في البدء لابد من شكر الأستاذ أحمد كمال الدين على مقاله الذي عنونه ، بتفكيك مقولة ( الفصل بين الدين والدولة ) للكشف عما وراء هذه العبارة من دواهي ، و الذي نشر بتاريخ 5 أبريل 2021 بصحيفة سودانايل .
وكذلك إزجاء التقدير للحركة الشعبية لتحرير السودان / قيادة القائد عبدالعزيز آدم الحلو على الجهد الذي من أحد مخرجاته الدفع بمسألة فصل الدين عن الدولة إلى منصة الأجندة المرتبطة بإعادة تأسيس الدولة السودانية فهاهو قد أثمر نظريا بأن دفع بتناول العلمانية إلى رصيف الحوار الآمن بعيداً عن ذاكرة التكفير وقاموس العنف .
أولاً : بالعودة إلى موضوع المقال من حيث المنهج فقد إعتمد الأستاذ أحمد علي المنهج التاريخي في تناوله للعلمانية و إستند عليه في التعريف اللغوي ، لكن ذلك بالضرورة يتطلب أيضا إستصحاب السياق التاريخي المرتبط بتبلور المصطلح ، دون الإسهاب أعني العلاقة بين الكنيسة والسلطة والتي قادت إلي سيطرة الكنيسة علي مفاصل الدولة عبر إحكام قبضتها علي السلطة ، و ما آل إليه الحال في سياق المحصلة التي إنتهت إلي الترويج لصكوك الغفران ، تلك الخلفية تكشف أن العلمانية في سياق نشوئها التاريخية إرتبطت بالفصل بين علاقة الإستغلال المقرونة بسلطة
دينية و الذي كانت تمثله الكنيسة كطرف و السلطة ، مما يجعلنا بشكل مبدئي نشير إلي أن إحداثيات المعادلة يمثلها مثلث( الدين ، الإستغلال والسلطة ).
ثانياً : ربطا بالسياق فإن الدولة وفقا للفقه الدستوري تتحقق بتوافر الأرض و الشعب و الدستور ، اما إدارتها فهي تتحقق بالسلطة وفقا لنظرية العقد الإجتماعي ،
أما الحكم الراشد فيها بشكل نظري يتحقق بالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية و القضائية بالسلطة الحاكمة مما يعني أنه في السياق الطبيعي يجدر الأ تقرن طبيعة الدولة بالأديان .
ثالثاً : عرف الأستاذ / أحمد كمال الدين ثم قام باختيار الإسلام ليبني عليه رؤيته التي حملها المقال ، في تقديري أنه في تناول العلمانية لا تشكل هوية الدين / الأديان تغيير في النتائج ، فتحقق العلمانية رهينة بطبيعة تحقق عدم إستغلال بين أضلاع العلاقة الثلاثية التي أشرت إليها عاليه .
رابعاً : ذكر الأستاذ / أحمد أن الإسلام يعتبر الدين الأهم ، موضوعيا يصعب إيجاد سند لذلك ، حتي أن حاولنا تأسيس القياس علي مفهومي الأغلبية و الأقلية ، فلا يوجد ما يعطي الحق التمييزي لعدة أسباب هي أن الأغلبية لا يحق لها توظيف الدين مثلا للسيطرة علي السلطة لأنه يتعارض مع مفهوم الحكم الراشد الذي تخضع العلاقة. فيه لمفهوم التمتع بالحقوق السياسية و الاقتصادية و الثقافية والمدنية ، أما الاهمية التي يقابل بها الأغلبية فأن المضي فيها سيمس فكرة المواطنة ، بتصغير الصورة سنجد التمييز يجعل الحال يقترب من النسق الذي قاد إلى تديين الحرب الأهلية بين الخرطوم و الحركة الشعبية لتحرير السودان آنذاك إلى حرب جهادية بمفهومها الإسلامي مما أعاد فكرة صكوك الغفران عبر ظاهرة " عرس الشهيد " في رمزيتها في تجربة الإسلام السياسي او بشكل ادق الإسلاميين السودانيين .
خامساً : . القول بأهمية دين على آخر يعبر عن النظر من زاوية نظر كل لدينه او معتقده بل هنالك من لا يري في الأديان ما ذهب إليه ، مما يجعل الركون إلي ذلك يعيد ذاكرة التمييز و هي فكرة لا تقرها الأديان الإ في سياق التحريض الإيجابي بعيدا عن أرومة العصبيات التي تحفز لتلتصق بأفعال إختيارية .
سادسا : بالنظر الي علاقة التاريخ السياسي السوداني لما بعد الإستقلال سنقف علي إتساع نطاق الهدر الإنساني للمجتمعات والأفراد بشكل واسع ولا سيما خلال الفترات التي شهدت فيها محاولات تديين الدولة علي نسق إستغلال السلطة فهاهو الواقع يعيد تصحيح أسباب ذلك عبر المصادقة علي اتفاقيات دولية تمنع التمييز العنصري و التعذيب و المعاملة القاسية والحاطة للكرامة أضف الي ذلك إلغاء قوانيين النظام العام و إلى إلغاء حد الردة الذي نص عليه في القانون السوداني ( 1991- 2020) ، و لعل لابد من التذكير ان من ظل يخضع لهذه القوانيين اذا نظرنا اليهم بمعيار تمييزي مستند من الدين نجدهم تحت مجموعة الأغلبية ، وهنا يجب أن نمضي أن الأهمية تعني التمييز على أساس الدين ، السؤال ما الذي سيعود نفعاً من ذلك في واقع متعدد الأصول و الثقافات ، بالضرورة ليس هنالك ، بل أن الأساس هو أن المحمولات المختلفة في واقع متعدد أن تعيش في إحترام و سلام لأن هذا هو جوهر الأديان او كريم المعتقدات .
سابعا: إخضاع الأمر للأجهزة التشريعية لتقرر في مسألة العلمانية إن قصد بها أن يتم الإعتماد على مبدأ الأغلبية الدينية مقروءة مع تأسيس الأستاذ أحمد له بأقرانه بالأهمية بناء علي ذلك بالتالي سيكونون الأغلبية المسلمة في الأجهزة التشريعية بعد الفترة الإنتقالية و هو ما يضمن نظرياً في نظر الكاتب عدم إجازة مبدأ فصل الدين عن الدولة فهو إفتراض نظري لا جدوى منه بل فيه إشارة إلى أن تعريف العلمانية قصد به النقيض للإسلام ، بل إن إستندنا علي ذات مبدئي ( الأغلبية و الأهمية ) فهو ذات الحال قبل العام 1983 و قبل العام 1989 و هم غالب القوة التي شكلت عضم التغيير و رفعت شعار المدنية و تساند تعديل قانون الأحوال الشخصية و المصادقة على سيداو ، لأنهم ببساطة فصلوا بين سلطة المسجد و الدولة فالأغلبية الدينية لا علاقة لها بالتقرير في طبيعة الدولة لأنه أمر يخضع للفقه الدستوري و ليس الفقه الديني .
ثامناً : الربط بين السلوك والدين لم أجد ما يسنده فقواعد الأخلاق هي الضابط للسلوك ، فالمتدين و غيره قد يخالف قواعد السلوك فيوصف الفعل بالمستهجن حينما يخالف قواعد الأخلاق لأنه يقع تحت تفويض فكرة النظام العام بفهمها القانوني وليس بنسختها الكيزانية لأنها وفقا للفقه القانوني قاضيها هو ضمير المجتمعات وعقوبتها في احدي صورها الإستهجان في سياق نسبيتها المرتبطة بالزمان والمكان لذا فإن إقترانها بالدين يعيدنا لفكرة القدسية أو ربما قصد الأستاذ / أحمد ربطها بجرائم الحدود المختلف حولها فقهيا بشكل واسع لامجال للخوض فيه .
.
تاسعاً : الجدل المرتبط
بمحنة تديين الدولة ظل يمثل محنة في دولة ما بعد الإستقلال بدءاً من العام ١٩٦٨ عندما حاولت إحدى المحاكم بشرق السودان محاكمة زعيم الجمهوريين محمود محمد طه بتهمة الردة لكن لأن الأمر لم يسند بقوانين لذا لم يكن يشكل خطراً على العلاقة بين الدين والسلطة كما بدأ في العام ١٩٨٣ قوانين سبتمبر ثم محاولات تعميد للسودان كدولة إسلامية و اسباب ذلك " شئ في نفس يعقوب " تم التجربة السالبة في مرحلتها الثانية ١٩٩١ و ما بعدها فقد ساهم في ذلك سيطرة الإسلاميين على السلطة ففعلوا ما سند بقاءهم سياسياً حتي اختلط الحابل بالنابل للدرجة التي تعددت مراتب الدين فصار المسلمين القرآنيون مرتدون وفقا لمنهج السلطة و تعمق ممارسة التمييز فإنتهي الحال بالدولة جنوبا و شمالا بينهما حدود دولية و مبدأ للسيادة.
أخيرا : في تقديري أن الحركة الشعبية لتحرير السودان / قيادة القائد عبدالعزيز الحلو بتقديمها مسالة فصل الدين عن الدولة علي فكرة تقرير المصير بها من الإيجابية و التفكير الخلاق الذي كشف عن قراءة موضوعية للراهن السياسي فالذي جعل بند تقرير المصير يلتصق بإتفاق السلام الشامل 2005 في تقديري سببه سيطرة الإسلاميين السودانيين آنذاك علي مفاصل السلطة و هي الصورة المغايرة الان فبالأماكن التأسيس لسودان علماني يسع الجميع .
شارك هذا الموضوع: