القبلية مشكلة او اشكالية مزمنة وشائكة وهي بالاساس ثقافية تتعلق بالصور الذهنية الثقافية المصنوعة التي راكمها السودانيون جيلا بعد جيل عن بعضهم البعض فيما يتعلق بمصادرهم وانسابهم الصحيح منها والزائف.
فهناك وكمثال تصورات نمطية نحملها عن الجعلي والدنقلاوي والنوبي الحلفاوي والمحسي، وقبلا كنا نضع كل الجنوب في (قبيلة) واحدة لا تفرق بين الدينكاوي والشلكاوي والنويري وغيرهم.
وهكذا نجد ان ثقافة المسكوت عنه جراء التصورات الذهنية المحمولة، قد بلغت اوج مرتباتها وانشطتها الثقافية، ومنها تاليف النكات وضرب الامثال المؤذية قبليا والتي يفاخر بتأليفها طرف ظل يلعب دور المواطن السيد الذي ينتقد قبليا شمالا ويمينا ويكون هو المبرا الذهبي من العيوب الثقافية الخلقية وكانما لم يدخل داره شر ابدا. وحتى الاسماء الحية بيننا لا تخفي تفاخرا باصولها كالاشخاص المسميين على قبائلهم والمتفاعلين معنا في الواقع باسم القبيلة ( الجعلي - الشايقي- المحسي الخ ) ولكن لن تجد منهم من يكني نفسه بقبيلة بلا ضفاف، ولا قدرات تأليفية عن فرادتها وسطوة عرقها الميمون.
وتلتصق هنا مشكلة اضافية اخرى تتراكب علي ما تأسست عليه من قبلية، وهى العنصرية على اساس الثقافة واللسان فتؤذي الناس في الوانهم وسحناتهم وألسنتهم .
اعلامنا المركزي العروبي لعب دورا متقدما في اشعال هذه الفتنة الثقافية وكانت حظوظ الناس في الوصول لاجهزته ولاوقات طويلة تتصل بمدى قدرتهم على الحديث والنطق الصحيح للعربية. اما اباء الدولة السودانية الذين منهم من وضع السياسات الثقافية والاعلامية فقد تحدثوا باغراضهم ومصالحهم القبلية على بلاط السلطة عن السودان وتجاهلوا قضية التنوع الثقافي اللغوى والعرقي والديني للدرجة التي لم يكن عيبا عندهم الاساءة المباشرة او المبطنة للاخر الدون باعتماد على لعنة اعتقاد تفوقهم العرقي والقبلي والثقافي عليه.
ولم تنج جلسات البرلمان السوداني في مراحل تاريخية بالستينيات عن المطاعنات و ارسال عبارات الخط والتخفيض من الكرامة للاخر بسبب عجمة لسانه ولغته العربية المتواضعة ولسانه، فكان المقيمين ( بضم الميم) والحكام يجاهرون بشتى الاساءات والتهكم من اولئك، ولنا في واقعة محمد احمد محجوب مع فيليب عباس غبوش مثالا على ذلك.
التعليم ونظامه المبني على التجهيل الثقافي واضطهاد الثقافات قام بفتح الطريق امام المستعربين والعروبيين من اهل اللسان الفصيح او المتوهمين الهويات.وكم من نوابغ وموهوبين عقليا استبعدتهم نظم المنافسة التعليمية من الوصول لغاياتهم بسبب عجمة ألسنتهم والالحاقات الثقافية التي تعرضوا لها بسبب المناهج المنحازة لغويا.
لقد ابتلانا الله بالقبلية والعنصرية ولكن اشد ما ابتلانا به هو مكر المستعربين الذين وضعوا انفسهم كعرب العرب وفوضوا انفسهم كسكان اصليين وملاك للبلاد باعتقاد جازم وفادح بانهم مكلفين باستعراب الاخرين والحاقهم بانساب هى ليست لهم فيها ناقة ولا جمل فحكمونا بكل بؤسهم الثقافي وتزوير هوياتهم وحملونا ما لا طاقة لنا به حتى بلغ المخلوع حد الافتاء بجواز اغتصاب الدارفورية بعد ان أجاز وصحبه ابادة الملايين من الجنوبيين (المواطنيين حينها) والدارفوريين من بعد. الان لا غرابة او عجب في المشهد المتشقق، المنهار اذا كان على راس السلطة من سمى نفسه ذات ايفاد وحملة عسكرية جائرة لغرب السودان برب الفور ومن يرى دونه في ثوار الخرطوم مجرد اولاد مطاليق يستحقون القتل والفناء عن بكرة ابيهم. فالنحرر التصورات الثقافية من اساطيرها وخذعبلاتها ولنسن القوانين وفقا للبحث الثقافي والعلمي الذي لا بد ان يسبق تشييدها بدلا من ان يتسيد القانون المكتوب بخبط عشواء ومزاج ضالع في الانحياز والعنصرية البغيضة.
شارك هذا الموضوع: