الثائر " الحلو" يمهل حركة الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية سبعة شهور لتحقيق اهداف الثورة السودانية المجيدة. اراه زمناً جد قصير لانجاز المهمة لاسيما وان السودان قد بقي خارج نطاق الحضارة الانسانية لأمد طويل مما ادى الى نشوء وطغيان فكر عشوائي وسحري وسط الناس بمن فيهم النخب المثقفة والمتعلمة.
فى السودان طبقات من القشور الثقافية المتراكمة الميتة التي تعيق حركة التنمية الحقيقية فى البلاد. ولا بد من الخلاص من جل ذلك الميراث مثلما نتخلص نحن كافراد من ثيابنا البالية، وحلق زوائد الشعر، وتقليم الاظافر، وكما تنسل الافاعي من جلودها الميتة. وتغض العروس النظر فى اثوابها القديمة فى وجود فستان العرس.
حتى اللحظة يا حلو يبدو ان حكومة السودان تسير بخطى ثابتة فى الاتجاه الصحيح، و علينا جميعاً كسودانيين مساندتها دون شرط ما لم تحدث اختلالات واضحة فى مواقفها من اهداف الثورة.
اكثر ما اعجبنى فى اطروحاتك السياسية هو ضرورة فصل الدين عن السياسة و اقامة دولة سودانية علمانية على غرار ما كان الشهيد المناضل جون جرنج يدعو لها.
نعم نريدها دولة علمانية تعطي الاولوية فى التنمية للمعطيات القائمة على المخرجات الامبريقية للعلم ( الاكتشافات، الاختراعات، القياسات، الفنون،التراث المقنن …) دون الانشغال الفارغ بالغيبيات المغلقة، اى تلك التي تتخفى وراء اليقين الجاهل هروباً من حتمية توغل نور العلم فى كهوفها يوماً ما.
وتأتي مع نور العلم يا حلو فى " بقجة" واحدة سلطة القانون الوضعي التى يتحتم على الناس التقيد بها دون خوف من عذاب الاخرة او طمعاً فى ملذات الجنة. و اذا ما تحقق الاعتماد على العلم واحترام القانون الانساني الوضعي ( العدالة، المساواة، حقوق الانسان والحيوان، الحفاظ على سلامة البيئة و كل محتوياتها الصالحة للحياة…) .
وبدلاً من نظام ديموقراطى مؤسس على العلم والقانون تجثم فوق صدورنا لعقود ديموقراطية عددية طائفية يعتبرها كثيرون فى العالم الثالث معياراً اوحداً للديمقراطية والشورى من دون علمنة الفكر والشخصنة وترك ما لله لله. وهذه يا حلو كارثة حضارية يعاني منها السودان منذ الاستقلال (واي استقلال؟!). اوهام عشناها لعقود وما تزال نخب السودان و شبابها يتفاخرون بمعرفتهم باللغة الانجليزية من دون قدرات و مهارات فهم وممارسة قيّم ومقومات تلك اللغة. وبشرى لك و لغيرك من ابطال "السودنة" ان هناك جهوداً تبذل الان لاحياء اللغة النوبية (دامت كتابتها لحوالي 8قرون) . وهى اللغة الوحيدة المكتوبة الباقية بعد اللغات السامية القديمة.
يعني يا حلو مش عاوزين فى السودان " ديمقراطية كُتل صماء"، بل ديموقراطية ديناميكية تستمد طاقتها من وعي الفرد و احترامه لعقد اجتماعي منصف ، يعطى و يأخذ. و اعتقد ان الحكومة الحالية فى السودان قادره على تحقيق خطوات تجاه نهضة السودان وخروجه اخيراً من تحت عباءة الطائفية البغيضة والكهنوت وادعاءات انصار السنة المحمدية. فالنعطها فرصة للانجاز من دون شروط منا.
القاهرة، يوليو/2020
شارك هذا الموضوع: