المتابع لأداء المكون المدني بالحكومة الانتقالية السودانية يقف علي غياب الأستاذ فيصل محمد صالح الناطق الرسمي ووزير الثقافة والإعلام، عن المشهد المرتبط بإعلان موقف الحكومة ا من مسالة التطبيع مع دولة إسرائيل ذاك الغياب ودون بحث عن أسبابه في تقديري محفز موضوعي للدفع بإقتراح لفصل الثقافة كوزارة و تبعية منصب الناطق الرسمي للحكومة لوزير الاعلام لاسباب ساوجزها في صلب المقال .
في تقديري جدل التطبيع مع اسرائيل الذي تصدر المشهد السوداني خلال الأسبوعين المنصرمين فتح منافذ لاعادة النظر حول دور الثقافة بمضمونها الواسع في تشكيل حاضنة للتغيير، مضمون ما تناولته الآراء المكتوبة والمسموعة حول مسالة التطبيع إرتكزت على زاويتي المصالح الإقتصادية التي سيحصل عليها السودان و مساهمتها في حل الازمة الاقتصادية الراهنة ، و الربط بين التطبيع و قضية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، محصلة الأمر إستند علي التغيرات المحتملة سواء اقتصاديا مرتبط بالسودان أو سياسياً بالمشهد الفلسطيني الاسرائيلي ، مع إغفال لعامل هام و مؤثر مرتبط بالمشهد السوداني الداخلي ، الذي يعاني من غياب إتفاق نسبي حول مسألة الهوية الوطنية ، و في المقابل طرف اخر حسم أمر هويته اعني الجانب الإسرائيلي ، هذا يعيد السؤال الجوهري المرتبط بماهية و دور الحاضنة الثقافية المرتبطة بالتغيير.
غياب الاهتمام بالحاضنة الثقافية جاء نتيجة التراجع عن الاهتمام بالثقافة في دورها المرتبط بالتفويض المؤسسي ، و لعل ذلك ما يفسر محافظة مراكز جيوب النظام السابق في الحفاظ علي مواقعها واستمرارها حتي الآن في مقاومة حركة التغيير بشكل واخر ، ويظهر تاثير ذلك بجلاء في تراجع حماية لجان المقاومة و استهدافها ، وهي االتي جعلت من الإحتجاجات تظاهرة ثقافية مستمرة ، فئات اخري وضعت بصمتها في ذلك السجل فقط تكفي الاشارة الي قافلتي بارا و وادي هور إلى ميدان الإعتصام ، فرغم أن الثورة أحتفلت بذكراها الأولي ، الإ أن الواقع يشهد تراجع الحراك الثقافي .
الدور الفاعل للنهوض بالثقافة يجدر ألا يرتكز علي مقترحات نظرية لليونسكو بل خطة تشارك فيها مختلف المكونات التي كسرت مقاومتها نظرياً وعملياً حلقات كانت في سياق التحصين و نجحت في أن تتوج المشهد بسودنة لم يسبق لها مثيل في تاريخ ما بعد الإستقلال ، إحدى مظاهرها ما حدث في فبراير 2019 من خروج محتشد ل55 مدينة وضاحية سودانية في توقيت واحد لتعبر عن إجتياز إختبار قوة التنوع و سطوته ، ما حدث لا يمكن إختصاره في قالب سياسي فحسب، بل هو ثقافي في المقام الأول فلولاه لما تعززت الإرادة و النظرة التي تناصبها المحمولات المشتركة .
سيمضي التطبيع لكن نظل نواجه بأسئلة متعددة مرتبطة بالعبور الداخلي، لن يحقق ذلك الرخاء الإقتصادي أو غياب صفوف الحصول على الخدمات ، لن يسند ذلك إصلاح القوانين ، تكوين المفوضيات أو ترسيم الحدود. ما يسند ذلك هو المساهمة في تشكيل الحاضنة الثقافية للتغيير ، لكي ننفذ إلى فضاء يجعل النظر إلى التغيير من زاوية غير التقابل و العزلة الذهنية ، فالمدنية المنشودة غاية و حالة تتطلب أن نمعن النظر في ضرورة إعطاء الثقافي ما غيب قسراً لعقود جراء أفعال ممنهجة..
شارك هذا الموضوع: