الإخوان المسلمون والجهاد الأكبر

حيدر ابراهيم علي - 10-05-2011

نشر بتاريخ: 10 مايو 2011

اختتم مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين أعماله يوم ‬30 أبريل/ نيسان ‬2011، بعد مناقشة دامت يومين لبرنامج حزب «الحرية والعدالة»، انتهت بالإعلان رسميا عن تأسيس حزب بهذا الاسم. وهذا أول تدشين علني لقيام حزب سياسي يمثل جماعة الإخوان، مما يعني مواجهة تحديات جديدة مختلفة عن مرحلة السرية، واختلاف الحزب عن الجماعة. يضاف إلى ذلك رعب الحرية أو مسؤوليات الديمقراطية، وقد بدأت مبكرة.

فقد شكلت لجنة باسم «لجنة الحكماء» للتحضير، وحددت مهمتها في متابعة الحفاظ على هوية الحزب، والفصل في خروج أعضائه أو عدمه عن البرنامج. وقد اعترض عدد من الأعضاء، قائلين بأنهم يسعون إلى التغيير وضخ دماء جديدة من آن لآخر.

كان أول تحدٍّ فكري ـ سياسي، هو موقف الحزب الجديد من الدولة المدنية. وأعتقد بأن الحزب قدم تنازلات كبيرة، أهمها الاسم، فقد تنازل عن «الإخوان المسلمين» بكل رمزيته وتاريخيته وأصالته، ومع ذلك، يلاحقه الكثيرون مطالبين بضمانات ألا يكون حزبا دينيا. ويصف بعض القياديين حزبهم بأنه حزب مدني ذو مرجعية إسلامية. ولكن طبيعة الحزب ـ الجماعة أقرب إلى الجبهة الواسعة التي تضم تيارات عديدة، وبالتالي تتكاثر وتتعدد الآراء وتتباين المواقف. ومن الواضح في هذه المرحلة أن الحزب يسعى إلى توسيع العضوية، خاصة والانتخابات على الأبواب، فلا يمكن أن يتشدد في شروط العضوية. فالحزب يضم ألوان طيف أصحاب هويات إخوانية، سلفية، جماعات إسلامية، وجهادية. والبعض يقول بإمكان ضم أقباط في الحزب. وفي سؤال للشيخ يوسف القرضاوي عن إمكان قبول أن يكون رئيس مصر علمانيا أو مسيحيا، كان رده: سؤال غير واقعي. ولكن الكثير من القيادات في الحزب يرّوج لمثل هذه التصريحات الإعلامية.

وهنا تظهر مشكلة أخرى تتعلق بدقة المفاهيم والمصطلحات عند الإخوان، خاصة حين تجيء من خارج قاموسها السياسي والديني. وفي بعض الأحيان من صالح الإخوان استخدام مفاهيم غامضة أو غير دقيقة، بالذات في هذه المرحلة، بقصد عدم الالتزام أو التورط. وبالمناسبة، يبدو وكأن الإخوان يستخدمون السلفيين كفزّاعات في هذا الجانب الفكري، بسبب تطرفهم، بل شطحاتهم. استنادا على ما تقدم، يتجنب الإخوان المسلمون تحديد مواقفهم في قضايا مهمة وحساسة مع حلفائهم، بالذات السلفيين والجماعات الإسلامية، خاصة في معركة الاستفتاء على الدستور بسبب حاجتهم للتأييد، فظلت مواقفهم من الأقباط والمرأة وتطبيق الحدود والمواطنة عمومية.

ويبدو أنهم في الفترة السابقة للانتخابات سوف يمارسون قدرا كبيرا من البراغماتية، إن لم تكن الانتهازية في تحالفاتهم، إذ جاء في صحيفة «الأهرام» المصرية ما يلي: «في سرية تامة بمدينة ‬6 أكتوبر، التقت أكثر من ‬30 شخصية من رموز وقيادات التيارات الإسلامية المختلفة: الإخوان، السلفيين، التبليغ والدعوة، الجمعية الشرعية، الجماعة الإسلامية، شخصيات مستقلة من الأزهر الشريف، حيث دارت بينهم مناقشات مستفيضة وموسعة، تناولت أهم جوانب الخلاف والاتفاق التي طفت على السطح مؤخرا بين هذه التيارات، ومدى إمكان تضييق تلك الفجوة من الخلافات، كما تطرقت المناقشات إلى مستقبل الدعوة الدينية والتحديات التي تواجهها، في ظل المتغيرات والمرحلة الجديدة التي تعيشها البلاد» (‬7/‬5/‬2011). ويلاحظ أنه رغم دور الحزب السياسي، إلا أن الاهتمام الدعوي لن يخف أو يتوقف. ولكن تأكد من اللقاء أن موضوع الاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة، كان من الأولويات.

جدير بالذكر أن القيادة الجديدة ظلت تكرر أنها سوف تكتفي بـ‬35؟ من المقاعد لطمأنة الناس، زادت في البيان الختامي إلى ‬50؟، والآن الحديث عن الاكتساح. والفكرة أصلا لا وجود لها في أي ديمقراطية، إذ يفترض أن ينافس الحزب بكل طاقته وقدرته لمعرفة قوته الحقيقية. ولكن في هذه الحالة يظل الإخوان المسلمون يرددون ويمتنون على الشعب أنهم لم يستنفدوا كل قوتهم. هذا قرار لا معنى له في النظام الديمقراطي، ولا يكفي للاطمئنان الذي يتحقق بالسلوك الديمقراطي اليومي والممارسة.

يفترض في حزب الحرية والعدالة الجديد أن يبتعد عن عقدة الاضطهاد، التي كثيرا ما كانت تحكم علاقاته مع الآخرين بصور عديدة، أولها النفور من النقد وعدم قبوله واعتباره مجرد امتداد للمعاملة التي كان يعاني منها الإخوان في الماضي؛ لذلك يأتي رد الفعل عنيفا وعدائيا، ويتهم الشخص الناقد بالعمالة وتنفيذ مخططات ضد المسلمين (وليس ضد الإخوان المسلمين فقط!).

ثانيا، قد تولد عقدة الاضطهاد استجابة استعلائية. فلابد أن يدرك الإخوان المسلمون أنهم حزب عادي، حتى وإن كانوا الأكثر تنظيما أو مالا أو عددا. ففي إطار حملة المؤتمرات الحاشدة التي أطلقتها الجماعة تحت عنوان «من نحن؟ وماذا نريد؟»، وفي لقاء كبير في منطقة حدائق القبة، انتقد مهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين «الجماعة في تحضيرها لهذه المؤتمرات تحت عنوان: من نحن؟ وماذا نريد؟ مؤكدا أن الجماعة ملء سمع وبصر الأمة، بل هي الروح التي تسري في قلب هذه الأمة، فمحياها بالقرآن، ومن ثم الجماعة ليست في حاجة أن يتعرف عليها الناس، فالناس يعرفون نضالها!» (الأهرام: ‬7/‬5/‬2011). وهذا دليل عدم خبرة في العمل السياسي العام، قد تكون له خبرة في العمل الدعوي، إذ لا يمكن أن تدعو الجمهور للقاء معين وتكون أنت الرافض للفكرة من عنوانها، حتى ولو أردت المبالغة في الحديث.

يتهرب «الإخوان» من معالجة القضايا الملموسة، إلى التجريد والعموميات أو اللجوء إلى الشعاراتية، ويحتاجون إلى جهد فكري أصيل بقصد تعميق مفاهيم الديمقراطية، ولكي تنعكس في الممارسة والحياة. فالديمقراطية ليست مجرد عملية فنية، تتمثل في التداول السلمي للسلطة وحرية الأحزاب والصحافة مثلا. فالإخوان مطالبون ـ إذا أرادوا فعلا طمأنة الناس ـ أن يرفعوا ويطبقوا شعار: الحرية لنا ولسوانا! فقد لاحظت بعد الإخوان عن المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، إلا بمقدار الاستفادة منها في الدفاع عن حقوقهم. فهم لا يشاركون في الحملات المدافعة عن الحريات، مع أن الحرية لا تتجزأ، كما أنهم لم يحسموا إشكالية التكفير والرّدة بسبب الأفكار. فالإخوان ليست لديهم مشكلة تنظيمية، ولكن تجديد الأفكار واللحاق بالعصر.. هذا هو جهادهم الأكبر، عادوا إليه بعد إعلان الحزب رسميا.



الكاتب: حيدر ابراهيم علي

حيدر إبراهيم علي مفكر وكاتب وعالم اجتماع سوداني تخصص في علم الاجتماع الديني وأفرد جزءاً كبيراً من مشروعه الفكري لنقد الإسلام السياسي. اشتغل كذلك على فكرة التنوير والتحرير. ولد في 11/5/1943 بالقرير. في عام 1992 اسس دكتور حيدر إبراهيم على مركز الدراسات السودانية بالقاهرة. كتب دكتور حيدر إبراهيم على العديد من الكتب و المقالات و منعت السلطات السودانية معظم مقالاته الناقدة لهم كما منعت بعض من كتبه من التداول في السودان كان ما ابرزها: أزمنة الريح و القلق والحرية، سيرة ذاتية، سقوط المشروع الحضاري، أزمة الإسلام السياسي، الجبهة القومية في السودان نموذجاً، الامنوقراطية وتجدد الإستبداد في السودان، كتاب مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب السلطة وخسارة الدين...