للمفارقة
تزامن قتل المتظاهرين السلميين في الذكرى الثانية لفض مع القتل الجماعي للمتظاهرين السلميين في القدس وغزة من قبل الصهاينة اليهود في الأرض المحتلة. الصهيونية ليست مجرد أيديولوجيا ولكنها أيضا سلوك وحالة نفسية تغذيها السادية والتعصب. لذا يمكن أن يكون هناك صهاينة
سودانيين حين يظهر من بيننا من يمارس القتل المجاني. ويمارس حقده من خلال سلاحه الذي كان يفترض أن يكون لحماية الوطن والحرية والمستضعفين.
تعرف
الدولة بأنها الكيان المجتمعي الوحيد الذي له شرعية استخدام العنف في المجتمع لذلك فوجود أي كيانات أخرى تنافسها في استخدام العنف يعني نقصان شرعية الدولة او حتى عدم شرعيتها.
وين
تحاول القوات المسلحة السودانية تبرئة نفسها بأن منسوبيها لم يستخدموا الرضاض الحي الذي قتل الشهيدين
في ساحة القيادة، فهي تدين نفسها، لماذا لم تستطع
احتكار العنف شرعيا هناك تقصير، لأنه من حقنا أن نسأل أين هي الإجراءات الوقائية ؟وما هو دور المخابرات العسكرية الاستباقي في كشف أي مخططات تعمل على إفساد المظاهرات في ذلك اليوم.
لقد
أبعدت القوات المسلحة عن الفعل المباشر ولكنها أكت التقصير ولا اريد القول : تواطؤ بعض عناصرها واتفاقها مع المعتدين بطرق كان يجب أن تكشفها العناصر الوطنية داخل الجيش.
تتطلب
مجزرة 29 رمضان الاخيرة ضرورة مراجعة تركيبة القوات المسلحة لا يظل نقد المؤسسة العسكرية من المحرمات في نظام ديمقراطي حقيقي. وقبل كل شيء لابد من اعادة النظر فيما يسمى الشراكة. لأن أي شراكة تقوم على الاتفاق والتراضي واحترام الشريك والتعامل كأنداد وألا نعتبر وجود
السلاح في يد طرف ما هو مصدر قوة وامتياز. لأن الطرف الآخر يملك قوة معنوية هي الجماهير الاقوى من كل سلاح كما تبرهن لنا يوميا الانتفاضة الشعبية في غزة والقدس والضفة الغربية.
أكرر
أن المؤسسة العسكرية السودانية لديها خياران لا ثالث لهما، الأول أن تكون فصيلا ضمن القوى الديموقراطية الحديثة مثل سائر المهنيين الأطباء والمعلمين والمهندسين.والخيار الثاني أن تكون فوق الجميع وأن تكون مهددا دائما للديمقراطية والنظم المدنية
المنتخبة. وألا تتوهم أن القوة المادية يمكن أن تحسم الأمور دائما وأن تسير الأمور كما تريد.
تذكرني
بعض ممارسات عناصر منفلتة داخل الجيش بقصص الفتوات بالعاصمة في العقود الماضية. فقد كانوا يهاجمون بيوت الأفراح ويفرتكوا الاحتفال. وعندما يدخلون الحوش يقولون: الافندية والنسوان يقفوا في الجهة دي والباقي أي الراغبون في المقاومة والشجار يتقدموا.
أتخيل
بعض الضباط في هذا الوضع الانتقالي بتصريحاتهم وتصرفاتهم كأنهم يقولون: المكون المدني والمتخاذلين يقفوا على جنب وبقية القوى تقف معنا. وقد استمعت لشريط فيديو لعضو من الحركات المسلحة وهو يعبر تماما عما تخيلته فهو يهدد أي شخص ينوي التظاهر "بالحش والبل"ويذكرهم أن
المسلحين رسميا أو جبهويا قد جربوا هذا الفعل في فض الاعتصام وهم جاهزون لتكرار التجربة.
أخيرا
لابد لأي وطني غيور أن يعمل على حل هذه الثنائية: المدنية/العسكرية وأن يحل هذا التناقض بتأسيس شراكة ديمقراطية تؤمن بمشروع وطني سوداني حديث يعل للمستقبل ويدفن كل المرارات والعنجهية والعنصرية التي أضرت بالوطن منذ الاستقلال.
حيدر ابراهيم علي
مدير مركز الدراسات السودانية
www.ssc-sudan.org
شارك هذا الموضوع: