بشكل أولي ودون تعمق في تفاصيل بيان الفريق أول عبدالفتاح البرهان المذاع مساء اليوم 4 يوليو 2022م نجد أن هذا البيان يحتمل تحليلات عديدة وتفسيرات متباينة ولذلك سأحاول في السطور القادمة التعليق على بعض مما ورد في هذا البيان.
دون الخوض في تفسيرات عديدة فإن البيان ونصوصه تشيير للعديد من الملاحظات ونجده في الفقرة أولاً يفهم من سياقه إنهاء الشراكة السياسية التي تأسست بين المدنيين والعسكرين بموجب الوثيقة الدستورية لسنة 2019م ومن ثم إرجاع الجيش للثكنات وإقتصار دوره ومهامه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة. في ذات السياق نجد أن هذه الجزئية تحتاج لضبط وإحكام للصلاحيات والمسمي نفسه أيضاً بحيث لا يترتب عليها خلق مستوي دستوري يتمتع بصلاحيات أو (فيتو) دستوري تعيد وضعية الشراكة مرة أخرى بـ(الشباك) بعد خروجها بالباب.
وبالتالي فإن وضعية أو مسمي أو صلاحيات هذا الدور المستقبلي للجيش لا يشترط القبول بالمقترح المقدم من البرهان في ذلك البيان بإعتباره يمثل تصوره، وفي ذات السياق سيكون هذا الإطار محكوم بالقانون والتكييف القانوني لتلك الوضعية بحيث تتجنب التنازع الدستوري وتفضي لتحقيق المقصود منها بإبعاد الجيش من السياسية ومشاركته في مؤسسة تلعب دوراً إيجابياً في القضايا ذات الصلة بالأمن والدفاع مع عدم التوسع في أي صلاحيات أخرى ليست ذات صلة بالعمل الفني المرتبطة بصميم مهام القوات النظامية.
الملاحظة الثانية أن هذا البيان أنهي وضعية الوصاية على العملية السياسية المتنامية منذ إنقلاب 25 أكتوبر بتعديل وإلغاء وتفصيل بنود بالوثيقة الدستورية وتجميد وتشكيل مؤسسات حكم والتللويح بإمكانية إجراء إنتخابات من طرف واحد، وعليه فغن هذا البيان أعاد العملية السياسية برمتها للقوى السياسية.
الملاحظة الثالثة أن البيان مثل فعلياً مفاصلة وطلاق هادئ مع الأطراف السياسية التي ظلت توفر الدعم والغطاء السياسي للإنقلاب منذ أن كان فكرة وبذرة وحتى تاريخه ومن الواضح أن التصدعات التي ضربت تلك المجموعات السياسية وضعفها السياسي والجماهيري عقب مواكب 30 يونيو جعل إستمرار (العلاقة) تبعاتها أكبر على العسكريين ولذلك فالبيان فعلياً ينفض يده عنهم ورهن مستقبلهم السياسي ووجودهم في العملية السياسية بفعاليتهم.
قد يري البعض أن تلك الأطراف قد تلعب دور (المعرقل) ولكن بالنظر للجوانب الموضوعية فإن أطراف عديدة منها خاصة المرتبطة بسلام جوبا عموماً والمجموعات المرتبطة بإتفاقيات للترتيبات الأمنية لديها مصلحة حقيقية في الوصول لتفاهمات تحدث إنفراجاً سياسياً وتستكمل البنود الخاصة بسلام جوبا خاصة المرتبطة بالترتيبات الأمنية ولذلك فإن محاولات بعض الجهات عرقلة الاتفاق سيصطدم برغبة أطراف عديدة وقوى إقليمية ودولية في إنهاء حالة الإنسداد السياسي وإستعادة الإنتقال الديمقراطي.
الملاحظة الرابعة هي إقتصار المؤسسات في البيان على الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة –ومع إستصحاب الملاحظات السابقة حول صلاحيات ومسمي المجلس الأعلى- فإن البيان أغفل مؤسسات أخرى على رأسها مجلس السيادة والمجلس التشريعي الإنتقالي وغيرها التي تعد مؤسسات مكملة للبناء الدستوري والهيكلي للبلاد، وبالتالي فإن الإتفاق على وجود ووضعية هذه المؤسسات يعد ضرورياً بوصفه المكمل للبناء الدستوري والضامن للفعالية والرقابة لعمل مؤسسات الحكم المختلفة وإجازة التشريعات وتشكيل المفوضيات والمؤسسات ذات الطابع القومي وعلى رأسها مفوضية الانتخابات.
الملاحظة الخامسة والأكثر أهمية وهي التي وردت في الجزئية ثالثاً بمطالبة الشعب وخاصة الشباب بالتمسك بالسلمية والتأكيد على أن حق التعبير مكفول للجميع وإعترافه بالتضحيات التي تم تقديمها وإحترامها وتحقيق أمالهم وطموحاتهم في الإنتقال الديمقراطي والتأكيد بان القوات المسلحة لن تقف في طريق هذه الأمال.
ولعل السؤال المطروح يرتبط بأهداف الحراك الشبابي والتي نلخصها بعد إعلان البرهان نهار 25 أكتوبر لبيانه بمطالبتهم بإنهاء الإنقلاب وإعادة الجيش للثكنات وإستعادة الانتقال الديمقراطي وتكوين مؤسسات الحكم المدني.
اعتقد أن هذا الإعتراف الوراد في بيان 4 يوليو هو بمثابة إقرار بهزيمة إنقلاب 25 أكتوبر 2021م وتضحيات وصمود الشعب والشباب الذين تمكنوا من الصمود في مواجهته وبغض النظر عن التطورات المستقبلية للمشهد سواء أفضت لإهالة التراب على إنقلاب 25 أكتوبر بشكل نهائي أو حتى محاولات إعادة إنتاجه بشكل جديد وأي كانت السيناريوهات القادمة فإن الخلاصة الواضحة للعيان الان بأن إنقلاب 25 أكتوبر يقر ضمنياً أنه قد هُزم وما عاد بإمكانة الإستمرار بذات الكيفية والشكل أبعد من المسافات التي قطعها خلال الشهور الماضية وما بات قادراً على التقدم للأمام مرة أخرى !!
الملاحظة السادسة فهي أن البرهان في هذا البيان قدم تنازلات في قضايا ومواقف –وإن حوت تفسيرات متباينة- لكنها لن تحول دون منع رفع سقف المطالب بأن (يرحل) هو شخصياً والفصل ما بين شخصه من جهة وتحديد وضعية ومستقبل الجيش والقوات النظامية من جهة أخرى. وبالتالي فإن هذا الخطاب وبصيغته ومحتواه تصلح لتمهيد الطريق لخروجه هو شخصياً من المشهد وتنامي هذه الفرضية الان أكثر من أي وقت مضي، ولذلك فإن أبرز النتائج المتوقعة وبالحيثيات المشار إليها سابقاً بأن يكون شعار المرحلة القادمة (على البرهان أن يرحل الآن)! قد يتأخر هذا المطلب لساعات أو لأيام ولكنه سيتصدر المشهد في القريب العاجل وسيكون مسوغه الأول هو نصوص بيان الرابع من يوليو نفسه !!
4 يوليو 2022م
الخرطوم- السودان.
شارك هذا الموضوع: