تصريحات مدير قوات الشرطة السودانية الفريق عيسي آدم التي حملت تلميح حول عودة قوانين النظام العام جاء في توقيت كشف عن حالة الإرتباك التي تعتري العلاقة بين الأجهزة التنفيذية في الدولة خلال الفترة الإنتقالية ، خلفية قوانين النظام العام تشير إلى أنه بدأ إجازة أول قانون في العام ١٩٩٥ في ولاية البحر الأحمر شرقي السودان ثم تم تعميم التجربة لتشمل بقية الولايات السودانية لتكون ولاية الخرطوم التالية في ١٩٩٦، طبيعة ما عرف بقوانين النظام العام ظلت تمثل إنتقائية تتعارض فلسفياً مع فكرة وطبيعة القوانين و مفهومي العقاب والإصلاح بل بتفريغ لفكرة النظام العام من مفهومها وسياقها القانوني فقهياً ، فهي مزج من نصوص من القانون الجنائي السوداني ١٩٩١ أضيفت إليها أوامر محلية أجازتها المجالس التشريعية الولائية التي مثل قوامها أعضاء في الحركة الإسلامية وأجنحتها السياسية ، تم التخطيط لها لتمثل حزم لإحداث حالة من القهر الممنهج بهدف السيطرة السياسية والأيدلوجية على الفضاء العام وتضييق ممارسة الحقوق فيه عبر فرض أنساق مسبقة من السلوك تتسق وفلسفة الإسلام السياسي ، تم التخطيط للتنفيذ ليأتي بالمخالفة لتطبيق القانون بشكله الطبيعي عبر المحاكمات الإيجازية مع التركيز على العقوبات الجسدية والمالية التي تدور خارج ولاية النظام القضائي في صيغة لتمويل نشاط من أموال الضحايا و الناجين ( الغرامات المالية ) ، من القرارات التي صدرت بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨ إلغاء قوانين النظام العام التي وجدت ترحيباً كبيراً من الشارع السوداني ، تصريح مدير الشرطة جاء بعد إعلان مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة أمام الدورة ٤٦ لمجلس حقوق الإنسان ، موافقة السودان على الإنضمام لإتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من العقوبات القاسية مما يضع ما صدر يرتقي إلى رغبة إنتهاك الإلتزام الصادر هو أمر له تبعياته القانونية و السياسية المرتبطة أيضاً برغبة قد تفسر بمخالفة قانون التحول الديمقراطي أما داخلياً ورغم بيان الشرطة حول التصريح إلا أنه يعيد الكشف عن الحوجة لخطة تأهيل قوات الشرطة لكي تساهم في القيام بتفويضها بعيداً عن الأيدلوجيا المرتبطة بالنظام السابق ، و وفقاً لقواعد المهنية ، فالشرطة بتصريح مديرها وضعت نفسها في وضع المشرع و ليس المنفذ للقانون مما يدعو إلى التفكير في مسألة الإستقلالية والمهنية أو الحد الفاصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية .
الإعفاء و إعادة التعيين لقيادة زمام قوات الشرطة ليس بالحل بل يكمن في خطة شاملة و واضحة بما يضمن رفع المستوى المهني إلى مصاف الإحترافية فيما يظل صمام الأمان في تشكيل المجالس التشريعية .
شارك هذا الموضوع: