رسالة الى رئيس جامعة أم القرى، بمكة بشأن طعن علمي وأخلاقي في رسالة دكتوراه تمت إجازتها في الجامعة عن الجمهوريين عام 1983-1984

عبدالله الفكي البشير - 12-08-2020

الأستاذات والأساتيذ الأجلاء تحية طيبة وبعد،،، الموضوع: رسالة إلى معالي رئيس جامعة أم القرى، بمكة المكرمة بشأن طعن علمي وأخلاقي في رسالة دكتوراه تمت إجازتها في الجامعة بعنوان: فرقة الجمهوريين بالسودان وموقف الإسلام منها، في العام 1403ه- 1404ه/ 1983-1984، بسبب مفارقتها للمبادئ الأكاديمية ومخالفتها لقواعد البحث العلمي وهي اليوم من أكبر ملوثات الفضاء الفكري السوداني والإسلامي ومن أخطر مغذيات مناخ التطرف والإرهاب والتهديد للسلام في السودان والعالم

(هذه الرسالة تأتي إثر رسالتين سابقتين كنا قد بعثنا بهما، الأول إلى فضيلة شيخ الأزهر الشريف في 21 يوليو الجاري، والثانية إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي في 28 يوليو الجاري بشأن تكفيرهما للداعية والمفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه في العام 1972 و1975 على التوالي)

في إطار الشراكة في سبيل تنمية الوعي وخدمة التنوير، والعمل من أجل الدفاع عن الحرية وكرامة الإنسان ومواجهة الإرهاب والتكفير والإسهام في بناء السلام المحلي والعالمي، اسمحوا لي أرفق لكم نسخة من رسالة قمت بتوجيهها إلى معالي رئيس جامعة أم القرى، بمكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، بشأن الموضوع أعلاه.
ولقد أشرت لمعاليه في متن الرسالة بأنني سأشرك فيها قائمة طويلة من الشركاء الدوليين والإقليميين والسودانيين، نحو (400)، من المؤسسات والمنظمات والتجمعات… إلخ، وحوالي (2500) من المعنيين من الأستاذات والأساتيذ والباحثات والباحثين والناشطات والناشطين من مختلف أنحاء العالم.
ويقيني أن القضية قضية كوكبية وتمثل هماً إنسانياً مشتركاً، ينتظر منا جميعاً التفاعل والتعاطي والتجاوب..
كما يسعدني توسيع النشر لهذه الرسالة سواء من خلال دوائركم وشبكات تواصلكم، أو بنشرها في الوسائل الإعلامية ووسائط التواصل المختلفة.
وتفضلوا بقبول فائق التقدير ووافر الاحترام ،،،


عبدالله الفكي البشير



(نص الرسالة)


التاريخ: الثلاثاء 4 أغسطس 2020م

معالي الأستاذ الدكتور عبدالله بن عمر بافيل المحترم
رئيس الجامعة،
جامعة أم القرى،
مكة المكرمة

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

الموضــــــــــــوع: طعن علمي وأخلاقي في رسالة دكتوراه تمت إجازتها في جامعة أم القرى بعنوان: فرقة الجمهوريين بالسودان وموقف الإسلام منها، في العام 1403-1404هـ/ 1983-1984، بسبب مفارقتها للمبادئ الأكاديمية ومخالفتها لقواعد البحث العلمي وهي اليوم من أكبر ملوثات الفضاء الفكري السوداني والإسلامي ومن أخطر مغذيات مناخ التطرف والإرهاب والتهديد للسلام في السودان والعالم



أما بعد، فقد وقفت على رسالة دكتوراه ضمن سجل انجازات جامعة أم القرى في الدراسات العليا، بعنوان: فرقة الجمهوريين بالسودان وموقف الإسلام منها، نال بها الطالب شوقي بشير عبد المجيد (البروفيسور اليوم)، درجة الدكتوراه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، قسم الدراسات العليا الشرعية، فرع العقيدة، في العام 1403ه- 1404ه/ 1983م-1984م. جاء الطالب، وهو سوداني الجنسية، مبتعثاً من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، وكانت الرسالة تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد العزيز عبيد، وكان أعضاء لجنة الامتحان حسب التوقيع على صدر الرسالة تحت جملة "قام الطالب بتصحيح الأخطاء وإجراء التعديلات المطلوبة منه"، هما الدكتور جعفر شيخ إدريس، والدكتور الشيخ محمد قطب إبراهيم. ولمَّا كنت من الباحثين المهتمين بشؤون السودان، وقضايا الفكر الإسلامي، خاصة مشروع الفهم الجديد للإسلام للداعية والمفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، وحركة الجمهوريين، موضوع رسالة الدكتوراه أعلاه، وهو عندي مشروع بحثي مفتوح ومستمر، وقد نشرت في سبيله الكتب والأوراق العلمية، كما هو مبين في الهوامش، ولا أزال، فأنني، واستناداً على دراسة دقيقة قمت بها لهذه الرسالة، وبناءً على المعايير والمبادئ الأكاديمية التي أقرتها الإعلانات الأكاديمية والملتقيات العلمية الدولية منذ المؤتمر الدولي الذي عقدته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" عام 1950م بمدينة نيس، وحتى يوم الناس هذا، وانطلاقاً من واجبي الوطني والثقافي والمسؤولية الفردية العلمية والأخلاقية، فإنني أتقدم لمعاليكم بهذا الطعن في رسالة الدكتوراه المشار إليها أعلاه، وأطالب بالإعلان باسم جامعة أم القرى التبرؤ منها، وسحبها من الطالب، والاعتذار عنها.
فلقد جاءت الرسالة مخالفة للمبادئ والأسس الأكاديمية، ومفارقة لقواعد البحث العلمي وأخلاقه، كما سيأتي التبيين والأدلة والبراهين على ذلك، فضلاً عن أنها تنطوي على خرافات وعبث وفوضى علمية. ومع ذلك فإن هذه الرسالة ظلت، وبناءً على تتبعي الدقيق لأثرها ودورها في الفضاء السوداني والإسلامي، من أكبر ملوثات الفضاء الفكري السوداني والإسلامي، ومن أخطر مغذيات مناخ التطرف والإرهاب والتهديد للأمن والسلام في السودان والعالم. فقد سممت سماء الفكر، وضللت العقول، ودنست الكثير من المنابر في المساجد، ولا تزال، وهي، في ذلك، تجرجر معها اسم الجهة التي اجازتها، الجهة المسؤولية علمياً وأخلاقياً، وهي جامعة أم القرى بمكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، وظلت تكتسي منها بالثوب الأكاديمي بلا حق، وقد حان الآن وقت تجريدها منه وبالحق.
تكونت الرسالة من مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة وقائمة للملاحق. تناول الباب الأول من خلال أربعة فصول: "الجمهوريون وتاريخهم ومنشؤهم وأساليبهم في الدعوة"، والباب الثاني وقف من خلال أربعة فصول على: "آراء الجمهوريين الاعتقادية وموقف الإسلام منها". أما الباب الثالث فتناول من خلال خمسة فصول: "آراء الجمهوريين التشريعية وموقف الإسلام منها". وتقع الرسالة في (1431) صفحة مقسمة على مجلدين. ويمكننا التأكيد على ما ذهبنا إليه، والتعليل على دعوتنا لكم بالتبرؤ من الرسالة وسحبها والاعتذار عنها، من خلال المحاور الآتية:

مفارقة الرسالة لقواعد البحث العلمي وأخلاقه: ما بنى على الباطل فهو باطل دراسة الحزب الجمهوري الاشتراكي على أساس أنه الحزب الجمهوري

سنركز حديثنا في هذا المحور على الباب الأول من الرسالة، وهو بعنوان: "الجمهوريون وتاريخهم ومنشؤهم وأساليبهم في الدعوة". والحديث هنا لا يتصل بالرأي أو التحليل أو المنهج، وإنما يتعلق بخلط الوقائع والمعلومات التي أوردها الطالب في رسالته، وهي غير صحيحة البتة، وقد قام عليها التحليل، ومن ثم خلص منها إلى خلاصات ونتائج، لا جدال، في أنها باطلة، كون المعلومات غير صحيحة، وبهذا تكون الرسالة باطلة، فالقاعدة الأخلاقية تقول ما بنى على الباطل فهو باطل. فقد تناول الطالب في رسالته الحزب الجمهوري الاشتراكي باعتباره، كما يقول: كان النواة الأولى لفرقة الجمهوريين (الإخوان الجمهوريون). وهذا غير صحيح البتة. فالحزب الجمهوري الاشتراكي، لا صلة له، لا من قريب ولا من بعيد، بالإخوان الجمهوريين. فنواة الإخوان الجمهوريين التي يقصدها الطالب هي الحزب الجمهوري الذي نشأ في 26 أكتوبر 1945م، برئاسة محمود محمد طه، وليس الحزب الجمهوري الاشتراكي الذي نشأ عام 1951م، وكان إبراهيم بدري (1897م-1962م) أمينه العام، ومكي عباس (1909م-1979م)، أحد مفكريه ومنظريه، إلى جانب آخرين( (. وهذا خلط، لا يجوز على طالب في سنته الجامعية الأولى، دعك من طالب دكتوراه، ويتفاقم الأمر حينما نعلم بأن الخلط لم يكن في اسم الحزب فحسب، وإنما في المعلومات التي أوردها الطالب حول ظروف نشأة الحزب الجمهوري الاشتراكي وفلسفته ومبادئه ورؤيته الاقتصادية والسياسية ودوره في الحركة السياسية السودانية، وتناول كل ذلك باعتباره الحزب الجمهوري. وهذا أمر لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال في رسالة دكتوراه، وهي قمة الدرجات العلمية.
فقد تناول الطالب الحزب الجمهوري الاشتراكي وهو يقصد الحزب الجمهوري، تناولاً مخلاً ومخجلاً ومربكاً، فقد كتب في مقدمة رسالته، قائلاً: "إن أول نواة لفرقة الجمهوريين، هم مجموعة من السودانيين الذين انتموا إلى الحزب الجمهوري الاشتراكي السوداني، للمساهمة والاشتراك في الحياة السياسية قبل استقلال السودان… وكانت بداية نشأة الحزب الجمهوري الاشتراكي في آخر أكتوبر 1945م بزعامة محمود محد طه". وهذا خلط مخجل، ولا يستحق التعليق، وللأسف يقوم به طالب دكتوراه. وأضاف، قائلاً: والحزب الجمهوري الاشتراكي نشأ علماني الاتجاه منذ البداية، "فهو حزب علماني، يدعو إلى النهضة بأي سبيل". وفي مفارقة تكشف عن مدى جهل الطالب، وهو يقول: "والحزب الجمهوري الاشتراكي الذي بحث له عن قاعدة دينية صوفية أو باطنية يعتمد عليها بعد شعوره بأن عدم الاعتماد على السند الديني أو القبلي يؤدي بالحزب إلى نهايته". وفي تناقض تام مع سجل الحزب الجمهوري ومبادئه في النضال الوطني، يقول الطالب في صفحة (42): "كما أن الحزب الجمهوري الاشتراكي قد نشأ –منذ اللحظة الأولى- داعياً إلى الحفاظ على المؤسسات الموجودة والتي خلفها الاستعمار عاملاً على إبعاد الدين من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية منادياً بإقصاء الدين حتى عن دوائر الأحوال الشخصية". وهذا على العكس تماما مما كان عليه الحزب الجمهوري. ومما يؤكد بأننا أمام رسالة دكتوراه لا ينقصها الجهل والغرض، فقد كتب الطالب في صفحة (53)، قائلاً: فقد اختار الجمهوريون هذه التسمية، تسمية الحزب الجمهوري الاشتراكي، "في البداية إشارة إلى أنهم سيطرحون في برامجهم الانتخابية بعض ملامح الفكر الاشتراكي الاقتصادي، وأنهم سيعتمدون على الحلول الاشتراكية في أحيان كثيرة". ثم يبني على قوله الفج وغير الصحيح هذا، قائلاً: "وبالفعل طرح محمود محمد طه –بعد الاستقلال- مبدأ المساواة الاقتصادية كطريق لتحقيق العدالة الاجتماعية التي يراها".
ثم يشطح الطالب بخياله، شطحاً لا تسنده الوثيقة التاريخية أو المعلومة الدقيقة، بقدر ما تسنده التصورات المسبقة، فيذهب بعيداً في تحليلاته واستنتاجاته المُخجلة والفاسدة علمياً ومنهجياً بسبب غياب الحد الأدنى من المعلومات الصحيحة، فيكتب في صفحة (66)، قائلاً:

ولقد أطلق الجمهوريون على أنفسهم اسم (الجمهوريين) للملابسات التي نشأ فيها الحزب الجمهوري الاشتراكي، وللاتجاه العام للحزب فقد هدفوا منذ البداية إلى تمييز أنفسهم من بقية الاتجاهات السياسية الموجودة وهدفوا إلى الدعاية السياسية فسموا أنفسهم بهذا الاسم إشارة إلى أنهم هم الذين ينادون بنظام جمهوري اشتراكي يسير عليه نظام الحكم في السودان بعد أن ينال استقلاله، ويكون الاتجاه المميز للحكم أيضاً الاتجاه الاشتراكي

ثم بناءً على هذا الوهم الذي ورد في النص أعلاه، يعلن الطالب عن استغرابه، قائلاً: "والغريب في الأمر أن الجمهوريين عندما يتحدثون عن حزبهم الآن لا يذكرون كلمة (الاشتراكي) هذه". هذه جرأة في الإعلان عن الجهل لم يسبقه عليها أحد. فمفردة اشتراكي لم تكن في يوم من الأيام جزءاً من اسم الحزب الجمهوري الذي ترأسه محمود محمد طه. ثم ذهب الطالب بناء على هذه المعلومات الخاطئة يستخلص النتائج ويبني عليها، فهو يقول في صفحة (67): "وقد آثر الجمهوريون الاحتفاظ باسم الحزب الجمهوري الاشتراكي في ذلك الوقت، لأن ذلك، في رأينا، يتيح لهم فرصة العمل والاشتراك في الحياة السياسية كما أن الطابع الديني يحفظ لمؤسس فرقتهم الولاء من الاتباع". وهذا جهل وعبث ورأي خديج. وللأسف كلما توغلنا في الرسالة نقف على عبث وفوضى لا يحتملها، القارئ الملم، دعك من الباحث المهتم أو المتخصص. ففي ص (68) كتب الطالب، قائلاً: "وقد اشترك الحزب الجمهوري الاشتراكي مع بقية الأحزاب السودانية في إعداد الاتفاق الذي سجلت بعده الأحزاب السودانية جميعها وثيقة خطيرة يتم على أساسها التفاوض مع مصر، وكان ذلك بعد أن أعدت مصر مذكرة في 2 نوفمبر 1952م بعثت بها إلى الحكومة البريطانية…". وهذا جهل وفوضى تدل على كسل عقلي وضعف في المهارات البحثية، فلو أنفق الطالب بعض الوقت ليطلع على المصادر والمراجع، لأدرك بأن الحزب الجمهوري برئاسة محمود محمد طه، لم يشترك في هذه الوثيقة، بل كان ناقداً ورافضاً لها.
ويمعن الطالب في تشويه التاريخ وخلط الحقائق والوقائع، فيكتب في صفحة (68) قائلاً: "ولقد اشترك الحزب الجمهوري الاشتراكي في أول برلمان سوداني، وقد كان ذلك بعد أن بدأ السودان ينعم بثمرة اتفاقية السودان التي أبرمت بين مصر وإنجلترا بعد نهاية المفاوضات بينهما في 12 نوفمبر 1953م". هذا جهل وجرأة مؤسفة، فمن المعلوم، وكما هو وارد في المصادر والمراجع أن الحزب الجمهوري لم يشترك في أي برلمان منذ نشأته 1945 وحتى 18 يناير 1985 يوم تجسيد رئيسه لمعارفه على منصة الإعدام. وبمزيد من الإمعان في تشويه التاريخ يذهب الطالب مستخدماً حقيقة خاطئة، ليستنتج منها خلاصة أبشع خطأ، وهو يدلل على ضعف حضور الجمهوريين وضعف قبول حزبهم، فكتب في صفحة (68) قائلاً: "وقد نال الحزب الجمهوري الاشتراكي في انتخابات أول برلمان سوداني ثلاثة مقاعد وهي أقل نسبة نالها حزب في الانتخابات". وهذا عبث لا يليق ببحث تخرج لطالب في مرحلة البكالوريوس دعك من رسالة دكتوراه. فالحزب الجمهوري لم يشارك في انتخابات برلمانية قط. وما جاء به الطالب يًعد خطلاً لا يليق بطالب دكتوراه، ولا يليق كذلك بالأستاذ الذي أشرف عليه، ولا يليق أيضاً بلجنة الامتحان التي قبلت هذه الرسالة وأوصت بمنح الطالب درجة الدكتوراه، ولا يليق كذلك بمؤسسة أكاديمية محترمة. ويضيف الطالب في صفحة (69)، قائلاً: "وجاءت انتخابات مجلس الشيوخ مؤيدة الأغلبية التي نالتها بعض الأحزاب في مجلس النواب، أما أعضاء مجلس الشيوخ (السوداني) المعينون وعددهم عشرون فقد وزعهم الحاكم العام بموافقة لجنته بحيث نال الحزب الوطني الاتحادي عشرة وحزب الأمة أربعة والحزب الجمهوري الاشتراكي واحداً والمستقلون اثنين والجنوبيون ثلاثة. ويبدو أن الحزب الجمهوري لم ينل ثقة الشعب السوداني بعد ذلك…". الشاهد، أن كل ما ورد في نص الطالب أعلاه، ليس فيه كلمة واحدة يمكن أن تنطبق على الحزب الجمهوري الذي ترأسه محمود محمد طه. فالطالب هنا يتحدث عن حزب لا صلة له مطلقاً بالإخوان الجمهوريين. فكيف يمكن أن تجاز أطروحة بهذا العبث والفوضى؟
نكتفي في هذا المحور بما أوردنا فهو يعطي صورة وافية عن جهل الطالب، ومفارقة الرسالة لقواعد البحث العلمي وأخلاقه.

الدعوة إلى الإلحاد والمادية

ذهب الطالب، بلا سند وبلا دليل، بل بما يناقض ما جاء في كتب الجمهوريين وأحاديثهم، ليكتب في صفحة (د)، وغيرها من الصفحات، قائلاً: "وليس من المعقول أن نترك فرقة علمنا أنها تدعو إلى الالحاد والمادية…". هذا هراء. لم يقدم الطالب دليلاً واحداً عليه، فهذا قول فج وساقط، ولا يقول به إلا جاهل مغرض، لا يعرف حتى السبيل لتحقيق غرضه. فالداعية والمفكر السوداني محمود محمد طه والإخوان الجمهوريون، لا يمكن اتهامهم بما ذهب إليه الطالب، لسبب بسيط جداً وهو أن كتبهم وأحاديثهم، وهي منشورة، تبين على العكس من ذلك تماًماً. وهذا يكشف أن الطالب لم يكن مشغولاً بما ورد في كتب الجمهوريين وأحاديثهم، وإنما الاتهام بالباطل. ولهذا فإن قول الطالب عن الدعوة إلى الالحاد والمادية، لا يستحق أن نقف عنده، وهو قول يصب في الخرافات التي حملتها رسالته.

تسييل الخرافة والجهل في ميادين العلم وساحات الإسلام نكح الذات القديمة وولادة الكلمات اللدنية

بلا حياء أو خجل أو حد أدني من الأدب، دعك من الورع العلمي والأخلاقي، يقول الطالب وهو يتحدث عن مقر إقامة محمود محمد طه في منزله بمدينة أم درمان، بالعاصمة السودانية، والمقيمين فيه، من بناته، وأخيه، فيكتب في صفحة (85)، قائلاً: "أما زوجته فقد قيل: أنه هجرها منذ عام 1952م وعندما سئل عن ذلك قال: (أنا أنكح الذات القديمة وألد الكلمات اللدينة)". هذا هراء يعكس لماذا بلغ المسلمون هذا الحد من الهوان الذي يعيشونه اليوم. فهذا قول لطالب دكتوراه في جامعة أم القرى ومقرها مكة المكرمة، وأشرف عليه أستاذ دكتور، واجاز أطروحته اثنان، ممن يعدون عند البعض، بأنهم من كبار علماء المسلمين، هما الدكتور جعفر شيخ إدريس، والدكتور الشيخ محمد قطب إبراهيم، وأوصيا بمنحه درجة الدكتوراه. وبعد ذلك يعود الطالب لجامعته في السودان، جامعة أم درمان الإسلامية، ليصبح أستاذاً للعقيدة الإسلامية، ثم يشرف على طلاب الدراسات العليا، ثم يصير عميداً لكلية الدراسات العليا، بالجامعة. هل هناك دليل أبلغ من هذا على نشر الجهل والسذاجة والوقاحة في ميادين العلم، بل وفي الجامعات التي تدعي الهُوية الإسلامية. فمن أبجديات البحث العلمي التحقق من الروايات والمرويات من خلال إعمال الحس النقدي، ومقارنة القرائن، والتنقيب والفحص والتمحيص، فلا يمكن أن تدفع بالروايات الساذجة وأحاديث البسطاء من الخرافات إلى الدوائر العلمية، حيث التكوين والتأهيل للأجيال الجديدة. وعلى خلاف ذلك ذهب الطالب مرجحاً، فكتب في صفحة (85)، قائلاً: "وأرجح، إن كان ما قيل عن هجره لزوجته حقيقة، أن سبب ميله لجعل زواجه الحقيقي، على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زواجاً ظاهرياً صورياً هو مذهبه بأن الإنسان الكامل زوج الله".. هذا جهل وخرافة لا تليق بتداولها في الدوائر العلمية، ولا تستحق منا أن نقف عندها أكثر من ذلك.

تسييل الخرافة والجهل في ميادين العلم وساحات الإسلام افتراء الطالب الجاهل: الجمهوريون فرقة إباحية وضالة

من أبشع المزاعم الكاذبة والادعاءات الزائفة للطالب الجاهل شوقي بشير عبدالمجيد في رسالته الجامعية، قوله بأن فرقة الجمهوريين فرقة اباحية وضالة. وهذا قول لا أساس له من الصحة، بل يضعه في الشريعة الإسلامية أمام حد القذف. إن ما خرج به الطالب شوقي، لم يظل حبيساً في رسالته الجامعية، ولم يتداوله الباحثون فحسب، وإنما كان ضمن المقررات الدراسية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، كما سيرد التفصيل. فقد ورد ضمن الحديث عن الفرق المعاصرة في المقررات الدراسية: "وقـد بين الدكتور شوقي بشيـر عبد المجيد حقيقة هذه الفرقة الضالة بقوله: فرقة الجمهوريين بالسودان فرقة باطنية، … فهم باطنية، وهم إباحية يدعون إلى انتقال التحريم من الأعيان المحسوسة إلى صور السلوك المعنوية وهم بذلك يستحلون ما حرم الله") (. هذا هراء، لا يتفوه به إلا جاهل، دعك من طالب دكتوراه في جامعة محترمة. فالاتهام الباطل الذي جاء به الطالب يكذبه الواقع ويفضحه. فهو اتهام لم يقل به أشد الناس معارضة للجمهوريين من السودانيين، ولو أن هناك من القيم والخلق التي أصبحت جزءاً من هوية الجمهوريين وسلوكهم، وذلك بشهادات منشورة لمعايشيهم في الدراسة والعمل والأحياء السكينة في السودان وخارج السودان، لكانت هي قيم الطهر والأدب والالتزام الأخلاقي. يمكن الرجوع لكتابنا: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، دار رؤية للنشر، القاهرة، 2013. فقد يتضمن بعض من تلك الآراء.

السذاجة والركاكة والغرض في ساحات العلم ودراسة الإسلام

  1. المال والخوف من الدولة أن تعرف السر: تحدث الطالب في الصفحات من (92) وما بعدها، عن لجان تنظيم حركة الإخوان الجمهوريين، ووقف عند لجنة مال الإسهام، وبعد أن ذكر بأن المال يجمع من الأعضاء، أوضح بأن المسؤول عن أمانة الصندوق يحتفظ بالمال "ولا يودع هذا المال في بنك من البنوك الإسلامية أو غيرها؛ لأن لهم رأياً محدداً في البنوك الإسلامية، كما لا يودعونها في البنوك الأخرى خوفاً من أن تعرف الدولة سرهم المالي". هذا كلام ساذج، كما أن النتيجة التي خرج بها الطالب بأن الجمهوريين لا يودعون مالهم في البنوك “خوفاً من أن تعرف الدولة سرهم المالي". نتيجة رعناء تكشف عن الغرض والسذاجة وضعف المقدرات البحثية. فالطالب لم يستند في سبب عدم إيداع الجمهوريين للمال على أي مصدر أو مرجع، وإنما يتحدث من خياله. وليته رجع للمصادر والمراجع أو أجرى مقابلات مع الجمهوريين، لأكتشف أنهم في الأصل ليس لديهم مال ليودعونه في البنوك. فقد سبق وأن درست مصادر تمويل الحركة الجمهورية ضمن كتابنا: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، دار رؤية للنشر، القاهرة، 2013. إن مصادر تمويل الحركة الجمهورية هي العائد من بيع كتبهم، ومساهمات الأعضاء من الجمهوريين، وهي مبالغ متواضعة جدا، ولا تقبل مساهمات من غير الجمهوريين. ويحدث أحياناً بأن يصدر محمود محمد طه قراراً بإلغاء تناول الشاي في منزله نسبة لعدم وجود المال. للمزيد أنظر كتابنا أعلاه.

  2. جزء من كارثة أبناء المسلمين: بسذاجة نادرة المثيل، وبلا مصدر أو مرجع يقول الطالب في صفحة (98): "يحب هؤلاء الجمهوريون محمود أكثر من أي شخص في هذه الدنيا فهو وحده برهانهم وإيقانهم وحجتهم، بل يحبونه أكثر من الله سبحانه وتعالى الذي خلقهم من عدم، وهذا جزء من كارثة أبناء المسلمين الذين انفضوا عن دينهم في هذا العصر". ويضيف، قائلاً: "لا يؤمن الجمهوريون بخلق الله سبحانه وتعالى للإنسان من العدم". هذه سذاجة لا تستحق منا الوقوف عندها.

  3. كتب الجمهوريين ومنشوراتهم: وسم الطالب الفصل الثالث من الباب الأول من رسالته بعنوان: "كتيبات ومنشورات فرقة الجمهوريين"، وجاء الفصل في الصفحات (242- 387). وكتب الطالب، قائلاً: نعرض في هذا الفصل لمجموعة كتيبات ومنشورات الجمهوريين التي ألفها محمود محمد طه، والتي نشرها اتباعه، وغرضنا أن نحصر هذه الكتيبات حتى لا ينسب إليهم، في مستقبل الأيام، ما لم يكتبوه، أو ينكر اتباعه بعض الكتيبات المنسوبة إليهم. وهذا حديث يكشف عن جهل الطالب بأهم المرتكزات والمبادئ عند الجمهوريين، الأمر الذي يفيد بأنه لم يطلع على كتبهم وأحاديثهم. فمبدأ تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن أي قول أو عمل عند الجمهوريين، مبدأ أساسي. بل أن الأخلاق عندهم ليست هي الصدق، والأمانة، ومعاملة الناس بما تحب أن يعاملوك به، إلى آخر هذه الفضائل السلوكية المحمودة.. وإنما هذه نتائج الأخلاق، وثمرتها، ولكن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية، وحسن التصرف هذا بإزاء الخالق أولاً، والخلق ثانياً، وفي نفس الأمر. فالأخلاق هي المسؤولية أمام الله، وأمام الناس، وأمام نفسك( ). وهذا أمر يدركه كل مطلع على كتب الجمهوريين، ولا يحتاج إلى تفصيل، وللمزيد يمكن الرجوع للكتب المشار إليها في الهامش أدناه. ولكن ما أود الوقوف عنده هو تلك الملاحظات الساذجة التي قدمها الطالب في نهاية الفصل. وهي ثمان ملاحظات، لن أتناولها كلها، ولكن سأتناول أربعاً منها، حتى أبين أنها لا تستحق الوقوف عندها. يقول الطالب في صفحة (369):
    الملاحظة الأول: محاربة اللغة العربية. "ومما لا شك فيه أن الكتيبات التي كتبها الجمهوريون باللغة الدارجة ليس المقصود منها تفهيم الرجال أو النساء، بل يحب الجمهوريون أن تظل عقيدتهم غامضة في أذهان الجميع، لأن غموض الفكرة الجمهورية وعدم وضوحها هو السبب المباشر لاعتناق [البسطاء لها] وإيمانهم بها، كما أن الغموض يحيطها بهالة من السحر تبهر الإنسان الجاهل بحقيقتها، فغموض الفكرة هو أسلوب من أساليب نشر الدعوة عندهم". وبلا حياء أو ورع يستنتج الطالب في صفحة (370)، قائلاً: "ولا شك أن هذا الاتجاه الخطير المقصود به لغة الإسلام ولغة القرآن". والحق أن هذا عبث مبعثه الغرض والخداع، كما أنه تسويق للجهل لأناس لا يدرون شيئاً عن الإخوان الجمهوريين. ولكن كشف مثل هذا الخداع يتم بأبسط ما يكون، فكتب الجمهوريين منشورة، وأدوات البحث متوفرة.
    أول ما يجب تأكيده أن كل كتب الجمهوريين الأساسية مكتوبة باللغة العربية الفصحي، ومنها: الإسلام (1960)؛ رسالة الصلاة (1966)؛ طريق محمد (1966)، الرسالة الثانية من الإسلام (1967)، وغيرها. ولكن هناك كتب هي عبارة عن محاضرات عامة قدمها محمود محمد طه بلغة الكلام (اللغة العامية)، حيث الحضور في المحاضرات متنوع في مستوى تعليمه، وهذا أمر طبيعي، وفي العادة يتم تسجيل المحاضرات، وبعد ذلك يتم تفريغها وطباعتها في كتب ليتم نشرها وتوزيعها كما جاءت في المحاضرة، وبنفس العنوان. ولهذا السبب يأتي الكتاب بلغة الكلام بدلاً عن لغة الكتابة. وقد بيَّن الإخوان الجمهوريون ذلك في صدر كتبهم التي كانت في الأصل عبارة عن محاضرات، وشرحوا الأسباب، وتحدثوا عن اللغة العامية السودانية، ومدى فهمها لدى القراء المحليين، ولدى القراء في البلاد العربية… إلخ. فالأمر مبين وموضح في مواضعه، ولكن طالب الدكتوراه هذا مرزوء بكسل عقلي، وضعف في مهارات البحث مع جرأة في إطلاق الحكم الخديج. ومن أمثلة كتب الجمهوريين المكتوبة بلغة الكلام وهي في الأصل محاضرات عامة، ويمكن الاطلاع على ما أوردناه آنفاً، في صدرها، على سبيل المثال، لا الحصر، كتاب: لا إله إلا الله (1969)؛ الإسلام وإنسانية القرن العشرين (1973)؛ الإسلام والفنون (1974)؛ الدين والتنمية الاجتماعية (1974)، وغيرها.
    الملاحظة الثالثة (صفحة 371): يقول الطالب "اهتم الجمهوريون بطبع كتيباتهم مرات ومرات، وفي كل مرة يطبعون أعداداً قليلة حتى يستطيعون طباعتها مرة ثانية وثالثة ورابعة، فعدد الطبعات أهم عندهم من طبع الكتيب مرة واحدة، بأعداد كبيرة، لأن عدد الطبعات يقنع الآخرين بأن الفكر المعروض في هذه الكتيبات مقبول عند البعض". وأضاف، قائلاً: "وفي كل طبعة يهتمون بكتابة مقدمة جديدة للطبعة حتى أصبح حجم المقدمات لكثير من كتيباتهم أكبر من حجم الكتيب". هل يعقل أن هذا الحديث لطالب دكتوراه؟ هذا خداع لا يشبه إلا قائله.
    الملاحظة الرابعة (صفحة 372): يقول الطالب "الملاحظة الرابعة هي أننا نرجح أن تكون جميع الكتيبات التي كتب عليها من الخارج (الإخوان الجمهوريون) هي من تأليف محمود محمد طه، وأن الجمهوريين لم يكتبوا عليها (الإخوان الجمهوريون) إلا بغرض حماية شيخهم من أن يحاسب وحده على ما جاء فيها". والحق أن هذا الطالب يكشف عن نفس موبوءة بالخداع، ويكشف عن جهله. فالذي لا يعرفه الطالب، وكان يجب أن يعرفه لكونه من الأبجديات، وهو طالب دكتوراه، أن جميع الكتب الأساسية والرئيسية هي باسم محمود محمد طه، وكل الكتب التي جاءت باسم الإخوان الجمهوريين هي مجرد تفصيل لما ورد مجملاً في كتب محمود محمد طه. فكل الكتب التي جاءت باسم الإخوان الجمهوريين لا تخرج مما جاء في الكتب التي صدرت باسم محمود محمد طه. إن هذا الحديث لمؤسف غاية الأسف أن يأتي من طالب دكتوراه، وباحث في شؤون العقيدة الإسلامية.
    الملاحظة السابعة: اهتمام الجمهوريين بحقوق الآدميين أكثر من اهتمامهم بحقوق الله (صفحة 374): يقول الطالب "الملاحظ لكتابات محمود محمد طه واتباعه من الجمهوريين يلاحظ أنهم يهتمون بحقوق الآدميين أكثر من اهتمامهم بحقوق الله، وفي اهتمامهم بحقوق الآدميين يهتمون بالحقوق التي جرى عليها العرف، وإن كانت غير محددة شرعاً، ويهملون تلك الحدود المحددة شرعاً، اللازمة لذمة المكلف، بل يحاربون بعض حقوق الآدميين التي تعارض مذهبهم تحت شعارات مختلفة فهم مثلاً يحاربون النصيحة بدعوى أنها تعارض المنابر الحرة أو أنها تمثل نوعاً من وصاية المسلم على غيره…". هذا حديث ساذج وعبث لا يستحق حتى الوقوف عنده.

  4. إقامة المنابر الحرة: هذا هو عنوان المبحث الثاني من الفصل الرابع وجاء في الصفحات (388- 418). يقول الطالب "يرى الجمهوريون أن إقامة المنابر الحرة هي الوسيلة المناسبة لنشر عقيدتهم، ويرون أن ضرورتها لا تعدلها ضرورة إذ بها ينتشر فكرهم، ولذلك دعوا إليها وطالبوا بها في كتيباتهم المختلفة"، وأضاف، قائلاً: "ويعنون بإقامة المنابر الحرة تركهم أحراراً في نشر مذهبهم وعدم الاعتراض عليهم، وإتاحة الفرصة لهم للحديث في أي مكان وفي كل موقع من الميادين العامة، وفي الشارع، وفي أجهزة الإعلام المختلفة، وحتى في الجامعة الإسلامية، وغرض الجمهوريين من إقامة المنابر الحرة ليس هو إقامة المنابر الحرة حقيقة، ولا الدعوة إلى حرية الفكر، فلو كان الأمر بيدهم لمنعوا المسلمين من الحديث، وإنما هدفهم حماية أنفسهم من سخط المسلمين عليهم، ومن حكم الشريعة الإسلامية، فدعوتهم إلى ترك الناس أحراراً يقولون ما يرون فيها الضمان لعدم تنفيذ حكم الله فيهم ان استجاب الناس، وضمان لنشر بدعهم وضلالهم في مأمن من الناس". ماذا يمكن أن يقول الدارس أمام هذا العبث والفوضى والركاكة والسذاجة؟ هذا الحديث من أنصع نماذج السذاجة والجهل، ولا يستحق منا التعليق حتى ولو بكلمة واحدة.

نكتفي بهذا القدر، فالرسالة لا ينقصها الضعف والركاكة والسذاجة، وهي مليئة بالخرافات والخزعبلات والأباطيل. ولا تمت للبحث العلمي بصلة، دعك من أن تكون رسالة دكتوراه. يتحدث الطالب من خياله بسقف معرفي خفيض، ويقول كما يشاء، مع إهمال تام للمصادر والمراجع.

إشارات موجزة عن المصادر والمراجع

إن المصادر والمراجع التي أعتمد عليها الطالب ويشير إليها، بعضها لا يمكن أن يقبل من طالب يدرس في مرحلة الدبلوم، دعك من درجة الدكتوراه. والحديث عن المصادر والمراجع في هذه الرسالة، يكشف عن ضعفها وجهل معدها، وبإيجاز شديد، وعلى سبيل المثال، لا الحصر، يمكن الإشارة للنماذج الآتية:

  1. يورد الطالب في صفحة (91) واحدة من الخرافات التي لا تستحق إيرادها، ويمكن الرجوع إليها في موضعها لمن أراد، ثم يشير في الهامش إلى المصدر، قائلاً: "لقد أشار إلى هذه المسألة الأستاذ محمد عثمان محجوب (ثقة) في محاضرة له عن الفكر الجمهوري…". بدون أن يورد أي معلومات مثل أين كانت المحاضرة؟ ومتى؟ وهذه من أبجديات شروط البحث العلمي، لا نجد لها أثراً وإنما استعاض عنها بأن المصدر "ثقة"، ولكن ثقة عند من؟ وبأي المعايير هو ثقة؟ وإلى أي حد؟ هذا عبث.
  2. مثال ثاني للمصادر والمراجع، يورد الطالب في صفحة (62) أحد مصادره، قائلاً في الهامش: "محمد وقيع الله أحمد: بحث مخطوط عن الجمهوريين (بلا عنوان)". وتكرر عنده هذا المصدر في صفحات عديدة. فهل يمكن أن يقبل هذا المصدر في رسالة دكتوراه؟ أين مكان إيداع المخطوط؟ ومن هو محمد وقيع الله أحمد؟ وهل يتم التعاطي مع المخطوطات في البحث العلمي بهذه الصورة؟ هذا خطل وفوضى وجهل مريع.
  3. مثال ثالث للمصادر والمراجع، يورد الطالب في صفحة (66)، واحدة من خزعبلاته التي لا تستحق أن نقف عندها، ويمكن الرجوع إليها في موضعها لمن أراد، ثم يكتب في الهامش "هذه الحكاية نقلها لنا الأستاذ محمد وقيع الله أحمد في بحثه المخطوط عن تسجيل صوتي لندوة اشترك فيها الأستاذ عبد الجبار المبارك بمدني، وهي حكاية رواها لنا ثقة عن ثقة عن ثقة". هل هذا المصدر يمكن أن يكون مقبولاً في دوائر البحث العلمي؟ وهل يمكن أن تجاز رسالة دكتوراه بهذه الفوضى؟

على الرغم من كل هذا الضعف والعوار والركاكة والسذاجة التي اتسمت بها رسالة الدكتوراه هذه، فإنها وتحت أعين المشرف، وبين يدي لجنة الامتحانات، ومن تحت مظلة جامعة أم القرى بمكة المكرمة، خلصت الرسالة في نتائجها وخلاصاتها، وبلا استحقاق بحثي وبلا ورع علمي أو وازع أخلاقي، إلى "مروق" زعيم فرقة الجمهوريين محمود محمد طه "عن العقيدة الإسلامية من طريق أهل السنة والجماعة"، وأنه مرتد عن الإسلام، وأن فرقة الجمهوريين خطيرة على العقيدة الإسلامية، وهي فرقة تدعو إلى الإلحاد والمادية، ولهذا، كما يقول الطالب: "يجب النظر لهذه الفرقة كخطر حقيقي على عقيدة أبناء المسلمين".
ولم تركن الرسالة في قسم المخطوطات، بإدارة المكتبات بجامعة أم القرى، كما هو الختم على صدرها، وإنما انتشرت هذه الرسالة في العالم الإسلامي بصورة جعلتها، في تقديري، من أخطر أدوات نشر الجهل وتسييل الخرافة، وتغذية مناخ التطرف والإرهاب في السودان والعالم الإسلامي، كما نبين بالأدلة والبراهين، أدناه.

نشر الجهل وتسييل الخرافة وبث العبث في الفضاء الإسلامي

أولاً: فرقة الجمهوريين فرقة إباحية في المقررات الدراسية في جامعة أم القرى: كانت رسالة الدكتوراه حاضرة ضمن المقررات الدراسية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة التي يدرسها الطلاب عن الفرق المعاصرة، ومن بينها فرقة الجمهوريين. وقد استند المقرر على رسالة الدكتوراه التي قدمها الطالب شوقي بشير عبدالمجيد، وعلى دراساته التي استلها منها لاحقاً أو تلك التي قام بها وهي متصلة برسالته للدكتوراه. كان حضور أطروحة شوقي واضحاً في المقررات الدراسية عن الجمهوريين لا سيما: التسمية والنشأة، حيث جاء في حديث الجامعة عن المقرارات الدراسية:

"وقـد بين الدكتور شوقي بشيـر عبد المجيد حقيقة هذه الفرقة الضالة بقوله: فرقة الجمهوريين بالسودان فرقة باطنية، وذلك لأن مؤسسها وأتباعه ينسبون لكل ظاهر باطناً، ويمكن أن نطلق ألقاب الباطنية وأسماءها على هذه الفرقة، فهم باطنية، وهم إباحية يدعون إلى انتقال التحريم من الأعيان المحسوسة إلى صور السلوك المعنوية وهم بذلك يستحلون ما حرم الله، وهم خرمية؛ لأن حاصل مذهبهم هو حاصل مذهب الخرمية وهو القول بسقوط التكاليف، ومذهب الجمهوريين في حقيقته مذهب تلفيقي جمع بين الأفكار المناوئة للإسلام") (.

ثانياً: استل الطالب من الرسالة بعض الكتب والأوراق، منها:

شوقي بشير عبد المجيد، موقف الجمهوريين من السنة النبوية، دعوة الحق برابطة العالم الإسلامي، السنة السابعة، العدد (71)، صفر 1408هـ- سبتمبر 1987.
شوقي بشير عبد المجيد، منهج الجمهوريين في تحريف القرآن الكريم، دار الفكر، الخرطوم، 1989م.
شوقي بشير عبد المجيد، "التأويل الباطني عند فرقة الجمهوريين في السودان"، مجلة دراسات دعوية، جامعة إفريقيا العالمية، 2005م.

هذا بالإضافة إلى انتشار رسالة الدكتوراه: فرقة الجمهوريين بالسودان وموقف الإسلام منها، والكتب المشار إليها أعلاه في العديد من المواقع على شبكة الإنترنت، ومكتبات الجامعات.

ثالثاً: الطالب شوقي بشير عبد المجيد يصبح أستاذاً جامعياً ثم عميداً لكلية الدراسات العليا:

بعد أن نال الطالب شوقي بشير عبد المجيد الدكتوراه برسالته المشار إليها أعلاه، من جامعة أم القرى، عاد إلى جامعة أم درمان الإسلامية، وهي التي ابتعثته، أستاذاً فيها، وما لبث أن أصبح يشرف على طلاب الدراسات العليا، لا سيما تلك التي درست الجمهوريين، ومن الأمثلة على ذلك إشرافه على رسالة ماجستير بعنوان: نقض نظرية الإنسان الكامل عند الجمهوريين) (، إعداد الطالب: الباقر عمر السيد. والذي يعمل اليوم أستاذاً بجامعة بحري، الخرطوم، السودان.

رابعاً: نشر الجهل نموذج كتاب: الردة ومحاكمة محمود محمد طه في السودان( )

مؤلف الكتاب هو القاضي المكاشفي طه الكباشي رئيس المحكمة الاستئناف الجنائية، بالعاصمة القومية، وهي المحكمة التي أصدرت قرارها بتأييد حكم إعدام الداعية والمفكر محمود محمد طه وتلاميذه بتاريخ 15 يناير 1985. وعلى الرغم من أن مؤلف الكتاب يحمل درجة الدكتوراه، وهو أستاذ الشريعة الإسلامية المساعد بجامعة الملك سعود بالرياض، فإن الكتاب وهو يتكون من (310) صفحة، كانت (205) صفحة منها، عبارة عن نقل لفصول بأكملها من آخرين، فهو عبارة عن كتاب لمجموعة مؤلفين صدر باسم دكتور وأستاذ جامعي للشريعة الإسلامية وقاضي. لقد سبق وأن درسنا هذا الكتاب بتفصيل في كتابنا آنف الذكر، يمكن الرجوع إليه. كان من بين ما نقله المكاشفي مقدمة وخاتمة رسالة شوقي بشير عبد المجيد للدكتوراه، بما اشتملا عليه من جهل وفوضى، وضمنهما كتابه في الصفحات (135-157).

تغذية مناخ التطرف والإرهاب في السودان والفضاء الإسلامي

لقد ظلت رسالة الدكتوراه هذه، من أعظم مغذيات التطرف والإرهاب، ومن أشد ملوثات العقول والسوح الفكرية في السودان وفي العالم الإسلامي، خاصة وأن الخصوم من الأئمة والوعاظ والفقهاء يستخدمونها من على منابر المساجد وفي وسائل الإعلام، حتى اليوم. ويستندون عليها في تكفير الداعية والمفكر محمود محمد طه، والجمهوريين. ومن أجل التأكيد على ذلك، فإن الأدلة والبراهين من الكثرة بحيث يصعب حصرها وهي مع كل يوم في ازدياد، فعلى سبيل المثال، لا الحصر:

  1. الأستاذ الدكتور عارف بن عوض الركابي، يستشهد برسالة الدكتوراه التي تمت اجازتها في جامعة أم القرى، وأعدها الطالب شوقي بشير عبد المجيد، على كفر محمود محمد طه، وردته عن الإسلام( )، ويستشهد كذلك بكتب شوقي التي استلهما من رسالته.

ختاماً، أود أن ألفت انتباه معاليكم إلى أنني أشركت في هذه الرسالة قائمة من الشركاء الدوليين والإقليميين والمحليين، نحو (400) من المؤسسات والمنظمات والتجمعات، ونحو (2500) من الباحثات والباحثين والناشطات والناشطين والمتخصصات والمتخصصين من المعنيين بتنمية الوعي وخدمة التنوير، وحرية الفكر وحقوق الإنسان وكرامته ومناهضة التكفير والإرهاب وبناء السلام العالمي، كما أن جميعهم وبناء على مواثيقهم وغايات نشاطهم، يتضررون من خطاب التكفير والتطرف والإرهاب، ومن انهيار السلام المحلي أو الإقليمي أو العالمي. وفي تقديري لم يعد الرمي بالكفر، وهو من صميم قضايا الحرية وحقوق الإنسان وكرامته، وبناء السلام، لم يعد شأناً محلياً أو إقليميا، وإنما أصبح شأناً كوكبياً، تخرج الثورات من أجله في كل شوارع المدن الكبرى في العالم. فلقد تأكدت وحدة المصير المشترك للإنسانية، وأصبحت الجماهير ليست حاضرة في المشهد السياسي والفكري، فحسب، وإنما فاعلة فيه، بل قادره على تغيير ملامحه عبر سلاح الثورات الشعبية.
ولهذا فإننا نطالب جامعة أم القرى بأن تتبرأ من رسالة الدكتوراه التي قدمها الطالب شوقي بشير عبد المجيد، وسحبها منه، والاعتذار عنها، وبهذا تكون جامعة أم القرى فوق إزالة الضرر عن قطاع لا يستهان به من الشعب السوداني يشملني ويشمل أسرتي، باعتبارهم، حسب رسالة الدكتوراه، من المرتدين عن الإسلام، قد خدمت السلام والتعايش بتجريدها للأئمة والفقهاء ورجال الدين من سلاح التكفير، وأدوات إرهاب الناس. وفي هذا دعوة جديدة من جامعة أم القرى إلى الأئمة والفقهاء ورجال الدين إلى إعمال الفكر وشحذ العقول، وضرورة العمل عبر التدبر والتفكر والبحث والتمحيص والتنقيب الفكري، بدلاً من إطلاق الأحكام، الموروثة والجاهزة، بالكفر والإلحاد.

وتفضلوا معاليكم بقبول فائق التقدير ووافر الاحترام،،،



عبدالله الفكي البشير
باحث وكاتب سوداني
دكتوراه فلسفة التاريخ، جامعة الخرطوم، السودان
مدينة كالجاري، ألبرتا، كندا
بريد إليكتروني: abdallaelbashir@gmail.com

الهوامش (ثبت المصادر والمراجع)

( ) أنظر، علي عبدالرحمن الأمين، الديمقراطية والاشتراكية في السودان، ط1، المكتبة العصرية، بيروت، 1970م؛ خضر حمد، مذكرات خضر حمد: الحركة الوطنية السودانية: الاستقلال وما بعده، ط1، مكتبة الشرق والغرب بالشارقة، الإمارات العربية المتحدة، 1980م؛ محمد عامر بشير، الجلاء والاستقلال، الدار السودانية للكتب، ط1، الخرطوم، 1975م؛ محمد عمر بشير، تاريخ الحركة الوطنية في السودان (1900م-1969م)، مرجع سابق؛محمد أبو القاسم حاج حمد، السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل، دار بن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1980م؛ محمد خير البدوي، قطار العمر، في أدب المؤانسة والمجالسة، دار النهار للإنتاج الإعلامي، الخرطوم، 2008م.
( ) "المبحث الأول: التسمية والنشأة"، المقررات الدراسية: الباب الثاني، الفرق المعاصرة، الفصل الرابع: الجمهوريون، من موقع جامعة أم القرى على الإنترنت، الاسترجاع 18 فبراير 2013، الرابط: http://uqu.edu.sa/page/ar/185820 ؛ وأنظر كذلك عبدالله الفكي البشير، صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، دار رؤية للنشر، القاهرة، 2013، ص 242 وما بعدها
( ) للمزيد أنظر: محمود محمد طه، أسئلة وأجوبة: الكتاب الأول، ط1، أم درمان، يناير 1970م؛ محمود محمد طه، محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري يقدم الإسلام، ط1، أم درمان، مارس 1960م؛ محمود محمد طه، الرسالة الثانية من الإسلام، ط1، أم درمان، يناير 1967م؛ محمود محمد طه، محمود محمد طه يدعو إلى تطوير شريعة الأحوال الشخصية، ط1، أم درمان، يناير1971م.
( ) "المبحث الأول: التسمية والنشأة"، المقررات الدراسية: الباب الثاني، الفرق المعاصرة، الفصل الرابع: الجمهوريون، مصدر سابق ؛ وأنظر كذلك عبدالله الفكي البشير، صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، مصدر سابق، ص 242 وما بعدها.
( ) الباقر عمر السيد، نقض نظرية الإنسان الكامل عند الجمهوريين، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير (1414هـ/ 1415هـ- 1993/ 1994)، إشراف الدكتور شوقي بشير عبد المجيد، قسم الدراسات العليا، كلية أصول الدين، جامعة أم درمان الإسلامية، أم درمان، السودان.
( ) المكاشفي طه الكباشي، الردة ومحاكمة محمود محمد طه في السودان، دار الفكر، الخرطوم، 1987.
( ) عارف بن عوض الركابي، "سلسلة محاضرات: بيان حقيقة محمود محمد طه وفكره الجمهوري: على ماذا اعتمد من حكموا على مؤسس الحزب الجمهوري بالكفر والردة عن الإسلام؟"، (المحاضرة الأولى)، الأربعاء 18 شوال 1414/ 10 يونيو 2020، استرجاع بتاريخ 20 يوليو 2020، الرابط على اليوتيوب https://www.youtube.com/watch?v=W8kdjqi8ds8؛ عارف الركابي، "سلسلة محاضرات: بيان حقيقة محمود محمد طه وفكره الجمهوري"، (المحاضرة الثانية)، الخميس 19 شوال 1414 /10 يونيو 2020، استرجاع بتاريخ 20 يوليو 2020، الرابط على اليوتيوب https://www.youtube.com/watch?v=kcdNUf0c7RY ؛ عارف الركابي، "سلسلة محاضرات: بيان حقيقة محمود محمد طه وفكره الجمهوري"، (المحاضرة الثالثة)، الجمعة 20 شوال 1414/ 11 يونيو 2020، استرجاع بتاريخ 20 يوليو 2020، الرابط على اليوتيوب https://www.youtube.com/watch?v=JOCbWIEgwXY