازالمخابرات والأمن الوطني وميليشيا قوات الدعم السريع وشرطة مكافحة الشغب. ومعتقدم الحراك الجماهيري في أبريل/نيسان 2019، ظهرت تقاريرعن جنود وضباط بالجيشيحمون المتظاهرين المعتصمين خارج القيادة العامة من هجمات قوات الأمن الأخرى، التي قيل إن جهازالأمن والمخابرات الوطني أرسلهم (32). تمّ حث صلاح قوش على التقاعد كرئيس لجهاز الأمن والمخابرات الوطني بعد أيام قليلة من سقوط البشير، لكن قادة المجلس العسكري الذي نصب نفسه بنفسه والذي تولى السلطة في 11 أبريل، أظهروابسرعة دعمهم للفريق محمد حمدان دقلو (المعروف بلقبه "حميدتي")، قائد مليشيا الدعم السريع. وتمّ تعيينه نائبا لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، مما بعث برسالة تقشعرلها الأبدان لآلاف السودانيين الذين عانوا لى أيدي قوات الدعم السريع التي ارتكبت، بحسب منظمات حقوق الإنسان، جرائم حرب في دارفور والنيل الأزرق. ومناطق جنوب كردفان، فضلا عن تورطها بشكل كبير في قمع الاحتجاجات (في المدن).
استحوذت الأجهزة العسكرية والأمنية في السودان كما في الجزائر على قدر هائل من ثروة الدولة، وحوّلت الموارد الشحيحة نحو مؤسساتها الخاصة. وغالبًا ما حققت أرباحًا شخصية لكبار الضباط في نفس الوقت. في الحالة الجزائرية، أعقب انتهاء الحرب الأهلية في 1999م اندفاع عاتٍ نحو شراء الأسلحة، مما دفع بالجزائر من المرتبة 27 إلى المرتبة 8 بين أكبر مستوردي الأسلحة في العالم في عام 2014م.
وقد استأثرت وزارتا الدفاع والداخلية بحوالي 20 مليار دولاراً من ميزانية الدولة في ذلك العام. وقد أدّت 34 سنة من الحرب داخل السودان بالمثل إلى تضخّم الميزانية المخصصة للجيش والأمن. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، أصبح البشير يعتمد بشكل متزايد على توظيف القوات السودانية كمرتزقة للقتال في الحروب الإقليمية من أجل الحصول على التمويل. وأدى نشر قوات الدعم السريع في اليمن ضمن التدخل العسكري بقيادة السعودية والإمارات إلى كسب الحكومة السودانية ما يقدر بـ 2.5 مليار دولار في يونيو 2016 م.(35) وربما ليس من المستغرب أن الجنرالات المسؤولين عن قيادة القوات السودانية في اليمن، عبد الفتاح البرهان وحميدتي يتشاركان رئاسةالمجلس العسكريالانتقالي الحالي(36).
هذا مثال واحد على كيف أن ديناميات (التنافس) الإمبريالي يُمكن أن تجد طريقها داخل مسارب الدولة الوطنية، ولا شكّ في أنّ الخدمات العسكرية والأمنية هي إحدى القنوات الرئيسية التي تتسرّب مِن خلالها هَذِهِ التدخلات. وعلى الرغم من أن البشير مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية وأن نظامه قد صنفته الولايات المتحدة على أنه "راعٍ للإرهاب"، فقد تم دعم أجهزته الأمنية من خلال (عملية الخرطوم) التي تجمع الدول الأوروبية، بما في ذلك بريطانيا، للتعاون في الحدّ مِن الهجرة (هجرة الأفارقة إلى أوروبا).
وكما توضح الأدوار المتعددة التي تلعبها (تنظيمات الرجال المسلحين في السودان) للطبقات الحاكمة في الخليج، فإن القوى الإمبريالية العالمية ليست فقط هي الوحيدة التي تدعم الأجهزة القمعية للدول الضعيفة، بل أيضًا هناك القوى شبه الإمبريالية الإقليمية.
لا شيء جديد أو مدهش في كل هذا، فهو معروف للناشطين الثوريين في السودان والجزائر اليوم.
في الجزائر، يمكن سماع إنتقادات للجيش وإدارة الأستخبارات والأمن بكونها من بقايا النظام في كثير من الأحيان، وأنّهم جزء لا يتجزأ من ما يصفه النشطاء في هتافاتهم ولافتاتهم في المظاهرات بأنه حكم الأقلية الجشع والإجرامي.
وفي السودان، جعل قادة الحركة الاحتجاجية مسألة كيفية احتواء قوة الجيش وقوات الأمن قضية مركزية في المفاوضات، مع نفس الجنرالات الذين يرأسون هذه الهيئات. ومع ذلك، وإذا كان لينين محقًا في أنّ خدمة وولاء العسكر وقوات الأمن للأنظمة القديمة ليست (انحرافًا)، ولكنها في الواقع تعبيرعن دورهم الطبيعي كضامنين للسلطة الطبقية؛ يبقى السؤال إذاً، هل يمكن للانتفاضات أن تخلق "دولة مدنية" بدون أيضًا أن تقضي على الطبقة الحاكمة ككل؟
الإصلاحية والثورة: صفقة فاوست مع الشيطان
يَتَبيّن من هذا الوضع بدقة أن إحدى مفارقات الثورة هي أنها تفتح الآفاق لإصلاحات"حقيقية" في مجتمعات لم يكن وارداً فيها عمليًا أيّ مجال لأي تحسين تدريجي أو حقيقي للنظام. ولكن ما أن تتحقق بعض الأهداف الوسيطة- ويرحل الدكتاتور القديم إلى المنفى أو يوضع تحت الإقامة الجبرية - حتى يحتدم التوتر في الجو ويصبح أكثر حدة بين أولئك الذين يعتبرون الجماهير بمثابة جيش مرحلي، يتم حشده وتسريحه لانتزاع تنازلات من السلطة، وأولئك الذين تعني الثورة بالنسبة لهم عملية تغيير حقيقية (تقوم بها الجماهير) مِن القاعدة. لذلك فهم ليسوا مستعدين للوقوف عند حدود الدستورالحالي وغير راضين عن هياكل الدولة القائمة أو حتى النظام الاقتصادي القائم.
في الجزائر، سيطرت على بال النظام ما إذا كان يستطيع مِن خلال الانتخابات احتواءالضغط ونزع فتيل الإحتجاجات الجماهيرية، ضمن حدود الدستور الحالي، ومن خلال آلية انتخاب رئيس جديد للدولة في 4 يوليو، وبالتالي استيفاء المطلب الدستوري بفترة انتقالية مدتها 90 يومًا بعد رحيل بوتفليقة. لكنّ استمرار الاحتجاجات والإضرابات الجماهيرية الرافضة للانتخابات الرئاسية، صرفت النظام عن المواصلة على هذا الطريق الذي سيجلب عليه المشاكل. هذا إضافة إلى أن الضغوط القاعدية من الأسفل بدأت تؤثرعلى (اداء) أجهزة الدولة العليا؛ حيث رفض آلاف القضاة الإشراف على الاقتراع. (39). وبحلول الثاني مِن يونيو/حزيران، ومع تسجيل اثنين فقط من المرشحين المجهولين للتصويت، اضطر المجلس الدستوري إلى أعلان إلغاء التصويت لانتخابات 4 يوليو (40).
وفي السودان كانت قوى المعارضة السودانية قد طالبت بعدم إجراء انتخابات إلا بعد فترةانتقالية طويلة (4 سنوات، وفقًا لإعلان الحرية والتغيير)، من أجل توفير الوقت لتفكيك شبكات الحزب الحاكم السابق في جميع أرجاء الدولة والمجتمع الأوسع.
وعلى غير الحال في الجزائر، سارت هذه الاستراتيجية في السودان جنبًا إلى جنب مع محاولة تشكيل هياكل جديدة للدولة بطريقة فوقية من (أعلى) إلى (أسفل) من خلال المفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي. لكنّ هذا لا يعني أن تجمع المهنيين السودانيين وقوى المعارضة الأخرى الأقرب إلى الحراك الجماهيري لا يرون أي دورللنشاط القاعدي الذاتي من الأسفل في عملية الانتقال. فعلى سبيل المثال، اقترح تجمع المهنيين السودانيين أن يكون تمثيل لجان المقاومة والأحياء، التي لعبت دورًا رئيسيًا في تعبئة الاحتجاجات، بنسبة الثلث في عضوية الهيئة التشريعية الانتقالية (42).
ولكن تظل الحقيقة أنّ استراتيجية المفاوضات حول التوازن بين العضوية المدنية والعسكرية في مؤسسات الدولة العليا، قائمة على الإعتقاد في إمكانية ترويض جنرالات البشير القدامى (ورجالهم المسلحين) من خلال التفاوض والحوار. وفي أعقاب القمع الوحشي للحراك في الشوارع بعد 3 يونيو، سيجد أولئك الذين يضغطون من أجل مزيد من المفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي صعوبة أكبر في تبرير مِثْل هذاالافتراض.
ومع ذلك، سيكون هناك ضغط هائل على قيادات الانتفاضة الجماهيرية" للعودة لطاولة المفاوضات"، ليس أقلها من جهات فاعلة دولياً، سواء كانت إقليمية أو عولمية.
من المهم التأكيد هنا أيضًا، على أنّ الطبيعة غير المتكافئة لـ "زمن الثورة" تزيد من كثيراً مِن تعقيد الصورة. فَمِن الممكن أن تحدث بين العمال والفقراء والمضطهدين قفزات هائلة في الثقة بالنفس والتعبئة والتنظيم الذاتي في فترات وجيزة. لكن ربما لا يتوصل الجميع إلى نفس الاستنتاجات بنفس السرعة. الثورات هي عمليات تحرير للذات للناس العاديين. وتكون تجربتهم المباشرة في النضال من أجل تغيير العالم هي فضل وأسرع معلِّم لهم. وحتى في خضم الثورات، يكون من الضروري إجراء تقييم رصين لما إذا كانت المشاركة في انتخابات مُعيبة أفضل من المقاطعة، من أجل كسب الوقت لجذب شرائح أوسع من السكان لتحقيق الأهداف الثورية.
على أنّ تجربة الموجة الثورية في 2011-2013، والاصطفاف الوثيق بين قوى الثورة المضادة في السودان والأنظمة في مصر والخليج، تؤكد أنّه مهما كانت التقلبات في دراما الثورة، فإنّه من غير المرجح أن تؤدي الاستراتيجيات الإصلاحية إلى إنشاء نظام ديمقراطي مستقر؛ بل من المحتمل، على العكس مِن ذلك، أن يتحول الوضع إلى نسخة مأساوية من صفقة فاوست مع الشيطان. فبدلاً عن ضمان الخلود والأبدية، فإن التفاوض والتسوية مع المخاطر العسكرية ربما يسمحان لقوى الثورة المضادة الرجعية بفسحة للتنفس من أجل إعادة تنظيم نفسها قبل القيام بهجوم مضاد مدمر؛ يعربد فيه القمع الماجن بهدف إبطال كل الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي تم التسليم بها فيخضم الثورة، وتدمير كل أشكال المعارضة المنظمة.
نقطة أخرى مِن الضروري الإشارة لها هنا. وهي أن هذه النتائج والمخرجات لا علاقة لها بالطابع الأيديولوجي المحدد للإصلاحيين المعنيين. فبالنسبة لليسار، فإن الاشتراكي التشيلي سلفادور أليندي سيكون المثال الأكثر جاذبية لفاوست مِن "مرسي جماعة الإخوان المسلمين"، الذي لعب دورًا سيئ الحظ كأول وآخر رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر- حتى الآن- قبل أن يطيح به الجيش في عام 2013م. ولكن كلاهما لعب دورًا مماثلاً في دراما الثورة المضادة في تشيلي في 1970-3 ومصر في 2011-13، حتى في تفاصيل تعيين وزير الدفاع وقائد الجيش الذي من شأنه أن يطيح بهما ويغرق الحركة الجماهيرية في الدّم.
التعبئة الجماهيرية في مواجهة الدولة
النشطاء المنغمسون في بناء الحركة الجماهيرية في السودان والجزائر يعرفون من يقاتلون. فلقد اختزنت الذاكرة الشّعبية عنف الدولة من خلال تجربة "العقد الأسود" بعد الانقلاب العسكري في الجزائرعام 1992م؛ وكذلك مِن حروب الإبادة الجماعية التي شنها البشير. وهذا بالتأكيد يجعل نشوء حِراك يُعطي الأولوية لأشكال المقاومة السلمية مِن خلال التعبئة الجماهيرية، على إستراتيجية تحددها نُخبة تعتمد الكفاح المسلح، أمرًا رائعًا ومفعمًا بالأمل.
لقد قام هؤلاء الناشطين بحشد الجماهير في حركات على نطاق لم نشهده في مجتمعاتهم منذ أجيال (ساعد في ذلك الاستخدام الفعال لوسائل التواصل الاجتماعي كمنصات للتعبئة)، مما أطلق العنان لدينامية العمل المتبادل بين النضالات الاقتصادية والسياسية لزعزعة الدولة. ولقد أظهر لنا حرِاكهم هذا، القدرات الكامنة في الإضراب السياسي العام، وفي تجمعات الشوارع، والتجمعات الطلابية، ولجان المقاومة، والاجتماعات الجماهيرية للمضربي؛ في كل هَذِه الأشكال كأدوات لتغيير العالم.
ومع ذلك، وإذا كانت الحجج التي طرحها لينين صحيحة، فلا يمكنهم التوقف عند هذا الحد إذا كانوا يريدون الفوز. فَما لم تتفكك أشلاء الدولة أكثر، وعلى وجه الخصوص، مالم يبدأ تماسك "الكتائب الخاصة من الرجال المسلحين" في التضعضُع والانهيار، فقد يتم الانقلاب على العملية الثورية بسرعة. يظهر هذا الخطر بشكل خاص في السودان، بعد دورة الأحداث في نهاية مايو وبداية يونيو، والتي شهدت إضرابًا عامًا ثوريًا يومي 28 و29 مايو، وأول هجوم كبير مضاد للثورة من قبل ميليشيا قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.
من المهم استخلاص الدروس الصحيحة من هذه الفترة. ففي جميع أنحاء البلاد، استجاب عمال القطاع العام والبنوك والمصانع والموانئ والمطارات للدعوة للإضراب العام. وفي حالة العاملين في القطاع العام، فقد تحدّوا صراحة تهديد الفريق حميدتي لهم بالفصل إذا ما شاركوا في الآضراب؛ وجلب الكثير منهم لافتات إلى صفوف وقفات ساحة الاعتصام كُتب عليها "تعال افصلني!" (43).
وتمكننا هَذِهِ الصورة لتماسك وانضباط المضربين وقدرتهم على التحدّي، مِن رؤية مجتمع مُمزق بين قطبي جذب: قوة الدولة القائمة - والقوة المضادة الكامنة في العداد المنظم للحركة الشعبية الكبيرة التي تثورضدها. لا يزال هذا القطب الثاني يفتقر إلى التعريف، ويحتاج بشكل عاجل إلى خلق أشكال من القيادة والتنظيم الذاتي التي تجعله قادراً على التحشيد والإعداد الفعّال للهجوم على جهازالدولة.
بالاعتماد على تجربة الماضي، يمكننا القول إن هناك تحوّلين في ميزان القوى على الجانب الثوري لابدّ مِن أن يحدثا؛
أولاً: يجب أن تكون استراتيجية وتكتيكات الإضراب العام تحت السيطرة الديمقراطية للمضربين أنفسهم، من خلال التنسيق بين المندوبين الذين يمثلون أماكن وقطاعات العمل، وألّا يتم استخدامها كورقة مساومة من أجل فرض فتح أبواب المفاوضات (أو لتقوية أيدي المفاوضين).
ثانيًا: تحتاج الحركة الثورية إلى احتضان "جماهير الشعب، أغلبيتها، تلك الفئات الاجتماعية الأدنى جدًا، التي سحقها القهر والاستغلال" (كما قال لينين)، وذلك للسماح لها بالنهوض بشكل مستقل و"لترك بصماتها ومطالبها على مسار الثورة، وطبعها بمحاولتها لبناء مجتمع جديد على طريقتها الخاصة، على أنقاض المجتمع القديم الذي كان يتم تدميره" (44).
وكما أشار مجدي الجزولي، فإن مجرد تكوين تجمع المهنيين السودانيين، وهم الموظفون المهرة في القطاع العام، يعني أنه على الأقل خلال المراحل الأولى السابقة من الانتفاضة، لم تكن الشرائح الأفقر في المجتمع السوداني هي القوة الدافعة وراء حركة الاحتجاج(45).
ولكن ما أن أصبحت الثورة في مهب الريح، حتى صارت هَذِهِ الغالبية العظمى من شعب السودان - أولئك الذين ليس لديهم ما يخسرونه ولا مكان يذهبون إليه -بالضبط هم الذين يحتاجون إلى دفعها للأمام ضد الجنرالات ودولتهم.
إنّ الآلية الأكثر فعالية لضمان السيطرة الديمقراطية القاعدية من الأسفل على استراتيجية وتكتيكات الإضراب العام، هي من خلال تشكيل مجالس العمال. كان جوهر حجة لينين في كتابه "الدولة والثورة" هو أن هذا الشكل من أشكال الحكم والتنظيم الذاتي ليس فقط هوالسلاح الأكثر فاعلية في تحطيم الدولة القائمة،
ولكنه يحمل أيضًا جينات من نوع مختلف تمامًا من أشكال الدولة والحكم.
فمن خلال خلق اتصال مباشر مع قواعد الإضراب من خلال مبدأ إخضاع المندوبين لطلب التفويض، تمنح المجالس العمالية ملايين المضربين سلطة حقيقية على قادتهم، كما تمنحهم تجربة في التنظيم الذاتي يمكن أن "تنمو" بسرعة إلى تجربة الحكم أو التسيير الذاتي (46).
إنّ وجود شكل مناسب مِن التنظيم يستطيع أن يجمع ما بين القدرة على اتخاذ القرار المناسب وكذلك القدرة على الشروع في انفاذه، أمُر في غاية الأهمية في لحظة التهاب الجذوة الثورية.
فيمكن لمجلس العمال أن يضمن استمرار الإمداد الكهربائي إلى المستشفى ومنازل الناس العاديين، مع إطفاء الأنوار في القصر الرئاسي وثكنات الجيش، بشرط تمثيل عمال الكهرباء في صفوفه. كما يمكنها ضمان خبز الخبز وإعفاء النقل الذي يجلب الإمدادات الغذائية الأساسية من الإضراب. قامت مجالس العمال بكل هذه الأشياء في الماضي (بدون مساعدة الهواتف المحمولة أو وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل بين المندوبين وأماكن عملهم). إن أحد الأسلحة التي تستخدمها الأنظمة دائمًا بمجرد ضعف قبضتها على السلطة، هي زرع بذور الخوف من الفوضى وانهيار المجتمع (47).
فيما يتعلّق بالسودان اليوم، هناك نقطة مهمة أخيرة وحاسمة. فيمكن لمجالس العمال في السودان أن تعطي مضمونًا ومعنىً لإعلان تجمع المهنيين السودانيين وقوى الحرية والتغيير بأنّ الحركة الثورية هي قوة حقيقية مضادة للدولة، وقادرة على إدارة المجتمع بدون الجنرالات. أكثرمن ذلك، فإنّ هذٍهِ المجالس ستمهّد الطريق نحو إنشاء نوع مختلف تمامًا منا الدولة؛ دولة عمالية مكرسة لمنع استعادة السلطة الرأسمالية وتمهيد الطريق لمجتمع اشتراكي.
دعنا نعود إلى نقطة ماركس حول كومونة باريس: "لن تكون المحاولة التالية للثورة الفرنسية مِن أجل نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى، ولكن من أجل تحطيمها [خط ماركس المائل - الأصل هوعلى zerbrechen]، وهذا هو الشرط المسبق لكل ثورة شعبية حقيقية في القارة " (48).
ماذا يعني "تحطيم الدولة" في السودان والجزائر اليوم؟ تثير أبواق النظام القديم شبح الفوضى كحجة تضمن لها البقاء في السلطة. ومع ذلك،فإن تحطيم الدولة عن طريق الإضراب السياسي العام الجماهيري، القائم على ديمقراطية المجالس العمالية، ليس استبدالاً للنظام بالفوضى، بل تأسيساً لنوع جديد من النظام. إنه في جوهره تمزيق الدولة أفقياً، وليس عمودياً، حين يسحب الناس في الطبقات الدنيا طواعية وبديمقراطية ولاءهم لمؤسسات الدولة- وهم بالأساس مَن يعمل على تشغيلها، ويبدأون في تشكيل مؤسسات بديلة خاصة بهم.
في مراحلها الأولى، كانت هذه العملية متداخلة مع عملية (تطهير) مؤسسات الدولة من الأسفل إلى الأعلى حيث ينظم الموظفون في جميع أنحاء القطاع العام أنفسهم حملات لطرد رؤسائهم القدامى وإخضاع تقديم الخدمات للرقابة الديمقراطية من القاعدة. في مصروخلال عام 2011م، لعب النضال من أجل "التطهير من الأسفل" دورًا حاسمًا في شل جهازالدولة. وقد أعاقت هَذِهِ المناوشات الجنرالات وأعوانهم لعدة أشهر واستنزفت قدرتهم على الرد على الحراك في الشوارع.
إن الاستراتيجية الثورية التي تستصحب النضال من أجل التطهير كأحد أساليب عملها الأساسية لا تشترك في أي شيء، مع الجهود الإصلاحية التي ترمي لاستعادة الدولة من الداخل، كما هو موضح نظريًا في أعمال كُتّاب مثل نيكوس بولانتزاس، وكما حاول تسيريزا القيام بِه وممارسته في اليونان (50).
تؤكد تجربة حكم الإخوان المسلمون في مصر أيضًا على عدم جدوى تغييرعدد قليل من الوزراء في القمة في فقط. يجب تحطيم مقاومة الثورة المضادة من داخل جهاز الدولة من الأسفل، ومن الخارج في وقت واحد.
إن الشرط المسبق لنجاح التطهير ليس خلق فراغ في أعلى جهاز الدولة، يمكن ملؤهبطبقة جديدة من البيروقراطيين "الأفضل" الذين هم أكثر اتصالاً بـ "الشعب"؛ بل بتطويرأجهزة ثورية بديلة للحكم على شكل مجالس عمالية، تعبِّر عن الإرادة السياسية للقطاعات الشعبية في قاع الدولة (والمجتمع)، إلى جانب القطاعات أخرى من الطبقة العاملة وحلفائها من المستغلين والمضطهدين.
أخيرًا، يجب أن تمتد عملية تفكيك الدولة إلى المؤسسة العسكرية نفسها، بعزل الجنود العاديين عن ضباطهم الرؤساء وحثِّهم على الانحياز إلى جانب إخوانهم وأخواتهم في الشوارع وأماكن العمل. مرة أخرى، يُصبح تطوير المجالس العمالية كقوة منظمة مضادة للدولة القائمة، أمرًا بالغ الأهمية. فلا يُمكن حماية الثورة من تكرار مصير السوريين والليبيين إلّا بإحداث انقسام أُفقي في "التنظيمات (والكتائب) الخاصة من المسلحين" وظهور المؤسسات الثورية للحكم الذاتي القادرة على كسب الولاء السياسي للجنود العاديين. في سوريا، سحبت أقسام كبيرة من الرتب ولاءها للدولة، لكن عجز الحركة الثورية عن شل قلب جهاز الدولة من خلال الإضرابات الجماهيرية في العاصمة أدى إلى تحول نضالهم المسلح إلى سلسلة تمركزات من الثورات المحلية ولم تكن قادرة على تحقيق اختراق حاسم (52).
في ليبيا، انقسم الجيش عموديًا، ولكن جنبًا إلى جنب مع التأثير الكارثي للتدخل الإمبريالي من قبل الناتو، فأدّى كل ذلك إلى تسريع انحطاط الثورة الشعبية إلى حرب أهلية.
ومع ذلك، وكما أشرنا، مصطفى بسيوني وأنا في عام 2014: "منذ الساعات الأولى للثورة المصرية، كان السؤال الأشدّ إلحاحاً هو: هل سيعيد الناس تشكيل الدولة على صورتهم، أم أنّ الدولة هي التي ستعيد تشكيل الشعب؟ "لهذا السبب، إذا ما كان للثورة أن تصبح حقًا اختيار الشعب، فإن التنظيم الثوري ضروري لتوجيه النضال إلى نهايته.
"زمن الثورة" غير متكافئ - يمكن للنضال أن يأخذ قفزة هائلة إما للأمام أو للخلف في غضون ساعات قليلة. إن التنظيم الثوري المركزي المترابط نسبيًا، والذي ناقش بالفعل ووافق على الحاجة إلى كسر الدولة، من المرجح أن يكون قادرًا على اغتنام الفرص فورظهورها، وتوفير قيادة واضحة للحركة الجماهيرية في أوقات الأزمات،خاصة حين تكون القوى الإصلاحية في خضم تسوية أو انهيار في مواجهة هجوم من الطبقة الحاكمة. وغني عن البيان أن هذا الشكل الضيق من التنظيم ليس بديلاً عن المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة والفقراء التي هي محرك الحركة الثورية.
كما نعلم جيدًا سبب أهمية المنظمة الثورية التي لا تقبل المساومة على الإطلاق بشأن (أيّ مِن) مسائل الاضطهاد. ذلك أن الثورة المضادة ستتسلل مِن خلال الشقوق والانقسامات في وحدة معارضيها، فتقلب المضطهدين ضد بعضهم البعض، أوغالبية المستغلين ضد المتطهدين. هذه القضية لها بعد دولي أيضا؛ فإنّ الجنرالات أنفسهم الذين يقدمون أبناء الناس العاديين كوقود للحروب في الخارج، أو يقبلون الأموال والأسلحة من دول أخرى،هم الذين سوف يثيرون في ضجة عالية نوبة من التشكيك ضد "الأيدي الأجنبية" و"التدخلات الخارجيّة".
أخيرًا، هناك معنى آخر يكون فيه الحزب الثوري أمرًا حيويًا: فهو بمثابة خازن للوعي والشعور الايجابي الناجمَيْن عن كل الدروس المركّزة والخبرات التي كدّسها الناس العاديون في "وقت الثورة"، حول قدرتهم على إعادة تشكيل المجتمع واحساسهم بقوتهم وجمالهم و(سمو) أهدافهم، وهو ما يئس الحكام مِن تدميره. فيحتفظ الحزب الثوري بهذا الوعي والشعور للمرة القادمة حتى يتمكن الآخرون من التعلّم منه أيضًا. هذا ليس عملاً لإحياء الذكرى أو تمرينًا على الحنين إلى الماضي، ولكنه طريقة يمكننا من خلالهاالبناء على تضحيات ونضالات أولئك الذين حاربوا قبلنا وتحويل هزائم الماضي إلى انتصارات للمستقبل.
**آآن ألكسندر هي مؤلفة مشاركة مع مصطفى بسيوني لكتاب (الخبز والحرية والعدالةالاجتماعية: العمال والثورة المصرية (زيد ، 2014). وهي عضو مؤسس في MENA Solidarity Network، ومحررمشارك لمجلة Middle East Solidarity وعضو في اتحادالجامعات والكليات.
ملاحظات
1 لم تكن كتابة هذا المقال ممكنة دون ساعات طويلة من النقاش مع نشطاء منخرطين بعمق في الحركات الثورية والمعارضة في السودان والجزائر ومصر والمغرب والمملكة العربية السعودية. وهذا يعني أنّني- لمخاوف أمنية- لا أستطيع أن أشكر بالاسم الرفاقا لذين منحوا وقتهم لمساعدتي على فهم بعض الأسئلة التي تمت مناقشتها هنا بشكل أفضل، لكنّي أظلّ مدينة لهم بقدر غير محسوب. يبقى أن المسئولية عن أي خطأ أو سهو ترجع بالطبعلي. كما أشكر سلمى العماري وجاد بوهارون وتشارلي كيمبر وأليكس كالينيكوس على تعليقاتهم على المسودة.
2 لوكسمبورغ ، 1964.
3 قوى إعلان والحرية والتغيير ، 2019.
4 ديل بانتا ، 2017.
5 لوكسمبورغ ، 1964 ، ص 39.
6 تروتسكي ، 1931 ؛ تروتسكي ، 1992.
7 Hamouchene and Pérez، 2016، Schwartzstein، 2019، Hamouchene، 2019a.
8 لينين ، 1909 ؛ كراوتش ، 2006.
9 والش ، 2019.
10 TSA ، 2019.
11 عبد الجليل ، 2019.
12 عباس ، 2019.
13 أوماري ، 2019.
14 HuffPost الجزائر ، 2019.
15 قوى إعلان والحرية والتغيير ، 2019.
16 الحزب الشيوعي السوداني ، 2017 ، تجمع المهنيين السودانيين ، 2019 أ
17 لِجان المقاومة بورتسودان على فيسبوك: www.facebook.com/pg/revoltprotsudan/
18 تشيخي ، 2019.
19 كبير ، 2018.
20 Hamouchene، 2019b.
21 بوطيب ، 2019.
22 بوطيب ، 2019.
23 الكسندر ، 2019.
24 نجيب ، 2011 ؛ ألكسندر وبسيوني ، 2014.
25 الكسندر ، 2011.
26 ألكسندر وبسيوني ، 2014.
27 تجمّع المهنيين السودانيين ، 2019 ب.
28 شارف وباك ، 2019.
29 لينين ، 1917.
30 لينين ، 1917.
31 تلمساني ، 2017.
32 بي بي سي نيوز ، 2019.
33 هيومن رايتس ووتش ، 2015 ؛ راديو دبنقا ، 2019. قوات الدعم السريع هي تطورلميليشيات الجنجويد التي حشدتها الحكومة السودانية لاغتصاب وقتل الناس فيدارفور قبل عقد ونصف. كان حميدتي أحد قادة الجنجويد ثم مستشارًا للحكومة الإقليمية في دارفور، وواصلت قوات الدعم السريع استخدام أساليب مماثلة للجنجويدفي حملتهم العنيفة على الانتفاضة - توبيانا ، 2019.
34 تلمساني ، 2014.
35 ICG، 2019.
36 سليمان ، 2019.
37 توبيانا ، وارين وسانين ، 2018.
38 الكسندر ، 2018.
39 AfricaNews ، 2019.
40 جمعة ، 2019.
41 قوى إعلان والحرية والتغيير ، 2019.
42 تجمّع المهنيين السودانيين ، 2019 ج.
43 مينا سوليدرتي ، 2019.
44 لينين ، 1917.
45 الجزولي 2019 أ. الجزولي ، 2019 ب.
46 تروتسكي ، 1931 ب.
47 مولينو ، 2017 ، ص 102-111.
48 لينين ، 1917.
49 الكسندر وبسيوني ، 2014 ، ص 284-318.
50 مولينو ، 2017 ، ص 141 - 146.
51 الكسندر وبوهارون ، 2016.
52 ألكسندر وبسيوني ، 2014 ، ص 321.
References
Abbas, Sara, 2019, “The State of the Sudanese and Algerian Revolutions: Contribution to Panel Discussion Livestream”, Chicago Socialists (1 June), https://tinyurl.com/yyy89fgn
Abdelgalil, Sara, 2019, “Contribution to Public Meeting in Cambridge”, MENA Solidarity Network, Cambridge UCU and Cambridge and District Trades Council (13 May).
AfricaNews, 2019, “Algerian Magistrates to Boycott Presidential Polls” (14 April), www.africanews.com/2019/04/14/algerian-magistrates-to-boycott-presidential-polls/
Alexander, Anne, 2011, “The Growing Social Soul of Egypt’s Democratic Revolution”, International Socialism 131 (summer), http://isj.org.uk/the-growing-social-soul-of-egypts-democratic-revolution/
Alexander, Anne, 2018, “The Contemporary Dynamics of Imperialism in the Middle East: A Preliminary Analysis”, International Socialism 159 (summer), http://isj.org.uk/contemporary-dynamics-of-imperialism/
Alexander, Anne, 2019, “‘We’re Organising the Revolution’—Eyewitness from the Sudanese Sit-ins”, Socialist Worker (12 May), https://socialistworker.co.uk/art/48327/Were+organising+the+revolution+eyewitness+from+the+Sudanese+sit+ins
Alexander, Anne, and Mostafa Bassiouny, 2014, Bread, Freedom, Social Justice: Workers and the Egyptian Revolution (Zed Books).
Alexander, Anne, and Jad Bouharoun, 2016, Syria: Revolution, Counter-revolution and War (Socialist Workers Party).
BBC News, 2019, “Sudan Protest: Clashes Among Armed Forces at Khartoum Sit-in” (8 April), www.bbc.com/news/world-africa-47850278
Boutayeb, Mohamed, 2019, “Ma’rakat al-Jaza’ir”, Awraq Ishtarakiyya (24 April), https://revsoc.me/arab-and-international/39731/
Chikhi, Lamine, 2019, “Sensing Advantage, Algeria Protest Leaders Hike Pressure for Change”, Reuters (13 March), www.reuters.com/article/us-algeria-protests-leaders-idUSKBN1QU2DE
Crouch, David, 2006, “The Bolsheviks and Islam”, International Socialism 110(spring), http://isj.org.uk/the-bolsheviks-and-islam/
Del Panta, Gianni, 2017, “Does Workers’ Rebellion Herald Algeria’s Coming Storm?” Middle East Solidarity (2 October), https://menasolidaritynetwork.com/2017/10/02/archive-does-workers-rebellion-herald-algerias-coming-storm/
Djama, Younès, 2019, “Après l’annulation de la présidentielle du 4 juillet: que va faire le pouvoir?” TSA (2 June), www.tsa-algerie.com/apres-lannulation-de-la-presidentielle-du-4-juillet-que-va-faire-le-pouvoir/
El-Gizouli, Magdi, 2019a, “Sudan’s Revolutionary Crisis: Markets, the Quran and Army Officers”, Review of African Political Economy (5 March), http://roape.net/2019/03/05/sudans-revolutionary-crisis-markets-the-quran-and-army-officers/
El-Gizouli, Magdi, 2019b, “The Fall of al-Bashir: Mapping Contestation Forces in Sudan”, Arab Reform Initiative (12 April), www.arab-reform.net/publication/the-fall-of-al-bashir-mapping-contestation-forces-in-sudan/
Forces of Declaration and Freedom and Change, 2019, “Declaration of Freedom and Change”, Sudanese Professionals Association (1 January), www.sudaneseprofessionals.org/en/declaration-of-freedom-and-change/
Hamouchene, Hamza, 2019a, “Algeria in Revolt: ‘We Woke Up and You Will Pay!’”, openDemocracy (12 April), www.opendemocracy.net/en/north-africa-west-asia/algeria-in-revolt-we-woke-up-and-you-will-pay/
Hamouchene, Hamza, 2019b, “The State of the Sudanese and Algerian Revolutions: Contribution to Panel Discussion Livestream”, Chicago Socialists (1 June), https://tinyurl.com/yyy89fgn
Hamouchene, Hamza, and Alfons Pérez, 2016, “Energy Colonialism: The EU’s Gas Grab in Algeria”, the Observatory on Debt and Globalisation (September), www.counter-balance.org/wp-content/uploads/2016/12/energycolonialismalgeriaeng.pdf
HuffPost Algérie, 2019, “Agression du Carré des Féministes: Les Initiatrices Condamnent et Poursuivront Leur Combat” (31 March), www.huffpostmaghreb.com/entry/agression-du-carre-des-feministes-les-initiatrices-condamnent-et-poursuivront-leur-combatmg_5ca089e0e4b00ba6327e506a
Human Rights Watch, 2015, “‘Men With No Mercy’: Rapid Support Forces Attacks against Civilians in Darfur, Sudan”, Human Rights Watch (9 September), www.hrw.org/report/2015/09/09/men-no-mercy/rapid-support-forces-attacks-against-civilians-darfur-sudan
International Crisis Group, 2019, “Improving Prospects for a Peaceful Transition in Sudan” (14 January), www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/sudan/b143-improving-prospects-peaceful-transition-sudan
Kebir, Karim, 2018, “Naissance du mouvement ‘Mouwatana’”, Liberté Algérie (11 June), www.liberte-algerie.com/actualite/naissance-du-mouvement-mouwatana-294536
Lenin, V I, 1909, “The Attitude of the Workers’ Party to Religion”, Proletary (13 May), www.marxists.org/archive/lenin/works/1909/may/13.htm
Lenin, V I, 1917, “The State and Revolution: The Marxist Theory of the State and the Tasks of the Proletariat in the Revolution”, in Collected Works, volume 25 (Progress), www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/staterev
Luxemburg, Rosa, 1964 [1906], The Mass Strike, the Political Party and the Trade Unions (Merlin Press).
MENA Solidarity Network, 2019, “Sudan’s General Strike sends a message to General Hemeti: ‘We Want Civilian Rule Now’” (28 May), https://menasolidaritynetwork.com/2019/05/28/sudans-general-strike-sends-a-message-to-general-hemeti-we-want-civilian-rule-now/
Molyneux, John, 2017, Lenin for Today (Bookmarks).
Naguib, Sameh, 2011, The Egyptian Revolution: A Political Analysis and Eyewitness Account (Bookmarks).
Oumari, Selma, 2019, “The State of the Sudanese and Algerian Revolutions: Contribution to Panel Discussion Livestream”, Chicago Socialists (1 June), https://tinyurl.com/yyy89fgn
Radio Dabanga, 2019, “Two Injured as Paramilitaries Attempt to Break-up Central Darfur Sit-in” (5 May), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/two-injured-as-paramilitaries-attempt-to-break-up-central-darfur-sit-in
Scharf, Miriam, and Irang Bak, 2019, “‘The General Strike can Force the Regime to go’: Sudanese Trade Unionists Speak Out as Killings Continue”, MENA Solidarity Network (5 June), https://menasolidaritynetwork.com/2019/06/05/the-general-strike-can-force-the-regime-to-go-sudanese-trade-unionists-speak-out-as-killings-continue/
Schwartzstein, Peter, 2019, “One of Africa’s Most Fertile Lands Is Struggling to Feed Its Own People”, Bloomberg Businessweek (2 April), www.bloomberg.com/features/2019-sudan-nile-land-farming/
Soliman, Ahmed, 2019, “Will the Military or the People Lead Sudan?” Chatham House (26 April), www.chathamhouse.org/expert/comment/will-military-or-people-lead-sudan
Sudanese Communist Party, 2017, “Lijan al-muqawama” (9 November), https://tinyurl.com/yxusszkd
Sudanese Professionals Association, 2019a, “Bina’a lijan al-muqawama tariqatuna lisqat al-nidham” (11 March), https://tinyurl.com/yx9at4xl
Sudanese Professionals Association, 2019b, “Press Conference to Declare the Transitional Civilian Authority” (20 April), www.sudaneseprofessionals.org/en/press-conference-to-declare-the-transitional-civilian-authority/
Sudanese Professionals Association, 2019c, “Lijan al-muqawama wal taghir” (1 May), https://tinyurl.com/y2hongda
Tlemçani, Rachid, 2014, “Le Complexe militaro-industriel, Bouteflika et la croissance économique”, Le Matin d’Algérie (19 November), www.lematindz.net/news/15691-le-complexe-militaro-industriel-bouteflika-et-la-croissance-economique.html
Tlemçani, Rachid, 2017, “The Purge of Powerful Algerian Generals: Civil-Military Reform, or Presidential Power Grab?” Al Jazeera Centre for Studies (12 February), http://studies.aljazeera.net/en/reports/2017/02/170212111608848.html
Tubiana, Jérôme, 2019, “The Man Who Terrorized Darfur Is Leading Sudan’s Supposed Transition”, Foreign Policy (14 May), https://foreignpolicy.com/2019/05/14/man-who-terrorized-darfur-is-leading-sudans-supposed-transition-hemeti-rsf-janjaweed-bashir-khartoum/
Trotsky, Leon, 1931, The Permanent Revolution (Progress Publishers), www.marxists.org/archive/trotsky/1931/tpr/
Trotsky, Leon, 1992, The History of the Russian Revolution (Pathfinder).
TSA, 2019, “15e vendredi: forte mobilisation, les manifestants disent non au dialogue avec les 2B” (31 May), www.tsa-algerie.com/direct-15e-vendredi-forte-mobilisation-les-manifestants-disent-non-au-dialogue-avec-les-2b/
Tubiana, Jérôme, Clotilde Warin and Gaffar Mohammud Saeneen, 2018, “Multilateral Damage: The Impact of EU Migration Policies on Central Saharan Routes”, Clingendael (September), www.clingendael.org/pub/2018/multilateral-damage/
Walsh, Declan, 2019, “With Sudan’s Revolution in the Balance, Darfur Moves Center Stage”, New York Times (11 May), www.nytimes.com/2019/05/11/world/africa/sudan-darfur-revolution-protest.html
شارك هذا الموضوع: