في هذه الورقة أقدم بعض المقترحات حول رتق النسيج الاجتماعي وتأهيل الاقتصاد السوداني في خمسة أجزاء:
إن غالبية السودانيين يعيشون تحت خط الفقر بحسب المعايير المحلية والعالمية، لذلك فإن منح مشكلة الفقر الأولوية هي مسألة إنسانية كما هي اقتصادية. فالفقر يحد من مساهمة الفقراء في الإنتاج والاستهلاك، وبالمقابل إذا ما زاد إنتاجهم فسيزداد دخلهم واستهلاكهم وبالتالي سيرتفع الإنتاج عموما ويتوسع الدخل القومي مما يعم بالفائدة على الجميع. مع الأسف، لا يمكننا الأن أن نستند على الدولة لحل مشكلة الفقر، لأن الحكومة البائدة أفلست البلاد، ولكن علينا أن نبدأ مع الفقراء أنفسهم ونعتمد على سائر المواطنين بمن فيهم المغتربين ومنظمات المجتمع المدني لتخطي العقبات التي تعوق حل مشكلة الفقر.
إن السودانيين بطبعهم لا يستسلمون للفقر ولا يتكلون على الغير لحل مشاكلهم، وما علينا إلا أن ننظر لبائعات الشاي والأطعمة وللأطفال الذين يغسلون العربات أو يجمعون الزجاج والمواد الأخرى لبيعها.
أول ما يحتاجه المواطنون هو رفع يد الحكومة عنهم، فحكومة الإنقاذ حاربتهم بشتى الطرق من رسوم وضرائب ومصادرة لمعداتهم. ونتيجة للفساد أصبحوا عرضة لابتزاز أفراد الأمن وموظفيّ المحليات الذين في كثير من الأحوال يمنعونهم من البيع في بعض المناطق والأماكن بدعوى تجميل المدينة او حماية الأخلاق.
إن الفقر هو أقبح ما يواجه الانسان ويضغط على أخلاقه، وعليه أقترح إعفاء الرسوم والضرائب عن المواطنين محدودي الدخل والتأكد بأن الضرائب والرسوم المفروضة على من دخلهم فوق حاجز الفقر عادلة، وأن يعامل كل المواطنون بدون محاباة.
كما يجب مراقبة موظفي الحكومة والتأكد من التزامهم بتطبيق القوانين واللوائح وكذلك تسهيل الإجراءات التي تمكن المواطنين من محاسبة أي موظف يخالف القانون بمصادرة ممتلكات المواطنين أو تحطيمها. أرى أن الحرص على تطبيق هذه الإجراءات مهم لتصحيح تعامل المصالح الحكومية وموظفيها.
إن مجهودات الفقراء وحدها لا تكفي لمعالجة المشكلة، وعليه فإننا نحتاج للتكافل والتبرع والعمل الطوعي لتجاوز حالة الفقر، وهذه تقاليد راسخة في المجتمع السوداني منذ معهد القرش الصناعي والمدارس الأهلية وصولاً إلى مبادرة شباب شارع الحوادث والكثير من المنظمات الأخرى والمجهودات الفردية على نطاق القطر. معظم هذه المنظمات والمبادرات حوربت بواسطة حكومة الإنقاذ ولكنها استطاعت أن تحقق أهدافها بالرغم من كل العقبات. حتى نستفيد من هذه التجارب فإن على هذه الجمعيات إن تعقد مؤتمرا تفاكريا لتنسيق العمل بينها ولرسم خطة تمكنها من تسخير مواردها البشرية والمالية في خدمة احتياجات المواطنين.
حتى يتسنى لنا دراسة مشاكل الفقراء تمهيدًا لإيجاد الحلول، فيمكننا أن نقسم الفقراء لفئتين، فقراء المدن وفقراء الريف، وبالرغم من تشاركهما في كثير من المشاكل، إلا أنه تظل لكل فئة مشاكلها الخاصة، بحلولها المختلفة ولذا سأعرض كل مجموعة على حده.
من أهم ما يواجه فقراء المدن هو معضلة السكن. فإن الكثير منهم(خاصة النازحين من مناطق الحروب ) يعيشون على أطراف المدن في أراض يستصلحونها لإنشاء مساكنهم، ولكن حكومة الإنقاذ كانت تلاحقهم وتهدم منازلهم بدعوى أنها مبان غير قانونية، وبالتالي يفقد هؤلاء المواطنون أهم جزء من ثروتهم.
فإذا كانت هنالك أسباب مشروعة لترحيل المواطنين من مناطق سكنهم فإن على الحكومة إذن أن تعوضهم أو أن تحرص على عدم بنائهم لمساكن في تلك المناطق من البداية.
ومن الأجدر أن تخصص لهم المناطق المناسبة وتحدد رسوم التسجيل والعوائد بما يتناسب ودخل هؤلاء المواطنين.
إن أزمات السكن تواجه معظم دول العالم حتى الغنية منها. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال هناك منظمة طوعية تسمي "مأوي الإنسانية" “habitat for humanity” تبني منازلا للفقراء يتطوع في تشييدها الكثير من الشباب والمتقاعدين ومن أشهر أعضائها الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر الذي استمر في المشاركة وهو على أعتاب التسعينات من العمر كما يستغل الطلاب عطلات الدراسة للتطوع في بناء المنازل. وإني على ثقة بأن العديد من الشباب والمهنيين سيتطوعون لمساعدة الفقراء في تحسين مساكنهم والمساهمة في دفع الرسوم المتراكمة عليهم بعد مشاهدتي لتلاحم وتعاضد السودانيين بعد سقوط البشير، كما أدعو المهندسين وطلاب الهندسة للتطوع لتخطيط تلك الأحياء وأناشد الشباب التطوع لبناء مصارف المياه ودورات المياه والمواقد التي يستخدم فيها فضلات الدواب الحيوية من الروث (أنظر الرابط للفيديو في نهاية القسم) كطريقة لحماية البيئة.
أما الفئة الثانية وهم فقراء الريف، فهي تشمل مجموعتين، أولئك الذين يعيشون في مناطق الحروب والآخرين الذين يقطنون في المناطق التي لم تمسها الحرب. هنالك احتياجات عامة مشتركة لكلا الفئتين واخرى خاصة بالذين عانوا من ويلات الحرب. بدايةً سأناقش الاحتياجات المشتركة ثم أخصص فقرة للاحتياجات الخاصة بساكني مناطق الحروب.
بالرغم من أن كافة السودانيين قد عانوا خلال فترة الإنقاذ، إلا أن أهل الريف كانوا أكثر معاناة. فحكومة الإنقاذ أوقفت الإنفاق على الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وعلى الخدمات الاجتماعية كالتنمية الريفية وحماية البيئة. كما استحوذت على الأراضي الخصبة في كثير من المناطق وقامت بتأجيرها للأجانب. يجب أولا إعادة النظر في جميع عقود الأراضي المبرمة مع الأجانب إما لإبطالها أو تعديلها للحفاظ على حقوق المواطنين.
الأمر الثاني هو إصلاح التعليم. إن تاريخ التعليم في السودان يخبرنا بأن غالبية أبناء وبنات الريف الذين توفرت لهم فرص التعليم الجيد هم من أجيال الخمسينات وحتى نهاية السبعينات، وذلك كان نتاجا لنظام المدارس الداخلية حيث أوجدت البيئة الصالحة للدراسة بما في ذلك الوجبات. لقد درست المرحلتين الوسطى والثانوية في مدارس داخلية كان الطلبة فيها من شتى الطبقات الاقتصادية والجدير بالذكر أن الحائز على المركز الأول بالفصل في المدرسة الوسطى كان ابن عامل زراعي تخرج لاحقًا من جامعة الخرطوم وحصل على الدكتوراه من إحدى أعرق الجامعات الإنجليزية. مثل هذه الفرص لا تتاح لمثل هذا النابغة في وقتنا الحاضر! اقتراح آخر لتحسين مستوى التعليم هو العودة للقائمة الموحدة للمدرسين لضمان التوزيع العادل للمدرسين ذوي المؤهلات والخبرة على نطاق القطر.
إنني على علم بإن خزائن الدولة خاوية وليس في مقدورها أن توفر هذا النموذج من التعليم لكل بنات وأبناء السودان، ولكن من الممكن البدء بداخليات في مدرسة للبنات وأخرى للبنين في كل منطقة بحيث يكون الانتساب فيهما مبني على أداء الطلاب.
علينا أيضا أن نستذكر إسهامات الشعب الكبيرة في التبرع للتعليم من قرش التعليم للمدارس الأهلية في أربعينيات القرن الماضي في وقت لم يمتلك فيه المواطن أية ثروات مقارنة بالوقت الحاضر وإسهاماته أيضا في بناء المدارس بالعون الذاتي حينما كان اللواء طلعت فريد وزيرا للمعارف. كما أن هنالك علينا أن نسعى للحصول على دعم المنظمات العالمية التي تعنى بدعم التعليم في الدول النامية طالما لا يفرضون علينا شروطًا غير مقبولة.
وبالإشارة إلى ما ذكرته في أول حديثي عن فقراء الريف، فإنني في هذه الفقرة سأناقش مشاكل مواطني مناطق الحروب الذين نزح معظمهم لمناطق آمنة في المدن.
يستحق هؤلاء المواطنين حرية الاختيار بين العودة لمناطقهم أو الاستقرار في أماكنهم الحالية التي نزحوا إليها، فهذا حق مكفول لكل السودانيين أن يعيشوا في أي جزء من أجزاء وطنهم.
فمن واجبات الحكومة تجاه الذين يفضلون العودة لمناطقهم الأصلية أن تضمن استباب الأمن والتأكد بأن الشرطة والمحاكم ومنظمات الحكم المحلي بما في ذلك الإدارة الاهلية على استعداد للقيام بمسؤولياتها وأن جميع مؤسسات الخدمات من مدارس ومستشفيات ومراكز صحية قد تم ترميمها أو أعيد بنائها. قد يتطلب ذلك الكثير من الوقت والجهد فمن الحكمة عدم التسرع في عودة هؤلاء المواطنين. كما على الحكومة الاستعانة بمنظمات الأمم المتحدة وأن تسعى للحصول على المساعدات من المنظمات والهيئات الأخرى التي لا تفرض شروطا مجحفة أو تضمر نوايا سيئة.
إن المساهمة في إعادة بناء المناطق المتأثرة بالحرب هي واجب وطني على الجمعيات الطوعية والشباب وجميع المواطنين في كافة أنحاء السودان مستعيدًا للأذهان قرش التعليم في أيام الاستعمار أو التبرعات أيام السودنة. وعليه نؤكد أن علاج ما حدث لأهلنا في مناطق الحروب هو مسؤولية جميع السودانيين.
وأخيرًا، يجب أن نسلط الضوء على مجموعة من الفقراء تستحق اهتماما خاصا وهم الأطفال الذين يسمون ظلما بالشماسة. نزح معظم هؤلاء الأطفال من مناطق الحروب ومازال البعض منهم في مناطقهم دون أن يكملوا تعليمهم، إما لأن المدارس في تلك المناطق قد أغلقت أبوابها أو لأن الفقر قد أجبرهم على ترك مقاعد الدراسة لمساعدة أهاليهم في المعيشة.
يجب العمل على إعادة هؤلاء الأطفال للدراسة بعد عودة السلام لتلك المناطق. وحيث أن الكثير منهم قد لا يتمكن من الالتحاق بالمدارس التقليدية، فأقترح إنشاء مراكز للتدريب المهني ليحترف هؤلاء الأطفال المهن التي تحتاجها مناطقهم ومن الممكن بيع منتجات مراكز التدريب بحيث يخصص جزء من العائد لتغطية بعض تكاليف المراكز وجزء يدفع للأطفال حتى لا يفقد أهلهم مساهمتهم في معيشة الأسرة ويكون ذلك بمثابة حافز للأسر لإرسال أطفالهم لتلك المراكز.
بعض هؤلاء الأطفال نزحوا للمدن الآمنة هربا من مناطق الحروب إما مع أهلهم أو منفردين. علينا أولا بذل كل الجهود للم شمل الأطفال مع أهلهم وإلى أن يتم ذلك ينبغي إنشاء مراكز تؤوي هؤلاء الأطفال وتوفر لهم التعليم والتدريب المهني لتنشئتهم كمواطنين صالحين وتحفظهم من الوقوع في براثن العناصر الشريرة التي تجرهم على ارتكاب الجرائم.
بتردد شديد سأحاول التطرق لموضوع القانون والعدالة فهو خارج مجال تخصصي، ولكني أعتقد أنها قضايا مهمة لتعافي المجتمع السوداني. وأظن أن الكثير من القانونيين لهم دراسات عميقة في هذه المادة فأستبيحهم عذرا وأتمني ان نستنير منهم وأن يقودوا برامج إصلاح نظام العدالة والقوانين بعد الخراب الذي طالها طوال فترة الإنقاذ.
لا يحتاج أي شخص لمجهود ليلاحظ أن بعض أفراد الشرطة لا ينتهجون المساواة في معاملة المواطنين ويبدو ذلك واضحًا في المحاكم والسجون حيث ترى الفقراء -خاصة أبناء الهامش- يمثلون بنسبة أعلى من نسبتهم في عدد السكان. ليست كل مشاكل الفقراء مع الأجهزة القانونية ناتجة من التفرقة بل أن بعضها ناتج من ضغوط الحياة وعدم معرفة الكثير منهم بحقوقهم القانونية. وفي نفس الوقت فإن الشرطة لا تكترث لحقوق المتهمين، بل تهتم فقط بإلقاء القبض عليهم ومعاقبتهم، مطمئنين أنهم لن يحاسبوا على تجاهل حقوق هؤلاء المتهمين، بل إن الأفراد المنوط بهم حفظ وتطبيق القانون لا يضعون في الاعتبار أن حماية المتهم جزء مهم لتحقيق العدالة، وبالتالي فإن أفراد الشرطة يتخذون كل الأساليب التي تجبر المتهم على الاعتراف حتى وإن كان بريئا. ولإنهاء الإجراءات قد تمارس شتى أنواع الضغوط التي في كثير من الأحوال تتضمن التعذيب الجسدي والنفسي.
منعًا لمثل هذه الممارسات فإن من الواجب تدريب أعضاء الأجهزة الأمنية على أهمية مراعاة حقوق المواطنين وتوضيح أن تجاهل تلك الحقوق يؤثر على سير مجرى العدالة ويضر بالمجتمع. كما يجب محاكمة كل من يتجاهلها. من الوسائل التي قد تتخذ لدرء مثل تلك الانتهاكات هي التطوع للدفاع عن المتضررين، إذ للمحامين السودانيين تاريخ مجيد في التطوع في الدفاع بلا مقابل عن المتهمين -خاصة السياسيين منهم- ويا حبذا لو أصبح التطوع للدفاع عن المساكين من المتهمين جزءا من برنامج النقابة. كذلك يمكن لكليات الحقوق أن تجعل الدفاع عن الفقراء جزء من مناهج الدراسة. وكذلك من المقترح مراجعة القوانين واللوائح للتأكد بأنها تحمي حقوق كافة المواطنين.
إن النظام القانوني -بقصد أو بدون قصد- يحابي الأغنياء والطبقة الوسطى على حساب الفقراء، فكثير من الحوادث التي يرتكب فيها عامل جريمة بشعة ضد مخدم أو أسرة هي نتيجة الشعور بالغبن للظلم الذي لحق به من قبل مخدميه. فلو كانت هناك جهة يلجأ لها هؤلاء المواطنين لأنصافهم لما لجأوا للعنف. لذلك يجب على مكتب العمل أن يسهل إجراءات رفع الشكاوى ضد المخدمين.
لقد أهملت حكومة الإنقاذ ودمرت معظم المشاريع الإنتاجية كمشروع الجزيرة والمصانع وركزت على المعاملات ذات العائدات السهلة والتي لا تتطلب المؤهلات التي يفتقدها مناصريهم كاستخراج الذهب والمضاربات، وكانت النتيجة تقليص الاقتصاد وإفقار البلاد والعباد. لذلك يجب إعداد مشروع إسعافي للاقتصاد يضع الأولوية للخطوات ذات العائد السريع والتي تؤثر على حياة أكبر عدد من المواطنين.
وبالتالي أقترح أن نبدأ بالمشاريع الزراعية التي تنتج احتياجات المواطن من الغذاء والمحاصيل القابلة للتصدير كالقطن والحبوب الزيتية كما أنها تخلق فرص عمل للمواطنين الذين في أسفل الهرم الاقتصادي وبالتالي تساهم في تقليص الفقر.
المرحلة الثانية هي إعادة تشغيل المصانع المعطلة بداية بمصانع السلع الاستهلاكية لتخفيض استيراد مثل تلك السلع وتوجيه معظم العملات الصعبة لاحتياجات المؤسسات الإنتاجية. ولكن من الواضح أن الدولة لا تملك الموارد الكافية لتمويل هذه الخطة وعليه فإننا نقترح المصادر التالية:
أولا استرداد الأموال التي سرقت بواسطة أفراد النظام السابق خاصة التي هربت إلى خارج البلاد. هنالك منظمات دولية يمكن أن تساعد في ملاحقة هذه الأموال وإعادتها. كما يمكن الوصول لتسويات مع بعض أعضاء النظام السابق إذا أدلوا بإفادات تساعد بالتوصل لتلك الأموال.
المصدر الثاني هو إنشاء شركات وجمعيات تعاونية تتيح للمواطنين الاستثمار في تلك المشاريع.
المصدر الثالث هو الشركات الأجنبية التي نحتاجها للحصول على المعدات والتقنيات. أعلم أن معظم تجاربنا مع المستثمرين الأجانب لم تصب في مصلحة البلاد، ويعزى ذلك للفساد وعدم الخبرة. يمكننا تفادي ذلك مستقبلاً، إذ أننا نأمل بأن العهد الجديد سيقضي على معظم الفساد كما أن هناك الكثير من السودانيين الذين اكتسبوا خبرات كبيرة بالعمل خارج السودان يرغبون بالعودة للوطن والمساهمة في تنميته. بل أن الكثير من شباب الثورة بالرغم من أنهم لم يغادروا السودان لكنهم يمتلكون المؤهلات والطاقات الخلاقة لإدارة المؤسسات والتعامل مع أكبر الشركات العالمية على قدم المساواة ونجاحهم في مواجهة نظام الإنقاذ الغاشم خير دليل على قدراتهم.
المهم في كل ذلك هو إشراك أهل الحق من مزارعين وعمال وموظفين بالإضافة لمواطني مناطق تلك المشاريع والمؤسسات في اتخاذ القرار. خير مثال لمقدرة أصحاب الحق في إدارة شؤونهم اتحاد مزارعي الجزيرة الشرعي الذي لعب دورا رائدا في إنشاء المطاحن والمدارس.
لقد استنفذت الإنقاذ كل إمكانيات الدولة في حماية النظام وأهملت أهم الخدمات كالتعليم والصحة مما أدى لتندي كفاءة تلك الخدمات. فمثلا أصبحت المدارس الحكومية حكومية في الاسم فقط، إذ على أولياء الأمور دفع كافة تكاليف الدراسة، فكانت النتيجة سلبية على أبناء ذوي الدخل المحدود.
فمن العدالة أن تصادر كل ممتلكات حزب المؤتمر الوطني وكل الأجهزة الأمنية غير الشرعية التي أسست لحماية النظام، على أن توجه كل تلك الأموال لتحسين التعليم والصحة إلى أن يتعافى الاقتصاد.
ومن المتوقع أن تلك الموارد لن تكفي لسد العجز في التعليم والصحة، لذا أقترح أن نعود للنظام الذي ورثناه من الاستعمار، بحيث يساهم ولي أمر الطالب برسوم تقدر على حسب دخله وبالمثل في حالة العلاج فيساهم المريض بما يتناسب ودخله، على أن يعفى تماما من هم تحت معدل الفقر من رسوم التعليم والعلاج. يمكن أن نتبع هذا النظام إلى أن يتعافى الاقتصاد ويتحسن دخل الدولة ومن ثم الوصول إلى مجانية التعليم والعلاج.
كما ذكرت في نقاش معالجة الفقر فإن العمل الطوعي ومساهمات الشباب والمقتدرين ستكون عوامل مهمة في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. كما يمكن استقبال المتطوعين من جميع انحاء العالم -خاصة الشباب- إذ أثارت الثورة السودانية إعجاب شباب العالم وتأييدهم، فكم من مسيرة بمناسبة عيد العمال أول مايو قد عبّرت عن تأييدها لثورة السودان وإعجابها بشبابه وفتياته لجسارتهم وإبداعهم.
أما بالنسبة للسكة حديد والكهرباء والمياه، فاقترح الاتفاق مع حكومات وشركات الدول الإسكندنافية واليابان على تمويل المعدات، على أن تدفع تكاليف تلك المعدات بأقساط من صافي إيرادات السكة حديد والكهرباء والمياه. يعزى ذلك لأن الدول الإسكندنافية واليابان أقل تدخلا في شئون الدول الأخرى من بعض المؤسسات العالمية، كما أن تخصيص جزء من صافي الإيرادات سيعطيهم الضمانات لتسديد الديون.
إن الفساد هو أكبر خطر على البيئة حتى في أيام الديمقراطية، وحتما يزداد الوضع سوءً تحت وطأة الدكتاتوريات. فالفساد يمنع تطبيق القانون ومعاقبة المخالفين.
ومن أمثلة الفساد قطع الأشجار لإنتاج الفحم، فمنذ أيام الاستعمار تم منع القطع العشوائي وكانت عقوبته تصل لمصادرة الشاحنة الناقلة للفحم. أما اليوم فإن زرت أي سوق شعبي في السودان ستجد كميات هائلة من الفحم بالرغم من الآثار السلبية للتصحر والواضحة في كل أرجاء السودان خاصة في غربي البلاد.
لقد اقترحت آنفًا في جزء محاربة الفقر استعمال المواقد (الكوانين بالدارجية السودانية) والتي يستخدم فيها الروث لإنتاج الغاز وهي مواقد بسيطة باستطاعة أي حداد في أبسط قرية سودانية أن ينتجها. بدأ استخدام هذه المواقد في الهند وتستخدم الآن في بعض الدول الأفريقية مثل كينيا. قد ينجح هذا الحل في حماية البيئة بينما فشلت القوانين التي تهدد بعقوبات صارمة دون أن توفر بديلا لاحتياجات الناس.
إن ضعف الموارد المالية لشريحة المواطنين المستهدفين بهذا الإقتراح قد يقف حاجزًا أمام تقبلهم لفكرة استخدام هذه المواقد بالرغم من شرح فوائدها، لذا فإن السبيل لإقناعهم هو التركيز على تخفيض التكاليف على المدى البعيد بأن تكون أقل تكلفة من الفحم أو الحطب، كما يمكن دعم تصنيع تلك المواقد بتخفيض تكلفة الحديد.
من المسببات الأخرى لمشاكل البيئة هو تلوث المياه الجوفية نتيجة الصرف الصحي من المصانع والمنازل. بالنسبة للمصانع فيجب التأكد من أنها مزودة بالمعدات لمعالجة المياه قبل التخلص منها. لقد بدأت العمل في منتصف الستينات بقسم الصناعة بوزارة التجارة والصناعة والتموين والتعاون وقد كان من مسؤوليات القسم التأكد بأن المصانع العاملة والتي تحت التشييد لديها المعدات الكافية لمعالجة تلوث المياه. مشكلة تلوث المياه من الصرف الصحي تعاني منها معظم الدول النامية خاصة الدول ذات الكثافة السكانية العالية كالصين والهند، وقد تبرعت منظمة بيل ومليندا غيتس لتمويل اختراع دورات مياه صحية لمعالجة مشكلة تلوث المياه من الصرف الصحي. (أنظر الرابط للفيديو في نهاية القسم). بالطبع سيكون هناك حاجة لتمويل دورات المياه هذه.
ومن المشكلات التي تواجه البيئة أكياس البلاستيك التي تنتشر في الشوارع والأشجار وتتسبب في قتل كثير من الحيوانات خاصة الأغنام. لقد حلت الأكياس محل القفاف وأكياس القماش التي يمكن إعادة استعمالها. لإيجاد حلول لهذه المشكلة يمكن استخدام الطريقتين المستخدمتين لتوجيه التصرفات الإنسانية وهما الترهيب والترغيب.
الترهيب في هذه الحالة هو فرض ضرائب عالية علي الأكياس ليجد الناس إن فائدة إستعمال الأكياس لا ترقى إلى تكلفة شراءها.
أما الترغيب فيكون بشراء الأكياس المستعملة كما يحدث لقوارير المشروبات التي يمكن إعادة تدويرها أو إعادة استعمالها عدة مرات. لا أدرى إن كان يمكن إعادة صهر البلاستيك المستعمل وإعادة استعماله. وفي حال عدم إمكانية إعادة استخدامه لأسباب تتعلق بالصحة فمن الممكن شراؤه بمبالغ بسيطة قد يكون أقل من تكلفة الخسائر التي يسببها للبيئة ولصحة الإنسان والحيوان.
ويمكن جمع تبرعات من المهتمين بمشاكل البيئة بما في ذلك من المنظمات العالمية التي تهتم بالبيئة لشراء الأكياس المستعملة
شارك هذا الموضوع: