بادية تتنفس الشعر ، وأكاد أجزم أن جل سكانها بين إثنين لا ثالث لهما إما شاعر مجيد أو متذوق فريد .
في هذه البادية تفرد عز قرينه الآن ليس في السودان فحسب بل وفي كل الأقطار العربية والإفريقية.
أكلت المدن الكبيرة البوادي بجذب السكان إليها الا بادية الكبابيش ما زالت محافظة على بعض من أصالتها وقيمها واخلاقها ونمط حياتها رغم نقصانها من أطرافها لحساب الحواضر.
وبعد هذه المقدمة المختصرة آن أوان الولوج في موضوع المقال ،
فشاعرنا السميتاوي رحمه الله احد صاغة الشعر (الدوبيت) وهم كثر فلكل منهم بصمة خاصة وتوقيع خاص وقالب خاص ،يعد شاعرنا من المقدمين في قرض الشعر كما وكيفا حيث طرق جميع ضروب الشعر (الدوبيت) من غزل ومدح ووصف ورثاء فملأ بها باديته وشغل ناسها.
ترك السميتاوي رحمه الله إرثا كبيرا في الكيف والكم.
عرف شاعرنا كيف يعجم عيدان اللغة ويرسلها دررا تبهج النفس وتشنف الآذان .
أستخدم السميتاوي كلمة (الرقل) وهي من الفصاحة بمكان ، أرقل الجمل إذا أسرع .
قال يصف جمله:
(أحدب وشوح وكرسي خبيبو)
(ورقلو بفكر القلب المفارقو حبيبو)
(خلقتو إن جفل راعي الغنم ما بجيبو)
(الراكب عليه القراوي لا يوميبو)
أحدب وشوح صفات للجمل وانت على ظهره كأنك جالس على كرسي لا تحس بالحركة من فرط هدوء وقع أرجله على الأرض وإذا جفل لا يستطيع راعي الغنم إرجاعه واذا كنت على ظهره لا تومئ
بالقراوي السوط
وما أكثر ورود كلمة الرقل ومشتقاتها في شعر الأقدمين أمثال طرفة بن العبد:
(وإني لأقضي الهم عند احتضاره)
(بعوجاء مرقال تروح وتغتدي)
كما وردت عند النابغة الذبياني:
(إذا أستنزلوا عنهن للطعن)
(أرقلوا إلي الموت إرقال الجمال)
وإستخدم كلمة (الخبيب) في نفس المربوعة وهي ضرب من ضروب سير الإبل .
ويمضي شاعرنا في إبداعه ويأتي بمفردة أخري وهي (المرحان) يقول:
(خماج الوطا المنطرحه)
(رقلك ببعد الهم بدي سيدك فرحه)
(يومو النوى لى المنو الكبد منجرحه)
(كل ما مره ياخد بالمعنقر مرحه)
خماج : لقب الجمل
الوطا المنطرحه: الأرض المنبسطة
النوى : من
النيه
المنو الكبد منجرحه: كناية عن المحبوبه
المعنقر: الرسن
مرحه : وهي الشاهد وتعني نشاط وهمه ووطرب للجري.
واستخدم شاعرنا كلمة (المراح) بفتح الميم وتشديد الراء المرققة وهي صيغة مبالغة على وزن فعال(بتشديد العين) وهي من أقوى صيغ المبالغة ومنها ما هو على وزن (فعيل) بكسر الفاء والعين المشددة) كما وردت في قصيدة البحث عن بيت شعر لشيخ شعراء السودان عبد الله الشيخ البشير إذ يقول:
(فها أنذا يعادي بي مراح)
(بشط الغيب مريح كميت)
(مريح) بكسر الميم وتشديد الراء المرققه بينما استخدم السميتاوي مرادفها (مراح)بفتح الميم وتشديد الراء المرققة)
حيث يقول:
(يا ود الطريفي الحر ويا الصلاح)
(ويا حسن الحوارك عندو مافي بجاح)
(من عيني وعيون خلق الله لى المراح)
(كرسي اللستلم راسمالو والأرباح)
وهنا ينده أو (ينهم) شاعرنا الشيخ محمد الطريفي العركي والصلاح
(بضم الصاد ، جمع صالح)
والشيخ حسن ود حسونه
بأن يقوا جمله (المراح) من عينه هو ومن عيون خلق الله.
لم يقف شاعرنا المبدع عند هذه الصفات فحسب ، بل نحت عميقا في صخور اللغة وغاص في لجتها فاستخرج منها كنوز وصفات مدهشة في الشعر مثل كلمة (فزيز) وهي من الفصاحة بمكان وردت في شعر الفرزدق حيث يقول :
( فرارا من شتيم الوجه)
(يفز الأسد خوفا بالوعيد)
وكلمة فزيز من فز يفز فهي في حق الرجال عيب كما قال شاعرنا محمد علي ابو قطاطي في رائعته
(الحاره بنخودا)
ما بنفز يمين إن متنا فد مره
وظف السميتاوي كلمة فزيز بشكل فريد في قوله:
(كرسي الفي مكانتو عزيز)
(بشوف بدنو انشوى وفقارو جاب ليه نزيز)
(على الفي قومتو عاجبني وكلامو لذيذ)
(مرادو يكمل اليوم بيا كلو فزيز)
يصف جمله بهدوء السير وذكر أنه بدت عليه علامات تحمل الشدة مثل الضمور ونزيز الفقرات وعندما أنوي زيارة المحبوبة المكنى عنها ب (الفي قومتو عاجبني وكلامو لذيذ)
مراده يكمل اليوم جريا.
ويأتي بكلمة (فاز) وهي فعل ماضي من يفز في قصيدة أخرى:
(أمسى الليله قاج قرانو)
(فاز بيا المفاسح زورو من كيعانو)
(كرسي الضرب أرباخو ورصيد دكانو)
(جافل من رطين مخلوفتو مو رضيانو)
القران (الراء مشدده) وتعني الاذنين فاز أي من الفزيز ويصفه بأنه واسع الصدر بعيد ما بين الصدر والكوعين وفي البيت يذكر ان الجمل جافل من الصوت الذي يصفه بالرطين وهو صوت عيدان(اعواد) السرج وشبهها بالرطين وليس في هذا غرابة فقد سبقه المنخل اليشكري في طائيته:
(وماء قد وردت أميم طام )
(على أرجائه زجل القطاط)
(فبت أنهنه السرحان عنه)
(كلانا وارد خران قاطي)
(كان وغى الخموش بجانبيه)
(وغى ركب أميم أولي زياط)
(كأن مساحب الحيات فيه)
(قبيل الصبح آثار السياط)
فالزياط والظيطه والرطين تشترك في عدم الوضوح وتكون صعبة الفهم..
كان نقص تموا وكان اتشتت لموا
مودتي واحترامي
شارك هذا الموضوع: