حكومة متعددة الولاءات ومسؤولون يعانون من انفصام الشخصية

حيدر ابراهيم علي - 26-05-2021

يزداد
المشهد السياسي السوداني كل يوم سريالية ويتعصي على العقل السليم
إدراك أقواله وأفعاله. رغم أن المرحلة الحالية تحتاج لقدر كبير من العقلانية والرؤية الواضحة

ومن
البدء نقول أن أي حكومة تقوم على المحاصصة والترضيات
والمساومات الحزبية الضيقة هي عرضة بالضرورة والحتم للتشرذم والولاءات المتعددة والمتنافر. ووزراء المحاصصة لا يدينون بالولاء لرئيس الوزراء الذي يعملون معه لأنهم على قناعة بأن حزبهم هو الذي عينهم وليس رئيس الوزراء. لذلك يعملون في الحكومة حسب مصالح الحزب وأفكاره.
ونحن هنا أمام حكومة الطوائف والأزلام. ولكم في لبنان عبرة لمن يتفكرون.

ففي
الفترة الأخيرة أجازت حكومة د.عبد الله حمدوك بكامل أعضائها عدداً من القرارات الهامة والمصيرية. وكان من بين القرارات إلغائ قانون مقاطعة اسرائيل وبالتالي شرعنة التطبيع. وأعلن القرا رسمياً إلا أن وزراء حزب الأمة القومي وحزب البعث لبعربي، إنهما ضد التطبيع يصوتا
مع القانون-حسب التصريحات الإعلامية- ولكن المنطق السياسي إن وجد والأخلاق والمبادئ تجعلنا نتساءل لماذا تستمر أحزاب ضد التطبيع في حكومة قررت الصلح مع الكيان الصهيون، وبالتأكيد ستكون هناك قرارات وسياسات تؤكد التطبيع ورغم ذلك يستمر الحزبان في المشاركة بسبب الحصص
الحزبية ولتذهب المبادئ والبرامج الحزبية
إلى الجحيم.

وينطبق
نفس الرأي على المسؤولين الذين شاركوا في الموافقة داخل مجلس الوزراء على اتفاقية "سيداو"
ثم خرج وزير المالية جبريل إبراهيم ونائب رئيس مجلس السيادة "حميدتي"
ليعلنا في خلاوي بريف الخرطوم بأنهم لن يسمحا بالقوانين التي تهدم الدين والعقيدة. لماذا لم يدافعا عن عقيدتهم ودينهم في مجلس الوزراء ثم التقدم بالاستقالة من حكومة تعمل على هدم الدين هذه النغمة التي تتردد في الفضاء العام بمجانية وعدم مسئولية عن
الأقوال. وصرح حميدتي بأنه سيكون أول المجاهدين لحماية الدين من توغل الحكومة
الذي يمثل داخلها عنصرا مؤثرا.

هذه
هي الولاءات المتعددة أم انفصام الشخصية فنحن نرعى نفس الشخص الذي ساهم في تمرير القرار داخل مجلس الوزراء يعلن عن موقف مناقض تماماً وبعد يوم واحد في خلاوي أم ضبان.

من
خلال متابعة الحملة ضد لجنة إزالة التمكين والعمل على إفشالها وإفلات الفاسدين من العقاب والادانة. وتقوم بهذا العمل جوقة
لا ندري هل هي مع الثورة أم طابور خامس زرعه الفلول في مفاصل الحكومة الانتقالية. ومن أعمدة المشهد السريالي ظاهرة نبيل
أديب الذي يطل يومياً بصورة ثابتة من وسائل الإعلام ولا يعطي معلومات جديدة عن تطور عمل اللجنة
التي ينتظر الشعب نتائحها على فارغ الصبر. ولكن يقدم فتاوي مجانية في قضايا لم يطلب منه أحد أن يقدمها. قبل أيام صرح نبيل بأن إجرارات لجنة التمكين غير قانونية.وهذا حديث ضمن جوقة
إفشال وتعطيل لجنة الإزالة- سعيه مشكور! وبالأمس كان المانشيت في صحيفة التغيير الإلكترونية يقول: مسئول عدلي
يفسر استقالة النائب العام بسبب تدخلات لجنة إزالة التمكين ويعقد مقارنة واضحة الخبث بين
استقالة بابكر عوض الله عام 1965 واستقالة الحبر، رغم عدم وجود أي وجه للمقارنة بين الحدثين ولكن يبدو أن المسئول العدلي"حريف في تزييف الوعي".ومن البداية لماذا الترويج لمثل هذه الخزعبلات من خلال -شبح- لم يذكر اسمه ولا صفته الحقيقية. وكيف تروج الصحيفة لمثل هذا التصريحات
دون أن تطلب منه ذكر اسمه ووصفه لكي نناقش انسانا حقيقيا. وكيف رضي المسئول نفسه ان بنمصى
بمثل هذه الطريقة وهو مسئول وعدلي ؟ ولكي يبدو أنه محكوم علينا أن نعاني من أخلاقيات الافندية
الهابطة.

ومن
عجائب الطابور الخامس وإظهار تناقض وفشل الحكومة الانتقالية. قررت اللجنة الغنية للصحة تعليق الدراسة في الجامعات والمعاهد. وبعد أقل من 24 ساعة صرحت وزير التربية المكلفة بأن الامتحانات قائمة في مواعيدها المعلنة سابقاً متحدية القرار الصحي والسؤال:
ألم تكن الوزيرة حاضرة اجتماع اتخاذ القرار ولماذا لم تتجه إلى القنوات الرسمية حسب قواعد المؤسسات. ومن باريس جاء خبر اجتماع وزير المالية مع المسئول الأثيوبي خلافاً لتعليمات وزارة الخارجية السودانية كاشفاً عن خلاف بين الوزارتين.

هذه
هي صورة سريعة للحكومة متعددة الولاءات ولانفصام الشخصية لوزير واحد يوافق على قرار في مجلس الوزراء ثم يصرح نفس الوزير في خلاوي ريف الخرطوم بمعارضة قراره بل ومقاومته والجهاد لابطاله.

--
حيدر ابراهيم علي
مدير مركز الدراسات السودانية
www.ssc-sudan.org



الكاتب: حيدر ابراهيم علي

حيدر إبراهيم علي مفكر وكاتب وعالم اجتماع سوداني تخصص في علم الاجتماع الديني وأفرد جزءاً كبيراً من مشروعه الفكري لنقد الإسلام السياسي. اشتغل كذلك على فكرة التنوير والتحرير. ولد في 11/5/1943 بالقرير. في عام 1992 اسس دكتور حيدر إبراهيم على مركز الدراسات السودانية بالقاهرة. كتب دكتور حيدر إبراهيم على العديد من الكتب و المقالات و منعت السلطات السودانية معظم مقالاته الناقدة لهم كما منعت بعض من كتبه من التداول في السودان كان ما ابرزها: أزمنة الريح و القلق والحرية، سيرة ذاتية، سقوط المشروع الحضاري، أزمة الإسلام السياسي، الجبهة القومية في السودان نموذجاً، الامنوقراطية وتجدد الإستبداد في السودان، كتاب مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب السلطة وخسارة الدين...