وتختبئ الأبْعاد في القصِيدة

د. عصام محجوب الماحي - 06-07-2020

شُكْراً يا أميرة الشِعر.
تمتّعت بها.
بالقصيدة. بتناسُخ الوجْد.
عُدْت لها..
ثُمّ عُدْت ثانية، وكَثُرت عودتي لها.. وتناسخت.
نُمْت عليها..
وصبّحْت بها.
كتبت تعليقاً لم أرْفعه في صفحتِك.
تذرّعت بصبر يقال أنّه جميل، لا أدرى أحياناً أمْ في كلِ الاحايين.
اخذْت من جمالِه مزيداً من الصبر، فارتاح القلم عليه وبقي عِطر الكِتابة في قِنّينته.
لكل كِتابة من كِتاباتي حِبر، ولك أكْتب بعطر، أحْتفظ به حتى يحين موعد الكِتابة، بعد إعادة قراءة ما تَكْتُبين مرّة ومرّات، شِعْراً كان أمْ نثْراً.
كتبت تعليقاً لَمْ أرْسِله.
حسناً فعلت. فكيف تخرج مُفْردة منّي إليك دون أنْ تتطيّب؟!
تابعت التعليقات وأُصِبْت بغيرةٍ. لأوّل مرّة اتذوّق فرحاً يدخل من بابِ الغيرةِ.
منحني الاكْتِشاف سعادة.
ذهبت فوراً إلى رسائلنا التي تبادلناها في زمنٍ لمْ تمضْ منه غير عقارب الساعة. ثواني، دقائق، ساعات، أيّام، أسابيع، أشْهُر، وعدد من السنين المُعَتّقة، وبَقِيَت المشاعِر ساكِنة في ذات المشاهد التي تحدّثْنا حولها بلمْسات على لوحة الأحْرُف فنطَقت، وطارت عصافير الكلام مفردات وعبارات تحكي عن مسارح وحدائق واسعة، وقصائدِك.
حدَّثْتكِ عن بوخارست التي لم تزوريها فتعرّفتِ عليها تَرْفُل بأناقة في فصولِها الارْبعة، وكانت خطيئتي أنّني زُرت لنْدن مرّات فتخيّلْتك في تلك الأمْكِنَةِ التي أحْببت، ولم تحدِّثيني عنها.
لا أنْسي أنّك وعدِّتِ!
لم يطو الزمن الذي مضى وعْدِك، ولن يفعل الراهن، ولا تحسبين أنّ غداً لناظره بعيد.
إمّا لقاء في لنْدن يحرِّرك من وعْدِ الكِتابة عنها، أو كِتابة عن لنْدن تجْعل أيّامي السابِقات فيها بذات ألق المشاهد التي في خيالي بعد أنْ تعرّفت على شِعرك، وقَبِل صداقَتي.
وكعادة لازمتْني كُلّما عُدْت لتلك الرسائل، أتحسّر على عدم نشْرها، لا لشيء إلّا لأنّ شِعْرِك يستحق أنْ تُقام له تظاهرات فتنطلق بزغرودة، مليونيّة الحُب الذي يختبئ في نَظْمٍ جميلٍ يضُجّ ثورة، فيصبح الهُتاف غِناءً على كل لسان "أمل أحلام وجزالة.. الشِعْر عِطْر الحُب"…. "هل من نظرة فابتسامة وموعد، والّلا اللقاء مَمْنوع".
على مضضٍ تتأخّر الحسْرة خطْوة لتمْلأ القلم بالعِطر. يفْصِل عبارة ويضعَها في سطْرٍ جديدٍ. يرتِّب البدايات ويتْرُك النهايات مفْتوحة. يضيف شولةً وتشكيلاً في إحدى الرسائل، وتبقى اللوحة زاهية. فهل التشكيل بالكِتابة أمْتَع من الرسْمِ بالألوانِ؟ النَحْت بالإزْميل؟ التصْوير بالعدسة؟ الجداريّات بالبخّاخ؟ أمْ أكْثر سعادة من تَرْكِ مساحات بيضاء في الطِباعةِ؟
تلك الرسائل، صارت وِسادة أرْتاح عليها من عناءِ البحث عمّا أحْتاجه ولا أجِده. فأرْجع لها واتعطّر بحبرها وبعودتي إلى قصائدِك.
شكراً يا أميرة شِعر مُتعدِّد الأبْعاد، ثُلاثي، رُباعي، خُماسي، بلا حِساب. فيه من كل شيء بُعْد ومن كُلِ بُعْدٍ شيء، كما صورتِك الجميلة ثُلاثيّة الأبْعاد، تختبئ فيها أبْعاداً أخْرى.
عصام محجوب الماحي
بوخارست 22 يونيو 2020