شعب الشعب وشعب العسكر د. حمدوك.. التاريخ يدق بابك للمرة الثانية والأخيرة.. فلا تخذله مجدداً

حيدر ابراهيم علي - 06-10-2021

كان يوم الخميس 30 سبتمبر 2021 يوم مفاصلة بين ثورة الشعب وغضبة العسكر، وتدفقت جموع الشعب الحقيقي في كل شوارع السودان، بينما اختفى شعب العسكر والذي يمثله مناوي وترك والتوم هجو وسوداكال وعائشة الجبل وحسين خوجلي وكرتي وقوش.
صادف ذلك اليوم زيارة مجموعة البنك الدولي والذي منح السودان شهادة اقتصادية تبشر بكثير من وعود التنمية والتقدم شرط أن يكمل الإنسان السوداني المنتج المحب للعمل والمحترم للوقت رافض الاستهلاك والبطالة هذا المشوار أي- رأس المال البشري المنتمي للقرن 21.
تقتفي بشرى البنك الدولي محاربة صادقة وجادة للفساد ومعرفة كيف أنفقت كل مليم والمحاسبة الرادعة لكل من يتلاعب بأموال الشعب، ولتكن عقوبة الاختلاس والرشوة الإعدام أو المؤبد لأنها جريمة عظمى وخيانة وطنية.
نجاح خطة البنك الدولي ونهضة السودان الاقتصادية لابد أن تنفذها وترعاها حكومة ذات كفاءة عالية، ومازال د.حمدوك محاطاً بوزراء ومسؤولين متوسطي القدرات وبعضهم قد يكون أذكياء أكاديمياً ولكن ليسوا أذكياء اجتماعياً وشعبياً لأنهم عاجزون عن الالتحام مع الناس، يفتقدون الشعور والإحساس بمعاناة الشعب يبتعدون عن الجماهير والشارع. مثال ذلك والي الخرطوم الذي لا يشعر بكل هذه النفايات وتدهور البيئة. وهنا أتساءل هل يملك رئيس الوزراء صلاحيات إقالة المسؤولين والوزراء الفاشلين ولماذا لا يمارس هذا الحق إن وجد؟
ليس من المقبول ولا المنطقي أن يكون لرئيس وزراء هذا السند الشعبي وهذا التفويض، ومع ذلك فهو يطرح المبادرات ويضع لها الآليات الفاشلة. مثل هذا الرئيس يصدر قرارات وتنفذ مستنداً على تأييد الشارع ومن المعيب أن يطرح مبادرات مثل أي مواطن غلبان. ولكن – للأسف-يتنازل د. حمدوك عن سلطاته وصلاحياته مجاناً فقد تنازل عن ملف السلام ثم عن ملف الاقتصاد. كتب أحد المؤيدين للحكومة الانتقالية محاولاً تبرئة المكون المدني وإدانة المكون العسكري وتحميله مسؤولية تعطيل القرارات المهمة، وقد عدد الكثير من القرارات التي رفعت لمجلس السيادة ولكن لم تتم إجازتها وحفظت رغم أهميتها في عمل الانتقال. وهذا الشخص لم يسأل نفسه: هل مجلس السيادة كلهم عسكريون؟ وماهو دور المكون المدني في المجلس وهل يملك العسكر حق الفيتو؟ نعم الأهم من ذلك: ماهو موقف الجهة التي رفعت القرارات. لماذا لا تتابع قراراتها وتعرف سبب تعطيلها.
د. حمدوك: هذه فرصة لن تتكرر وضياعها يعني ضياع تاريخك الشخصي ومصير الوطن، لذلك هذه المرة أقول لك خذ الكتاب بقوة! واستعن بالمخلصين الأقوياء المصادمين الذين لا يخشون في الحق لومة لائم.
الحكومة الانتقالية الآن في مفترق طرق وعلى عاتقها مستقبل بناء سودان جديد. لذلك د. حمدوك يحتاج لفريق عمل متميز قادر على حل المشكلات وعدم التهرب من المسؤولية وخدمة الجماهير. وبالتالي لا يغلق هواتفه ويسن عادةاللقاءات الدورية وعقد المؤتمرات الصحفية وتمليك الحقائق للشعب. وأن يتجنبوا البيروقراطية والغرق في الامتيازات والتسهيلات والجري وراء بدل السفرية والمظاريف السمينة.
د. حمدوك عليك برد الجميل لهذا الشعب العظيم الذي خاطبك بشكراً والذي خصص لك القومة، لقد حققت نجاحات عظيمة في الملفات الخارجية وعملت ما يشبه المستحيل ومطالب الشعب متواضعة فهو لا يريد أكثر من تلبية الحاجات الأساسية: كهرباء مستدامة وطرق جيدة وعلاج مجاني وأدوية متوفرة وتعليم جيد ومجاني لأطفاله وفرصة عمل لشبابه وشعور بالأمن والأمان.
فالتاريخ يدق على بابك ليسجلك زعيماً وطنياً في زمن صعب فلا تخذله وتخذلنا، ولك التقدير والأمنيات الطيبة.
مع ختام المقال: تحرك شعب العسكر في عمل مشبوه يهدف لطمس آثار موكب الخميس الرائع وليقول للعالم إن الثوار مختلفون، فقد راجت في الأسافير رسالة مجلس السيادة تطلب منه تبني الدعوة لاجتماع في قاعة الصداقة يوم السبت لإعلان وحدة قوىالحرية والتغيير. ولأن المجموعة المتآمرة لا تستطيع تحريك الشارع طلبت من المجلس حث وزارة الخارجية لدعوة الدبلوماسيين المقيمين بالسودان، ومن الواضح أنهم يريدون التشويش وأن تروج أخبار في الإعلام الدولي عن انقسام الثوار، ومصير السودان في يد هؤلاء؟ ولكن مناوي وجماعته من عناصر الردة يؤكدون يومياً عدم وطنيتهم، فالسيد مناوي مازال يتعامل كمساعد رئيس الجمهورية (عمر البشير) وجبريل كعضو في المؤتمر الشعبي (جناح الترابي).
اليقظة والحذر من حصان طروادة والطابور الخامس، ويجب كشفه وملاحقته ومحاسبته شعبياً وقانونياً من أجل حماية الثورة ودماء الشهداء.
الردة مستحيلة ولكن التشويش يعطل مسيرة الثورة ويشغل الثوار بقضايا جانبية مما يسمح بتعميق الأزمات، وعلى الثوار الوحدة وتنظيم أنفسهم بعيداً عن العفوية وحسن النية القاتل.



الكاتب: حيدر ابراهيم علي

حيدر إبراهيم علي مفكر وكاتب وعالم اجتماع سوداني تخصص في علم الاجتماع الديني وأفرد جزءاً كبيراً من مشروعه الفكري لنقد الإسلام السياسي. اشتغل كذلك على فكرة التنوير والتحرير. ولد في 11/5/1943 بالقرير. في عام 1992 اسس دكتور حيدر إبراهيم على مركز الدراسات السودانية بالقاهرة. كتب دكتور حيدر إبراهيم على العديد من الكتب و المقالات و منعت السلطات السودانية معظم مقالاته الناقدة لهم كما منعت بعض من كتبه من التداول في السودان كان ما ابرزها: أزمنة الريح و القلق والحرية، سيرة ذاتية، سقوط المشروع الحضاري، أزمة الإسلام السياسي، الجبهة القومية في السودان نموذجاً، الامنوقراطية وتجدد الإستبداد في السودان، كتاب مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب السلطة وخسارة الدين...