إتجاه جديد في العولمة الاقتصادية على الطريقة الصينية: مبادرة الحزام الاقتصادي وطريق الحرير الجديد (الحلقة الثانية)

د. أنور يوسف عطا المنان - 06-05-2021

طريق الحرير عبر التاريخ

أطلق هذا الاسم على الطرق أو الطريق الذي كانت تسلكه القوافل التجارية وأيضا السفن البحرية بين الصين وأوربا والتي كانت تعمل في تجارة الحرير أضافة إلى تجارة العطور، والبخور، والتوابل، بين الصين وأوروبا و يبلغ طول الطريق أكثر من 12ألف كيلومتر . ويرجع أطلاق هذا الاسم على الطريق في أواسط القرن التاسع عشرللعالم الجيولوجي الألماني البارون فرديناند فون ريشتهوفن الذي اسماه "دي سيدينستراس" (أي طريق الحرير بالألمانية). ()،ويبدأ الطريق من المراكز التجارية في شمال الصين وينقسم إلى فرعين:
الفرع الشمالي يمر عبر شرق أوروبا والبحر الأسود، وشبه جزيرة القرم وصولاً إلى البندقية.
والفرع الجنوبي يمر عبر سوريا وصولاً إلى كل من مصر وشمال أفريقيا، أو عبر العراق وتركيا إلى البحر الأبيض المتوسط.
تعود بداية طريق الحرير إلى حكم سلالة هان في الصين قبل حوالي مئتي سنة قبل الميلاد، وقد كان لطريق الحرير دوراً كبيراً في ازدهار العديد من الحضارات القديمة، مثل: المصرية، والصينية، والرومانية، والهندية، والتقاء الثقافات، والتبادل الفكري، والثقافي، وتعلم اللغات وتقاليد البلدان التي سافروا عبرها، كما لعب دوراً كبيراً في نمو العديد من المدن الساحلية حول الموانئ المحاذية للطريق، وقد توقف كخط ملاحي للحرير مع حكم العثمانيين في القسطنطينية .
وترجع قصة اكتشاف طريق الحرير إلى العصور القديمة في القرن الثاني قبل الميلاد عندما أرسل أحد الملوك الصينيين جنرالا إلى المناطق الشمالية الغربية من الصين لإقناع القبائل هناك بالتضامن معه للقضاء على فتنة داخلية حيث استغرقت الرحلة نحو 13 عاما.وعاد الجنرال بعدها إلى العاصمة بعد رحلة أسطورية تكبد خلالها الأسر مرتين من دون تحقيق الغاية العسكرية لكنه حقق الانفتاح الاقتصادي بمعرفته تفاصيل الطرق حيث أعاد الكرة ثانية بقافلة كبيرة ضمت البضائع المختلفة وبدأت القبائل على جانبي الطريق تتبادل وتشتري وتبيع حتى نهاية حدود الصين.

الطريق التاريخي لتجارة العالم القديم:

اكتشف الصينيون صناعة الحرير حوالي سنة 3000 قبل الميلاد، وعرفوا في هذا الوقت المبكر فنوناً مبهرة لإتقان صنعته وتطريزه. وقد أذهلت هذه الصناعة الناس قديماً، فسعوا لاقتناء الحرير بشتى السبل، حتى أنهم كانوا يحصلون عليه مقابل وزنه بالأحجار الكريمة. وقبل خمسة آلاف سنة، بدأ الحرير يأخذ طريقه من الصين إلى أرجاء العالم. ليس الحرير وحده بالطبع، وإنما انسربت معه بضائع كثيرة، مالبث انتقالها من الصين وأقاصي آسيا، إلى أواسط آسيا وشمال أفريقيا ووسط أوروبا؛ أن اتخذ مسارات محددة، عرفت منذ الزمن القديم باسم طريق الحرير. في واقع الأمر، فإن طريق الحرير لم يكن طريقاً واحداً، وإنما شبكة من الطرق الفرعية التي تصب في طرق أكبر أو بالأحرى في طريقين كبيرين، أحدهما شمالي (صيفي) والآخر شتوي كانوا يسلكونه في زمن الشتاء. والذي يجمع بين هذه السبل والمسارات جميعاً، هو أنها مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى جهة الغرب، لتمر في طريقها ببلدان ما لبثت أن ازدهرت مع ازدهار هذا الطريق التجاري الأكثر شهرة في العالم القديم. وقد انتظمت مسارات طريق الحرير منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وظلت منتظمةً لألف وخمسمائة سنة تالية، كان طريق الحرير خلالها معبراً ثقافياً واجتماعياً ذا أثر عميق في المناطق التي يمر بها. لم يتوقف شأن طريق الحرير على كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب القديمة، وإنما تجاوز (الاقتصاد العالمي) إلى آفاق إنسانية أخرى، فانتقلت عبره الديانات فعرف العالم البوذية وعرفت آسيا الإسلام وانتقل عبره البارود فعرفت الأمم الحروب المحتدمة المدمرة، وانتقل عبره الورق فحدثت طفرة كبرى في تراث الإنسانية مع النشاط التدويني الواسع الذي سَهَّل الورقُ أمره، وانتقلت عبره أنماط من (النظم الاجتماعية) التي كانت ستظل، لولاه، مدفونة في حواضر وسط آسيا. غير أن النشاط الاقتصادي، ظل دوماً هو العاملُ الأهم، الأظهر أثراً. ويكفى لبيان أثره وأهميته، أن طريق الحرير أدَّى إلى تراكم المخزون العالمي من الذهب، في الصين، حتى أنه بحلول القرن العاشر الميلادي، صارت الصين وحدها، تمتلك من مخزون الذهب قدراً أكبر مما تمتلكه الدول الأوروبية مجتمعة. ومن اليابسة إلى البحر، انتقل الاقتصاد العالمي نقلةً كبيرة مع اكتشاف التجار أن المسارات البحرية أكثر أمناً من الطرق البرية. وقد تزامن ذلك مع اشتعال الحروب المغولية - الإسلامية بقلب آسيا، وشيئاً فشيئاً، اندثرت معالم طريق الحرير وصارت البضائع، والثقافات الإنسانية، تنتقل في مسارات بحرية منتظمة، تتجه عبر المحيط الهندي من حران آسيا الجنوبية، إلى شمال أفريقيا مروراً من البحر الأحمر، لتستلم القوافلُ البرية البضائع من آخر نقطة في خليج السويس، لتنقلها إلى المراكب الراسية في ثغر دمياط وما حوله من موانئ وفى هذا الزمان، كان الحكام مماليك مصر يتقاضون رسوماً عالية مقابل هذه (الوصلة) حتى أنهم كانوا، مثلاً يحصِّلون على الفلفل الأسود وزنه ذهباً. وازدهرت مصر المملوكية حيناً من الدهر، حتى اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح، فصارت السفن تحفُّ جنوب أسيا، لتمر بحواف أفريقيا، فترسو على موانئ شبه جزيرة أيبيريا.. فازدهرت البرتغال وإسبانيا، وانطفأت مصر أواخر عصرها المملوكي وخلال عصرها العثماني. ولما افتتحت قناة السويس، واتصل المسارُ البحري الآتي من آسيا إلى أوروبا، تغيَّر الحال.. وانتظمت التجارة واستولدت قناةُ السويس مدناً مصرية من الصحراء فكانت السويس وكثيراً من نقاط أخرى موزعة على الحافة الغربية لمجرى القناة.
ويقصد بـ"طريق الحرير" هو خط المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين وعبر مناطق غرب وشمال الصين وآسيا كلها إلى المناطق القريبة من أفريقيا وأوروبا، وبواسطة هذا الطريق، كانت تجري التبادلات الواسعة النطاق من حيث السياسة والاقتصاد والثقافة بين مختلف المناطق والقوميات. انتقال الحضارة المادية عبر طريق الحرير إلى الخارج: بدأ الغرب يعرف الصين من انتقال الحرير الصيني عبر "طريق الحرير" إلى الخارج. في عهد أسرة تانغ، بلغت صناعة الحرير الصينية الذروة، وازدادت أساليب نسجه وزخرفته. وقد ورثت المنسوجات الحريرية في عهد أسرة مينغ تقاليد كثرت أنواعها وجمالها الزاهي منذ عهد أسرة تانغ، فاجتذبت تجار مختلف بلدان العالم بنوعيتها الممتازة. وعندما وصل الحرير الممتاز النوعية والزاهي الألوان إلى الغرب أعجب به الغربيون شديد الإعجاب، فقد مدح الشاعر الروماني ويجير الحرير الصيني بأنه أجمل من الزهور وأدق من نسج العنكبوت. ومع انتقال الحرير الصيني إلى الخارج، عرف الغربيون الحرير كما عرف الصين. وفي العصور القديمة أصبح الحرير الصيني بضاعة انتقلت وبيعت إلى مكان أبعد ووصل حجمها التجاري إلى الأعلى وبلغ سعرها الأغلى وربحها الأكثر تدريجيا في التجارة العالمية. وإلى جانب الحرير، أعجبت بلدان الغرب بخزفيات الصين ومنتجاتها ذات الجاذبية الشرقية. وفي "طريق الحرير"، كانت الثقافة المادية متبادلة، فقد حمل شعوب مختلف بلدان أوروبا وآسيا منتجاتهم المتنوعة إلى الصين أيضا. كان طريق الحرير ممرا تمر به الصين في تبادلها التجارى البرى مع جنوب آسيا وغرب آسيا وأوروبا وشمال أفريقيا ويسمى بطريق الحرير بسبب نقل حجم كبير من الحرير والمنسوجات الحريرية الصينية إلى الغرب عبر هذا الطريق. وقد اكتشف علماء الاثار أن طريق الحرير تشكل أساسا في عهد أسرة هان الصينية في القرن الأول قبل الميلاد، وحينئذ اتجه طريق الحرير الجنوبي إلى أفغانستان وأوزبكستان وإيران غربا والطريق الاخر يمر عبر باكستان وكابول الأفغانية حتى رأس الخليج ويمكن الوصول منه إلى إيران وروما. وفى الفترة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي كان على طول طريق الحرير اربع دول إمبراطورية كبرى وهى روما في أوروبا وبارثيا في غرب آسيا (إيران القديمة ذات النظام العبودى) وكوشان في آسيا الوسطى (الدولة تسيطر على آسيا الوسطى وشمال الهند)، وأسرة هان الصينية في شرق آسيا. وان تشكيل طريق الحرير جعل هذه الحضارات العريقة تتبادل وتتاثر بعضها بالبعض وبعد ذلك تتطور اية حضارة بصورة منعزلة. تكثفت الاتصالات بين الشرق والغرب عبر طريق الحرير المكون من شبكة طرق معقدة. وتقول سجلات تاريخية صينية ان الجوز والخيار والفلفل الأسود جلبت من الغرب. وفى عهد أسرة تانغ ما بين القرن السابع والقرن التاسع الميلادي ازدهر طريق الحرير أكثر حيث جلبت إلى الصين الطيور والحيوانات النادرة والمجوهرات والتوابل والأوانى الزجاجية والعملات الذهبية والفضية من الغرب والموسيقى والرقص والأطعمة والأزياء وزخارفها من غرب آسيا وآسيا الوسطى وفى نفس الوقت صدرت المحصولات والمنتجات والتكنولوجيا الصينية مثل الحرير وصناعة الورق وفن الطباعة والأوانى المطلية باللك والاوانى الخزفية والديناميت والبوصلة إلى الخارج عبر طريق الحرير مما قدم مساهمة صينية هامة للحضارة العالمية. بينما تطورت التجارة الصينية نشط التبادل الثقافى عبر طريق الحرير ودخلت البوذية إلى الصين في أواخر عهد أسرة هان الغربية (عام 206 –عام 220 ق م) وان مسار دخول البوذية من الهند إلى الصين سجل في رسوم حائطية تبلغ مساحتها حوالى عشرة آلاف متر مربع وما زالت موجودة في معبد الكهف الحجري الذي بنى في القرن الثالث الميلادي بقيزر في شينجيانغ.وعبر طريق الحرير دخلت البوذية من الهند إلى قيزر بشينجيانغ ودون هوانغ بقانسو ثم إلى المناطق الداخلية بالصين وان الكهوف الحجرية البوذية المتبقية عبر طريق الحرير مثل كهوف موقاو بدون هوانغ وكهوف لونغ مين الحجرية بلويانغ تتميز باساليب الفنون الشرقية والغربية دلالة على التبادل الثقافى بين الصين والغرب عبر طريق الحرير وتعتبر كلها من التراث الثقافى العالمي. ومع تغير الخارطة السياسية والاقتصادية في أوروبا وآسيا بعد القرن التاسع الميلادي وخاصة تقدم تكنولوجيا الملاحة برز دور النقل البحرى في التبادل التجارى اضمحل دور طريق الحرير البرى التقليدى هذا وفي القرن العاشر قلما اعتبر طريق الحرير هذا طريقا تجاريا. وخلال السنوات الأخيرة بدأت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للامم المتحدة اليونيسكو تنفذ برنامج بحوث جديدة لطريق الحرير وتسمى طريق الحرير طريق الحوار لدفع الحوار والتبادل بين الشرق والغرب.

طريق الحرير البحري
الفرع الآخر لطريق الحرير البحري هو الفرع الذي يصعد البحر الأحمر حتى يصل إلى مصر وحوض البحر الأبيض وهنا نجد أيضا أن الممالك العربية التي نشأت في جنوب الجزيرة العربية وفي الشمال على امتداد الطرق البرية المحاذية لسواحل البحر الأحمر فرضت سيطرتها على الملاحة وعلى تجارة الشرق السائرة في البحر الأحمر وساعدهم في ذلك خطورة الملاحة في هذا البحر نتيجة لكثرة الشعاب المرجانية فيه وما يتطلبه من خبرة بالممرات المائية العميقة ومداخل موانيه ومخارجها وهي معلومات حرصوا على الاحتفاظ بها لأنفسهم. وخلال القرن الأول قبل الميلاد ازدهرت تجارة الشرق المارة عبر الموانئ اليمنية والعمانية، وانشأ أحد ملوك شبوة الذي فرض سيطرته على جنوب عمان ميناء في منطقة ظفار عرف باسم يمهرم سرعان ما أخذت تؤمه السفن المتجهة إلى الشرق. وتصف كتابات الرحالة اليونانيين الذين زاروا المنطقة في تلك الفترة نشاط حركة التجارة في موانئ البحر الأحمر الجنوبية والشمالية، فعن ميناء Muza وهو ميناء المخا يذكر صاحب كتاب الطواف حول البحر الارتيري أنه وجده مزدحما بالمراكب وأصحاب السفن والملاحين العرب والناس فيه في شغل شاغل بأمور التجارة وهي تابعة للملك الحميري كربئيل. وفي شمال البحر الأحمر شاركت ممالك ديدان ولحيان في التجارة البحرية المارة بموانئهم، ويصف سترابون الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد تجارة حلفائهم الأنباط وهم المسيطرون على عدد من موانئ شمال البحر الأحمر مثل لوكي كوفي (ميناء الخريبه الواقع شمال ضباء) واكرا كومي (مرسي كركمه الواقع جنوب الوجه) ويذكر أن سلع التجارة تنقل من لوكي كومي إلى البتراء ومنها إلى فينيقيه ومنها إلى أمم أخرى، ويصف النبطيين بأنهم قوم حرصاء مولعون بجمع الثروة وأن البضائع التي يتاجرون بها بعضها مستجلب استجلابا كليا وبعضها ليس مستجلب كله ويقدم قائمة بالسلع المستجلبة شملت بالإضافة إلى أشياء أخرى الثياب الأرجوانية والاصطرك والزعفران والقرفة والتماثيل والصور والقطع المنحوتة، ويحتمل أن بعض سلع هذه القائمة مستورد من الشرق. على أن السيطرة على تجارة الشرق العابرة للبحر الأحمر لم تكن للعرب على الدوام في القرون السابقة للميلاد فقد جرتهم منافع هذه التجارة وجرت بلادهم إلى حلبة الصراع والتنافس الدولي وادخلتهم في مواجهة مباشرة مع القوى الأوروبية القابعة في حوض البحر الأبيض: اليونان ثم حلفائهم الرومان ثم البيزنطيين فلم يكن الحال في البحر الأحمر بأفضل مما كان عليه في الخليج العربي فما ان سيطر اليونانيون على المناطق المحيطة بالجزيرة العربية الشام والعراق حتى سارعوا إلى فرض سيطرتهم الكاملة على طريق الحرير البحري ولم يكن يضايقهم في ذلك الا التجار والملاحون العرب. وفي عهد خلفاء الاسكندر المقدوني عمل البطالمة على إعادة القناة القديمة التي كانت تربط بين النيل والبحر المتوسط والبحر الأحمر فأمر بطليموس الثاني 185-146 ق م بإعادتها وسير السفن البحرية إلى الهند ولحماية تجارة الشرق المحمولة على سفنهم أسكن البطالمة جاليات يونانية في بعض موانئ البحر الأحمر وأطلقوا أسماء يونانية على مستوطناتهم ومنها ميناء امبلوني الذي كان يعتقد وقوعه في ميناء الوجه بشمال غرب المملكة العربية السعودية، غير أن الأبحاث الأثرية التي أجريت في سواحل البحر الأحمر أثبتت أن امبلوني تقع في جزيرة فرسان حيث يوجد بالفعل في الجزيرة بقايا مبني يوناني الطراز ونقوش يونانية.
من خلال السرد أعلاه تبرز بوضوح الأهمية التاريخية لطريق الحرير القديم باعتباره من الممرات التاريخية التي ساهمت في نمو وازدهار الشعوب والحضارات قديما والتي طال صيتها إلى عالمنا الحديث حيث جمع هذا الطريق بين التجارة والثقافة والسياسة.
ولعبت هذه الطرق والممرات دورا في تلاقي الثقافات والشعوب وتيسير المبادلات بينها فقد اضطر التجار إلى تعلم لغات وتقاليد البلدان التي سافروا عبرها وقام العديد من المسافرين بسلك هذه الطرق للدخول في عملية التبادل الفكري والثقافي التي كانت عامرة في المدن الممتدة على طول هذه الطرق.
وتطور السفر عبر طرق الحرير بتطور الطرق نفسها حيث كانت المدن الواقعة على امتداد طريق الحرير توفر الطعام والماء وأماكن الراحة للمسافرين بالإضافة إلى السلع المعدة للتبادل التجاري عبر عدة (خانات) وهي عبارة عن (مضافات) و(نزل) كبيرة مصممة لاستقبال التجار المسافرين.
وتردد نوع جديد من المسافرين على الطريق وهم علماء الآثار والجغرافيا وتوافد هؤلاء الباحثون من عدة دول وأخذوا يجتازون صحراء شمال غرب الصين قاصدين استكشاف المواقع الأثرية القديمة المنتشرة على طول الطريق.
وتذكر المصادر التاريخية أن مدينة (شيان) الصينية التي تعد بداية طريق الحرير كانت أول مدينة يدخلها الإسلام على يد التجار العرب.
ولعب العرب دورا محوريا في تجارة طريق الحرير بالنظر إلى موقعهم الجغرافي الرابط بين آسيا وأوروبا حيث كان نقطة تلاق ملزمة برا وبحرا لقوافل التجار العابرين.
ومع تغير الخارطة السياسية والاقتصادية في أوروبا وآسيا بعد القرن التاسع الميلادي وخاصة تقدم تكنولوجيا الملاحة برز دور النقل البحري في التبادل التجاري لذا اضمحل دور طريق الحرير البري التقليدي.
وعلى الرغم من التأثير الكبير لطريق الحريرعلى ازدهار الكثير من الحضارات القديمة مثل الصينية والمصرية والهندية والرومانية والحضارة الإسلامية حتى أنها أرست القواعد للعصر الحديث إلا أن انتشار الحروب الصراعات والحروب العرقية والدينية والسياسية التي كانت أهدافها اقتصادية بحتة علاوة على اغلاق بعض من أجزاء الطريق من قبل الأترا واكتشاف تصنيع الحرير في أوروبا وافتتاح قناة السويس في مصر عام 1869.واتخاذ التجار المسارات البحرية من هذا الطريق لأنها أكثر أمانا من الطرق البرية ، كل ذلك أدى لفقدان الطريق أهميته وتأثر سلبا وبدأت تجارته تنكمش شيئا فشيئا وتحولت حركة التجارة إلى مسارات أخرى عبر المحيط الهندي من آسيا الجنوبية إلى شمال أفريقيا مرورا بالبحر الأحمر حتى خليج السويس.
ماذا كان ينقل هذا الطريق؟ من الصين إلى العالَم()
الحرير: هذا المنتَج المذهل (نعومة، مقاومة، جَمال، خفّة، أناقة، رقيّ) الذي أصبح لباس الأغنياء والملوك فقط. هذا الحرير الذي بقي مصدره سرّاً عن العالَم، فلم يكن أحد يتوقّع أنّه شرنقة لدودة (القزّ) تعيش على أشجار التوت. ولقد سعى الصينيّون وبشكل صارم إلى إخفاء هذا السرّ حتّى رحلة ماركو بولو إلى الصين عام 1275 وافتضاح أمر الحرير. ففي عام 1400 كانت مدينة ليون تنتج الحرير بشكل تجاريّ.
الورق: هذا المنتَج الهامّ للتدوين وانتقال الأفكار حين كانت الصين المصدر الوحيد له.
البوصلة: الهامّة جدّاً لمعرفة الاتّجاهات وللملاحة البحريَّة.
اللبان.
السيراميك.
الأقمشة المطبوعة.
البخور والعطور والتوابل والبهارات: (عبر الطريق الهنديّ).
السجّاد.
الأحجار الكريمة: من الصين وإليها.
بضائع متنوّعة أُخرى…

ماذا كان ينقل طريق الحرير للصين من العالم القديم؟
الذهب -الفضّة -الأقمشة المحاكة -المِداليّات -الكتّان -الأحجار الكريمة والأهمّ هو البلّور الذي اخترعه الفينيقيّون، وأصبح مظهر غنى في الصين كما هو حال الحرير في أوروبا.
بشكل عامّ كان طريق الحرير ينقل ما خفّ حمله وغلا ثمنه. فلم نسمع عن نقل أطعمة أو نباتات أو حيوانات (إلاّ الصغيرة والنادرة جداً: القطط السياميَّة)
وأهمّ من البضائع كان طريق الحرير ينقل الأفكار والفنّ والعلوم والطبّ، وأخيراً:
الديانات:
البوذيَّة: (وُلد بوذا 560 ق.م). انتقلت من الهند (نيبال، العاصمة كتماندو) من جبال التيبت إلى جنوب شرق آسية وشمالاً باكستان وأفغانستان وشرقاً حتّى اليابان وكوريا.
الزردشتيَّة: (وُلد زردشت 600-ق.م) انتشرت في إيران وحاولت المرور شرقاً وغرباً.
الكونفوشيَّة: (وُلد كونفوشيوس 525-ق.م) انتشرت في الصين ومنغوليا.
المسيحيَّة: خاصّة السريان والنساطرة الذين وصلوا الهند والصين. وما زالت الكنيسة السريانيَّة نشطة هناك.
المانويَّة: (وُلد ماني 217-م.) في ماردين ووصل عبر طريق الحرير إلى الهند وأسّس ديانة انتشرت بشكل كبير في الهند وإيران والعراق وسورية ثمّ اندثرت.
الإسلام: فجميع المناطق الإسلاميَّة في آسية موجودة على طريق الحرير البرّيّ (كشغر شمال غرب الصين (قصّة قتيبة بن مسلم الباهليّ 711 وإمبراطور الصين) ثمّ كشمير، أفغانستان، باكستان، جمهوريّات آسية الوسطى، وأخيراً، إيران الطريق البحريّ: ماليزيا- أندونيسيا - جزيرة سيريلانكا، ثمّ عمان.
الفنّ والثقافة ()
أمثلة كثيرة عن امتزاج الفنون والثقافة عبر طريق الحرير وتبادل التأثير.
ثمتال بوذا: في بابيان الذي دمّره طالبان رُسم على طريقة الفنّ الهلنستي.
وُجدت في صحراء تاكلاماكان تماثيل لهرمز وزيوس آلهة اليونان.
التار: آلة موسيقيَّة صينيَّة مؤلّفة من وتر واحد انتشرت في العالَم وأصبحت "الغيتار".
كتاب ألف ليلة وليلة: استوحى المكان من مدينة سمرقند.
ابن بطوطة: ذهب في رحلته على طريق الحرير من الصين (1330م(
البيرونيّ: ذهب إلى الصين والهند على طريق الحرير 860 م. وجمع معلومات طبّيَّة وثقافيَّة مذهلة.
كلّ تأثيرات الفنّ والثقافة الهنديَّة والصينيَّة الفارسيَّة وصل إلى العرب عن طريق "طريق الحرير".
الطبّ: فكرة العلاج بالأعشاب جاءت من الصين. جمع البيرونيّ أنواعاً مختلفة من الأعشاب في أثناء زيارته إلى الصين والهند.
السلام: كان هناك ما يشبه العرف في المحافظة على طريق الحرير، مهما كانت الظروف إلاّ في حالة الحرب الكُبرى (التجّار أقوى دائماً من السياسيّين).
المراجع:

  1. Xinru Liu, the Silks Roads, A Brief History with Documents, Bedford /St.Martins.
  2. Vadime Eliseeff, the Silk Road and commerce Published in association with UNESCO, Perham Books, New York, Oxford, pp 1-27.
  3. https:/www.ar.wikipedia.org/wiki.
  4. https:/www.ar.wikipedia.org/wiki.
  5. https://annabaa.org/arabic/economicreports/10521


الكاتب: د. أنور يوسف عطا المنان

بكالوريوس إقتصاد وتنمية ريفية جامعة الجزيرة ماجستير التخطيط الريفي والحضري جامعة ساكسيون بهولندا / جامعة قرينتش ببريطانيا دكتوراة علم إجتماع / علم إجتماع التنمية /جامعة النيلين بالخرطوم أستاذ مشارك / كلية الدراسات الدولية / جامعة يانجو / جمهورية الصين الشعبية أستاذ كلية العلوم الإدارية والإقتصادية جامعة البطانة / رفاعة نشر العديد من المقالات الإكاديمية المحكمة في عديد من المجلات الأكاديمية الأجنبية والمحلية له مقالات منشورة بالصحف ومواقع التواصل الإجتماعي Anwar_yousif@yahoo.com