السودان في مفترق طرق
...سيولة وهشاشة وإحباط عام
...لماذا نجني في حق الوطن ؟؟؟؟؟
وصل الوضع حقيقة في السودان إلى مفترق طرق ، التصاعد والتضاد والإستقطاب والإنقسامات يتهدد كل عناصر الدولة وشبح الإنهيار الكامل للوضع الإقتصادي والخدمات الصحية والتعليم ورهن القرار الوطني والسيادي وقضية السلام لمشيئة الأحلاف والمحاور كل ذلك قاد الوضع الهش لحالة من السيولة السياسية والأمنية والإحباط العام والخوف من المجهول المعلوم ذلك ان الفترة الإنتقالية لا تسير وفقا لمشيئة ثورة 19 ديسمبر 2019 والتي تبنت شعارات الحرية والسلام والعدالة وفقاً لإعلان الحرية والتغيير وحسب الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الإنتقالية.
الواقع أن مؤسسات الفترة الإنتقالية التي تم إعتمادها لتسيير العمل وألمقصود بها مجلس السيادة ومجلس الوزراء والحاضنة السياسية لهما قوى الحرية والتغيير قد إنحرفت عن المسار الذي وضع لها ولم تلتزم بموجهات الوثيقة الدستورية أو إعلان الحرية والتغيير الذي إجتمعت عليه .
لكي نستطيع تفصيل ذلك يجب علينا أن نحدد ماهي الأجسام السياسية التي تتكون منها الحاضنة السياسية المفترضة لقيادة مؤسسات الفترة الإنتقالية:
الحقيقة أن أكبر أجسام الحاضنة المدنية هي:
• قوى نداء السودان
• قوى الإجماع الوطني
• منظمات المجتمع المدني
• لجان المقاومة
• تجمع المهنيين السودانيين
ويقف في الشق الآخر الموازي لذلك :
• ممثلي القوات المسلحة
• قوات الدعم السريع
• قوى الثورة المضادة ومافيا الفساد
يمكن أن نلخص علاقة كل هذه الأجسام بما يحدث في الساحة السياسية كما يلي:
o بالنسبة لقوى نداء السودان المكون من حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني والجبهة الثورية التي وقعت اتفاقية السلام الاخيرة في جوبا وبعض الأحزاب الصغيرة ومنظمات المجتمع المدني.
o بالنسبة لقوى الإجماع الوطني تضم في داخلها الحزب الشيوعي السوداني وهو الأعلى صوتا وتأثيرا وبعض أحزاب القوميين العرب اليسارية إضافة لبعض منظمات المجتمع المدني.
o منظمات المجتمع المدني غير المنضمة للجسمين السابقين فهي منظمات معظمها محايدة وكثير منها منظمات نسوية وشبابية ساهمت في إسقاط حكومة الإسلاميين إضافة لمنظمات أسر الشهداء المختلفة والنقابات والمتضررين مباشرة من النظام البائد.
o لجان المقاومة هي لجان تكونت وغالبية عضويتها من الشباب الذين قادوا عملية إسقاط نظام حكم الإسلاميين وهم من خريجي الجامعات وأسر شهداء الثورة ومفصولي الصالح العام في العهد البائد بمختلف فئاتهم المدنية والعسكرية وغيرهم من جماهير الثورة تسعى هذه اللجان للحفاظ على مكتسبات الشعب السياسية للثورة والعمل على إنجاح الفترة الإنتقالية
o تجمع المهنيين وهو الجسم النقابي الذي قاد الثورة وأسقط النظام البائد.
إذا تجاوزنا الإختراقات والاستقطابات التي حدثت أثنا العملية السياسية في الفترة الماضية ، يمكن أن نقول إنه يقف في الإتجاه الموازي لكل القوى التي ذكرناها أعلاه ، المجلس العسكري الإنتقالي بقيادة البرهان، الذي يفترض أنه إنحاز لقوى الثورة ضد حكومة الإسلامويين وبرفقته قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي . ويدعمهما قوى الثورة المضادة من الإسلامويين ومافيا الفساد ، ما يسمى في الشارع السوداني بدول المحاور ، ويقصد بها الأمارات العربية ومصر والسعودية وتركيا وقطر ولها أطماع كبيرة ومعروفة في السودان .
كما ذكرنا في البداية أن هذه القوى قد إنحرفت تماماً عن الخط المرسوم لها والمهام التي يجب أن تنهض بها ذلك أن:
- الحاضنة السياسية المكونة من قوى الحرية والتغيير أنشغلت تماما بالصراعات الأيديولوجية والمكايدات الحزبية وانصرفت عن مهامها في الفترة الإنتقالية ذلك أنهاعقب تكوين الحكومة الإنتقالية برئاسة د. حمدوك تحولت إلى ما يشبه المعارضة لهذه الحكومة وهي الآن في الواقع لا تدعم حكومة حمدوك إطلاقا وأحيانا تهدد باسقاطها رغم أنها أتت بها وأصبح حال الحكومة كالانسان الذي تم تقييده وإلقائه في النهر وطلب منه أن يسبح و لا يغرق .
- بالنسبة لتجمع المهنيين فقد كثرت الخلافات الأيديولوجية في داخله بين قوى اليسار وقوى اليمين وضعف كثيرا وأصبح تأثيره على مجريات الأحداث لا يذكر
- منظمات المجتمع المدني تاثيرها ضعيف ومحدود
- حكومة حمدوك حظيت بدعم شعبي لم تحظى به حكومة في تاريخ السودان على الرغم من المعاناة التي يواجهها الشعب و الأزمات السياسية والإقتصادية وتردي الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها كما أنها حظيت بقبول وتاييد دولي معنوي كبير طيلة الفترة الماضية من عمر الثورة
- في الضفة الأخرى نجد أن المجلس العسكري الذي تم حله بموجب شراكة مع الجانب المدني في مجلس السيادة وأوكلت له مهام تشريفية من خلال عضويته المختارة لمجلس السيادة ، وبحكم تمثيله للقوات النظامية والدعم السريع يسيطر تماما على المسئولية الأمنية والدفاع والأمن ويضع يده على 80% من موارد الدولة الإقتصادية بحسب ما أفاد به رئيس مجلس الوزراء وليس لمجلس الوزراء أي سلطة عليها وهي خارج السيطرة المالية لوزارة المالية، كما أنه لا يلتزم بصفته التشريفية ، ذلك أن الأعضاء العسكريين لمجلس السيادة أوجدوا الآن لأنفسهم سلطات تتعدى الوثيقة الدستورية وأصبح يسيطر على القرار السياسي والإقتصادي وسلب مجلس الوزراء سلطاته وخرق الوثيقة الدستورية أكثر من مرة وأوجد لنفسه الحق في التدخل ورسم السياسة الخارجية والأمن والدفاع واستولى على ملف السلام ووقع إتفاقية سلام جزئية مع بعض الحركات تخالف نصوص الوثيقة الدستورية وقاد التطبيع مع إسرائيل وعطل محاكمات الفساد وإسترداد الأموال المنهوبة من الخزينة العامة وأعطى شرعية لقوات الدعم السريع كقوات تابعة للجيش ولكن بقيادة لا تخضع للجيش في تناقض واضح مع قانون القوات المسلحة السودانية كما أنه يغض النظر عن الخروقات الأمنية والاعتقال والتحقيق والتعذيب ، بل والقتل خارج إطار القانون وتهريب الذهب والأموال وهروب المتهمين بالفساد ، كل ذلك جعل المكون العسكري لمجلس السيادة يفقد تعاطف المواطن العادي في الشارع ويكسب عداء لجان المقاومة.
ذلك قاد إلى أن يصبح المشهد الآن في السودان كالآتي:
إنصرفت احزاب قوى الحرية والتغيير عن مهامها السياسية في دعم حكومتها التي كونتها برئاسة حمدوك وانشغلت بالصراعات الأيديولوجية والمحاصصات في المواقع الوزارية والسيادية والتمكين في الخدمة المدنية لمنسوبيها وعرض خدماتها على المحاور الخارجية التي تتصارع على حماية مصالحها الإقليمية والدولية في السودان.
نداء السودان والجبهة الثورية التي وقعت إتفاقية جوبا للسلام هذا الكيان إنسحبت منه الجبهة الثورية وأصبحت تشكل كيان مستقل خارج نداء السودان ولكنها لا تزال عضواً في الحرية والتغيير أما حزب الأمة فقد جمد عضويته في الحرية والتغيير وواقع الحال الآن أن الجبهة الثورية وحزب الأمة هم الأقرب لحالة التحالف مع العسكريين وأجندة دول المحور وعلى رأسها الأمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر ويتخذون الهبوط الناعم وسيلة أساسية لتنفيذ أجندتهم وهي بالتاكيد مهما بحثنا لها من علاقة بشعارات الثورة وغاياتها فهي بعيدة عنها وهم الأقرب إلى حكومة حمدوك التي تتراجع كل يوم وتبتعد أيضا عن شعارات الثورة ومستحقات الفترة الإنتقالية.
قوى الإجماع الوطني التي ضمت الحزب الشيوعي السوداني وبعض أحزاب اليسار القومي العربي والمقصودة بها البعثيين والناصريين تعاني هي نفسها من الصراعات الأيديولوجية الظاهرة والخفية فيما بينها داخل الاجماع الوطني وخارجه مع أحزاب اليمين في قوى الحرية والتغيير وقد فقد هذا الجسم أهم أعمدته الحزب الشيوعي السوداني بقراره الإنسحاب من عضوية الإجماع الوطني وقوى الحرية والتغيير في نفس الوقت وهو إنسحاب جاء متأخراً جداً ولن يكون له تأثير بارز على مختلف الأصعدة ذلك أنه تم بعد الوصول إلى مفترق طرق أشبه بالمتاهة .
هناك استياء عام من الأداء السياسي والاقتصادي لحكومة حمدوك النيوليبراليةNeoliberalism: التي تلتزم التوجهات الإقتصادية التي تأخذ مذهباً يعتنق إقتصاد السوق ووصفات البنك وصندوق النقد الدوليين المجربة ، ولا يلقي بالاً للعدالة الإجتماعية، وغضب شعبي كبير ضد الشرطة والجيش وقوات الدعم السريع ، وعداء مفتوح بينهم وبين الثوار الشباب بسبب كثرة التعديات والتجاوزات بالعنف المفرط والإعتقال المنتقاة للناشطين والتعذيب والقتل من قبل الشرطة وقوات الدعم السريع والأمن ضد الناشطين والمتظاهرين ، وعدم محاسبة من يفعل ذلك من القوات النظامية.
جميع مخابرات الدول موجودة الآن في الخرطوم لحماية مصالحها ، ولا سيما وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبريطانية والإماراتية والتركية والقطرية والمصرية وجميع دول الجوار وبما يتبع ذلك من انتهاك السيادة والأمن القومي.
يوجد الآن ثلاثة مراكز لصنع القرار في الخرطوم:
- المركز الأقوى بقيادة البرهان والجيوش في مجلس السيادة ، وهذا المكون يضع يده على 80% من الموارد المالية للدولة خارج ولاية وزارة المالية ويسيطر على بنك السودان وبنك ام درمان الوطني ومعظم حصيلة الصادر وهو مدعوم بالكامل من دول المحور وهي الإمارات ومصر والسعودية ، بموافقة أمريكا ومافيا الفساد والآن تدخل على الخط إسرائيل .
- المعسكر الثاني في ترتيب الصلاحيات في اتخاذ القرار هو "قوات الدعم السريع" بقيادة حميدتي ، ولها طموحات كبيرة في الحكم وتمارس دون وجه حق الإعتقال والاستجواب وبل والعنف المفضي إلى القتل وهي في تطور مستمر من الناحية التدريبية والعدة والعتاد ولكنها تفتقد إلى العقيدة العسكرية القومية، كما تستحوذ على موارد اقتصادية كبيرة ، وعلى رأسها تصدير الذهب والثروة الحيوانية واللحوم والخضروات وتتحكم في معاش الناس ولها قوات تقاتل في اليمن منذ عهد الرئيس المخلوع وارتبطت بدول المحور في حربها في اليمن.
- في نهاية القائمة تأتي حكومة حمدوك التي تضع نفسها بمحض إرادتها في ظروف صعبة للغاية ورغم ما حظيت به من دعم شعبي غير مسبوق (شيك على بياض) ، إلا أنه يتحتم عليها أن تراجع أدائها بما يتسق مع أهداف وشعارات الثورة (حرية سلام وعدالة والثورة (التغيير) خيار الشعب )، وذلك بتصحيح مسارها وامتلاك القرار التنفيذي السياسي والاقتصادي والأمني كما ينبغي لحكومة ثورة شهد لها العالم باجمعه بالعظمة إلا أنها لم تحرك ساكناً وأتضح أن رئيس وزرائها إبن بيئته السياسية والإقتصادية والاجتماعية بحيث أنه يرفض أن يختلف عن سلوك وفهم الأحزاب السياسية السودانية، فهم مثل أشباههم من آل البوربون في فرنسا ، فرغم درس الإنقاذ القاسي للحركة السياسية السودانية وإذلالها واذلال الشعب لمدة ثلاثين عام لم ينسوا شيئاً ولم يتعلموا شيئاً ، لم ينسوا ممارساتهم السيئة في فترة الديمقراطية الثالثة ولم يتعلموا من دروس الثورة فعادت حليمة لعادتها القديمة ويبدو أنهم يحتاجون أن تعيد عليهم الجماهير درس الثورة !!!! وللذين ينتظرون البعثة الأممية لتصنع من الفسيخ شربات ، لا أعتقد أن البعثة الأممية يمكن أن تكون فزاعة تساعد حكومة الفترة الإنتقالية ورئيسها الماثل أمامنا ( الذي ترك الجمل بما حمل لجوقة المستشارين) ، لا أعتقد وهكذا بالمجان ومن تلقاء نفسها ، أن تقوم البعثة الأممية بتحقيق مستحقات الفترة الإنتقالية المتمثلة في صياغة الدستور وإجراء انتخابات ديمقراطية واستعدال إتفاقية السلام البائرة المعوجة الناقصة والتي غابت عن التوقيع عليها أهم حركتين من حركات الكفاح المسلح تمتلكان قوة على الأرض وحواضن شعبية مؤثرة وهما حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نو والحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو.
الآن حكومة حمدوك إستقبلت مقدمة بعثة الأمم المتحدة وتم تعيين رئيس البعثة على أمل أن تكون كرت يساهم في تغيير الظروف الصعبة التي صنعها شركاء الفترة الانتقالية من الشق المدني ، وتكتسب حكومة حمدوك زخمًا جديدًا ، بقيام البعثة الأممية بمناطحة الشق العسكري لمجلس السيادة بالإنابة عنهم وتسلمهم مهام الأمن والدفاع وتحل جميع المليشيات بما فيها الدعم السريع وتسلم وزارة المالية الشركات والمؤسسات الإقتصادية التي تسيطر عليها القوات المسلحة والدعم السريع والأمن وتتم حماية الفترة الانتقالية بشكل أفضل ، وتشكل لجنة الدستور وتقيم المؤتمر الدستوري باشرافها وتصيغ قانون الإنتخابات وتشرف عليها وتسلم البلد حكومة ديمقراطية منتخبة.
إذا كانت هذه خطة حكومة حمدوك وأمله وأحلامه من بعثة الأمم المتحدة فيجب أن نصحوا من نومنا ونؤكد أن البعثة الأممية لا تعمل بالإنابة عن حكومة الفترة الإنتقالية ، هذه البعثة تتطلب أول ما تتطلب توفر الإرادة السياسية لدى الحكومة السودانية، وبكل القوة والجدّية الكاملة، والانضباط وفق برنامج عمل محدد لإنجاز المهام الرئيسية (حكومة مالية قاشها وكارباهو) .
وفي كل تجارب البعثات الأممية في مناطق الأزمات والحروب الأهلية ، كان حل المليشيات وإدماجها في المجتمع وتوظيف أفرادها لأجل التنمية وهو الخطوة الأولى، تم ذلك في سيراليون وليبيريا وغيرها بنجاح نسبي لظروف وطبيعة الأزمات في تلك المناطق وفشل فشلا ذريعا في مناطق مثل جنوب السودان والكنغو واريتريا .
الواقع أن إتفاقية سلام السودان الموقعة بين الجبهة الثورية وحكومة السودان ستكون هي العقبة الكؤود أمام البعثة الأممية لدعم الفترة الإنتقالية في السودان لأن إتفاقية جوبا منحت الحركات المسلحة الحق في الإحتفاظ بمليشياتها لمدة أربعة سنوات لحراسة الفترة الإنتقالية كما أن مليشيات الدعم السريع ذات التاريخ المعروف والمسئولة عن كثير من الفظائع والقتل والسحل والحرق في دارفور أصبحت الآن قوات رسمية موازية للجيش السوداني وبها ما بها من مستوطنين جدد وما زرعوه على الأرض من ألغام بانتزاعهم لملكية الأراضي الخاصة بالقبائل غير العربية وكل ذلك محمي بموجب حصانة دستورية منحتها لها إتفاقية جوبا للسلام التي تعلو على الوثيقة الدستورية ، وهناك أيضا خارج الإتفاقية قوات حركة جيش تحرير السودان (عبدالواحد) وقوات الحركة الشعبية شمال (الحلو) ولا يدري أحد بحصيلة التفاوض أو عدم التفاوض معهم.
إذن طبيعة المشاكل في السودان معقدة جدا ولها إمتداداتها الخارجية ولها إرتباطات بمحاور دولية كما أن إتفاقية جوبا أعطت العساكر في مجلس السيادة والدعم السريع ومنسوبي الحركات المسلحة الحق في الترشح للانتخابات بعد الفترة الإنتقالية عقب خلع البزة العسكرية.
تبقى التقديرات لمردود استدعاء البعثة الأممية أن رئيس مجلس الوزراء د. حمدوك يضع مصيره ومصير مستحقات الفترة الإنتقالية في كف عفريت البعثة الأممية التي يبدو أنه يمني النفس بها كثيراً.
مصيبتنا أن القوى السياسية السودانية بادئ ي بدء تعاني من متلازمة فقدان التربية الديمقراطية في مؤسساتها الحزبية كما تفتقد أيضا إلى الوحدة الفكرية والشفافية والإدارة الراشدة ، ومعظمها يتمتع بحواضن خارجية تمثلت في دول المحور الخليجي المصري وتدخله السافر في الشأن الداخلى منذ سقوط النظام البائد. كما أن الخطاب السياسي المتبادل بينها تناحري ولا تقبل الآخر وتتآمر على بعضها وتفتقد الرؤى والبرامج الاستراتيجية وتعتمد على رزق اليوم باليوم وكثيرا ما تسبقها الأحداث ذلك أنها ضعيفة في أستشعارها الحدث قبل وقوعه كما أن معظمها تتشابه في أنها لا تنفك تستند إلى قواعد تسيطر عليها الأسر والعشائر والقبائل والجهوية والطوائف الدينية بعيدا عن نقاط الإلتقاء الإجتماعي الحديثة المتحررة من هذه القواعد ومن الواضح أن الكثير منها ، رغم إلتحاقهم بزخم الثورة إلا أن شعارات الثورة حين تحولت لمستحقات في الفترة الإنتقالية تعارضت مع برامج وأفكار وطقوس وقيم هذه الأحزاب والآن تتواتر محاولات إختطاف الثورة كما هو بادئ للعيان.
لجان المقاومة
الشعب السوداني بإزاء مخاض ثورة سياسية، تريد استعادة الدولة والسيادة للشعب، وتأكيد حقوق المواطنة: الحرية والسلام والعدالة والحق في الديمقراطية. أي: إننا إزاء مشروع تتموضع فيه مجمل مكونات الشعب السوداني في إطار هذه الثورة، بهذه الدرجة أو تلك، وتبعًا لعوامل أخرى، بحكم مصالحها، يُستثنى من ذلك الكيزان، وقوى الراسمالية الطفيلية، وواضح أن ذلك في ملخصه يعني باستحضار المشروع الوطني، وفي هذه اللحظة تبرز لجان المقاومة ، كقائدة وحامية وهي كما نرى قوى لا تقتصر على فئات أو مكونات بعينها بل تشمل الشعب السوداني بكل مكوناته من حيث المصلحة الموضوعية .وهي قوى تحرص على حق الشعب في الحياة الحرة الكريمة مثله ومثل شعوب الأرض، وتأخذ في حسبانها هدف العدالة الإجتماعية على رأس أجندتها لتعزيز الثقة بالمستقبل المشترك لكل الشعوب السودانية .
إزاء ذلك ، تتعرض لجان المقاومة لضغوط عنيفة وصعبة تتمثل في الضغوط النفسية والإحباط الكبير والإحساس بالضياع وفقدان الأمل الذي يتزايد كل يوم في قدرة حكومة الفترة الإنتقالية في الإقتصاص لرفاقهم الذين استشهدوا في سبيل إسقاط نظام الإنقاذ وشهداء فض الإعتصام وإحساسهم بالغبن على تجاهلهم في إتاحة الفرصة للكوادر الشبابية ذات الكفاءة العالية والتي شاركت في الإعتصام وقادت الثورة وصاغت شعاراتها، ورغم ذلك تجاهلتهم قوى الحرية والتغيير ورئيس الوزراء في حكومة الفترة الإنتقالية، إضافة للفشل المتواصل والبائن لوزراء الحكومة الإنتقالية، والوضع الاقتصادي المتدني والمتدهور وانسداد الأفق أمام الشباب، يضاف إلى كل ذلك الإستهداف المباشر وإنتقاء الناشطين من قبل الأجهزة الأمنية والفلول بالإعتقال والإختفاء القسري والتعذيب والقتل، دون أن يجد ذلك أدنى إلتفاتة من حكومة الفترة الإنتقالية بالمحاسبة والعقاب .
صحيح أن لجان المقاومة تسيطر على الشارع السياسي لثورة ديسمبر المجيدة ولها القدرة الفائقة على حشد الشارع الذي لم تغادره شعارات الثورة إلا أنها تحتاج أن تصبح أكثر تنظيما وأن يكون لها هيكل قيادي وأن تحمي صفوفها من الإختراقات والإنقسامات وهي تبتعد كل يوم عن شكراً حمدوك وتتخندق بشعارات الثورة ومستحقات الفترة الإنتقالية التي تشكل آمالها في سودان حر ديمقراطي ، حوجة لجان المقاومة لتنظيم نفسها هو حائط الصد الأخير للردة وإفشال محاولات قوى الثورة المضادة لإجهاضها.
هذا هو الوضع العام الآن في السودان ، إصطفافات وإستقطابات حادة في اوساط الحراك السياسي، وإرهاصات بمردودات سلبية إذا ظل الأمر على ما هو عليه، من تنامي الابتعاد عن مستحقات الفترة الانتقالية المستوحاة من شعارات الثورة الأساسية ، (حرية ، سلام وعدالة والثورة خيار الشعب)، وبدأت قوى الردة في الحصول على مكاسب على المستوى الرسمي كعنصر جديدا يضاف إلى تنامي الإحباط العام ولا مبالاة الكومة والقوى السياسية وإنشغالها بالمحاصصات والمكاسب القوتية المجانية وخدمة الأجندة الخاصة، متناسين أن قدرة الجماهير على مد حبال الصبر إلى ما لا نهاية يخالف طبيعة الأشياء، وبالتالي يصبح أمام اصحاب المصلحة الحقيقيين من جني ثمار الثورة أن يفعلوا شيئاً ما إذا شاؤوا أن يواصلوا الحياة.
Anwar_yousif@yahoo.com