التفكير في التفكير
العقل الإسلاموي المثقوب
توقفت
طويلا عند بيان مجلس شورى المؤتمر الوطني في 29 مايو 2021 واحترت في طريقة تفكير عقول النخبة الإسلاموية. ومن البداية رأيت فيه عقلاً مثقوباً لأنه لا يدرك عِبر التاريخ ولا يعي أفعاله وممارساته لأن ظهورهم مرة أخرى دليل على أنهم لم يروا ثورة الشعب ضدهم ومازالوا يظنون
أنهم 2% من الشعب وباقي الشعب موجود في كوكب آخر.
وقبل
مناقشة الأفكار هذه قضية أمنية تظهر التقصير واختراق الحكومة الانتقالية وتؤكد نشاط الطابور الخامس داخل مؤسسات ثورة ديسمبر المختطفة. أين الأجهزة الامنية التي لا تشعر باجتماع العشرات وقبلها التجهيز للإجتماع وهناك تقصير أخطر من لجان المقاومة في الأحياء التي يفترض
أن ترصد حركات الإسلامويين في الأحياء وتتبع كل مظاهر التجمعات التي تثير الشكوك. علماً بأن الثورة لا يمكن تأمينها وحمايتها بالمليونيات فقط بل بالمشاركة في ردع وتحجيم الإسلامويين لأنهم هم الخطر الحقيقي المهدد للثورة. وكان يمكن للجان أن تحد من الانفلات الأمني وفوضى
الأسعار ومؤامرات العملة الأجنبية ومضاربات الدولار المفتعلة. على اللجان النظر للأولويات بوضوح رؤية وإلا تضيع طاقاتهم وجهودهم في قضايا هامشية وجانبية. أكد اجتماع شورى الاسلامويين إصرارهم على المكابرة واستفزاز الشعب السوداني لأنهم تعودوا على ذلك ولأن الثورة عاملتهم
بطريقة ديمقراطية وحضارية أرادوا استغلال الحريات واستخدام الحرية لقتل الحرية والعودة للاستبداد والفساد. لذلك نقول لا حرية لأعداء الحرية. ولا أدري ما موقف الداعين لمصالحة وطنية مع هؤلاء، هناك محللون يريدون عودة الإسلامويين وحكمهم بعد أن طلقها الشعب السوداني طلاقاً
بائناً بثورته المجيدة. ولكن كل هؤلاء المحللين لهم أغراض ومصالح ذاتية. وبالمناسبة هنا كتلة من المنتفعين في نظام الانقاذ وهم ليسوا أعضاء في التنظيم ولكن سياسات النظام وأجواء الفساد هيأت لهم الظروف للثراء السريع. هم الآن من أركان الدولة العميقة وهم من يحاربون
لجنة إزالة التمكين ويدعون عدم قانونية قراراتها كأن هذا الفساد المستفز يحتاج لقاموس قانوني لكي يشرحه.
وهذا
هو اعتذار الإسلامويين عن تجربة إذلال الشعب السوداني وإفقاره والتطهير العرقي وبيوت الأشباح والاغتصاب وفصل الجنوب يقول البيان بكل وقاحة وسوء أدب:"التأكيد على اعتزاز الحزب بتجربته في الحكم بكل ما فيها من نجاحات واخفاقات وما فيها من صواب وخطأ إذ من المستحيل أن
تخلو تجربة بشرية امتدت لثلاثة عقود مهما علا شأنها من الاخفاق والخطأ. ونحمد الله الذي سخر لنا دون حول منا ولا قوة على مدى سنتين فقط. تجربة قوامها الاخفاق والفشل الذريع بل السقوط العمودي لننافس بها تجربتنا فبضدها تتمايز الأشياء".
وفي
فقرة اخرى:
"ويثمن
الحزب عالياً ما وفق إليه الله من الانجازات الكبرى التي حققها خلال ثلاثين عاماً في مختلف المجالات مما يقف شامخاً ملموساً في كل مناحي الحياة. ولا يتسع المجال لسردها، رغم ظروف الحصار والاستهداف والتضييق".
وهنا
لا يفرق العقل الإسلاموي المثقوب بين الخطيئة والخطأ ويرى في الفظائع والكوارث التي اقترفها في حق هذا الشعب العظيم مجرد خطأ وكان إدخال بيوت الأشباح في الحياة السياسية والتطهير العرقي مثل حادث مرور.
لم
يدرك العقل المثقوب أن تجربتهم كانت آخر حلقة في الملك العضوض الذي انحرفت إليه الدولة الإسلامية وأسس المسلمون في خلافة الأمويين والعباسيين للاستبداد والفساد الذي استمر حتى سقوط الخلافة العثمانية ثم تبعثر في دولة قطرية ادعت قيام دول دينية تحكم بالشريعة. يكتب المؤرخ
والمفكر العراقي (هادي العلوي):"اتجه الحكام المسلمون إلى المبالغة في البذخ منذ وقت مبكر. وكان الخليفة يملك كأي امبراطور الحق المطلق فلم تكن هناك رقابة تحد من تصرفاته المالية … وقد نظر الحكام المسلمون إلى السلطة كوسيلة شخصية للتمتع بالملذات". (كتاب فصول من تاريخ
الاسلام السياسي، بيروت 1995، ص117)، ويكتب الماوردي في "تسهيل النظر" أنه لام أحد الحكام لإفراطه في اللهو، فأجابه الحاكم:" إن الملك إنما يراد للتلذذ به". ويقول المسعودي في "مروج الذهب": "أن المنصور قدمت له وجبة شهية بعد أن بلغته أنباء سحق حركة البصرة بقيادة إبراهيم
بن عبد الله، فقال: "أراد إبراهيم أن يحرمني من هذا وأشباهه".
وكانوا
يرددون -الإسلامويون السودانيون- نفاقاً: "هي لله".
شارك هذا الموضوع: