عيد فطر سياسي مأساوي بامتياز … كفانا غشا بالثورة ومحواً لمفردات كتابها
ما جرى بعد أفطار رمضان الذي دعت له منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر يعد جريمة نكراء اخرى. واقعة بغيضة جديدة تنضم الى وقائع تاريخية سابقة في سياقات خيانة المؤسسة العسكرية لشعبها.
هذه المرة وقعت الواقعة دونما لبس. لم تكن هنالك قوات عسكرية أخرى او مليشيات مسلحة ولا مجال لتزوير المشاركة. افراد القوات المسلحة هم من أطلقوا النار على تجمع الثوار والثائرات وأسر الشهداء. أطلاق النار لم يتم في الهواء الطلق بل في أجساد المحتجين والقنص عليهم دون أن يرمش لهم جفن.
الحدث الدامي يرسل عدداً من الرسائل المهددة لمرحلة الأنتقال و التحول الديمقراطى. أول تلك الرسائل تُحدثُ عن عدم أهلية القوات المسلحة بتركيبها الحالى وعقيدتها القتالية الماثلة الأفعال للإنخراط في اي عملية للسلام والإندماج مع غيرها من حركات مسلحة في ما يسمى بالجيش القومي. فالمؤسسة او الجيش الذي يطلق النار على شعبه يرى في الشعب عدوا أستراتيجيا له وهو ذات الشعب الذي خرجت منه حركات الكفاح المسلح وغيرها من قوى سياسية ومدنية غير سياسية ساهمت في تفجير الثورة.
واذا ما خرجت لنا غدا قيادة القوات المسلحة ببيان تعتذر فيه عما وقع وتتهم جهات متفلتة أو توصف ما (حدث) بالسلوك الفردي فهى ستذر الرماد في العيون وتتهرب من مسؤلياتها بتحرى الكذب الصراح فقد سمعت آذان الثوار والتائرات عبارات ثورتكم فشلت من أفواه الجنود الذين لا يمكن أن يكونوا سوى جنوداً مسيسين مدجنين.
ما تم ما كان له أن يتم لولا توفر إذونات وأوآمر من جهات عليا بأطلاق النار، خاصة وأن أفراد الجيش ومؤسستهم وقيادتهم لا يزالون تحت قصف الأتهام بالضلوع في مجزرة فض الإعتصام السيئة السمعة والمتهمة فيها و بجانبها الكتائب، والمليشيات ، ورجالات الأمن من غرفة العمليات مما يرجح كان تحكيم العقل لديهم وإستبعاد أستخدام الذخيرة في مثل مناسبات كهذه.
الرسالة الثانية تفسر عدم أحترام المؤسسة العسكرية لاى جهة سياسية أخرى مشاركة لها في العملية الأنتقالية. فأطلاق الجيش للرصاص هو ودون ريب اطلاق رصاص على الحكومة المدنية الأنتقالية، هذا ان لم يكن ما جرى يعد إحراجا حاداً وصريحاً لكافة القوى السياسية وتعريضها لحرارة النقد والأساءة من قبل جماهير الثورة، ويكشف خواء التكوينات المستحدثة كمجلس الشركاء، ومجلس السيادة، ولجنة الدفاع وفقدانها لاى مصداقية.
اما الرسالة الثالثة فتشير الى أرتباط أطلاق الرصاص بأجندة سياسية مضادة للثورة والتغيير من قبل النظام البائد عبر منسوبيه في الجيش من أفراد ورتب وسيطة كجزء من عمليات الأعاقة السياسية التى تزداد يوماً بعد يوم في طريق تحقيق الثورة لمطالبها وأهدافها.
الرسالة الرابعة تتعلق بمحاولة إضعاف المعنويات وضرب الروح الثورية للثوار والثائرات وخلق الفتنة بينهم وبين الحكومة المدنية وعلى رأسها رئيس الوزراء والمطالبة بإقالته إن لم يكن الأمر الدفع به للاستقالة.
الآن نحن على واقع جديد يختلف عما سبق وهنالك أكثر من مستجد قد طرأ.
الآن تهتز العلاقة بين كافة المكونات والشكوك تكاد تذهب تجاه النزاهة السياسية للقوات المسلحة التي تتصرف قياداتها بنحو واضح للإستفراد بالسلطة والنيل من المدنيين بتهميش أدوارهم ووضعهم في الركن القاسي والطرف الأضعف في العلاقة.
ما حدث يشكل مدعاة حيوية لإعادة شمل قوى الثورة وإتحادها وتوحدها من جديد على أسس وطنية واضحة وبتمثيل عادل للممثلي الثورة من الثوار والثائرات بداخلها.
اما الرسالة الخامسة فقد أرسلها لنا الإداء المخيب للإجهزة الأعلامية. فأسوأ ما تمت ملاحظته في الساعات الأولى لما بعد أطلاق النار وسقوط الشهداء كان في الأداء الإعلامي المضاد للثورة من قبل أجهزة إعلامية مرئية في مقدمتها تلفزيون السودان الذي لم يتكرم في البدء بنقل الإفطار ومخاطبته دعك من عدم قطعه لبرامجه وفتح المجال لتدفق الأنباء والأخبار من موقع الحدث. اما قناة سودانية 24 وعلى الرغم من أفضلية مواقفها في مجمل علاقتها بالثورة والتغيير الا أنها أخطأت هذه المرة. فقد مررت القناة بيانا من ما سمت نفسها بلجنة مصابي ديسمبر التي أفادت في عاجل لسودانية ٢٤ عن أستشهاد أثنين من ( المواطنين ) بسبب التدافع في محيط القيادة؟
هل يعقل أن يكون هذا التصريح للجنة مصابين أم لجنة دفاع عن ذات قتلة يعملون في ظروف أعلامية بالغة الشمولية بطاقة قصوى ما قبل تدشين خدمة الأنترنت؟ فيما بعد القناة صححت القناة ما ورد ونفت صحته متبوعاً بأضافة من تجمع المهنيين ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه عن مدى تحقق القناة من مصادرها الخبرية وسيطرتها على مصداقيتها ؟ المثل الشائع يقول أن العيار الذي لا يصيب بيدوش وهذا ما يتناسب هنا مع ما فعلته أدارة القناة وحان الأنتباه له.
وكالة أنباء السودان لم تكن أقل سوءاً من تلفزيون السودان. فقد أنضمت سونا لجوقة الأعلام الحكومي الرسمي الذي لا ينحاز للحقيقة و تنقل حدث الأفطار والمواكب الرمضانية وتسكت عن خبر يملأ الأسافير ويطير بجناحيه على بلدان العالم عن أستشهاد ثائرين بطلقات نارية من قبل القوات المسلحة.
لقد تنفس الأعلام الشمولي الضارب بخذلانه بنحو أخرج روائح نتنة في وجوه الناس وكل ما نخشاه أن يستمر في غيبوبته وأحتفالاته بالنحو المعتاد الذي سيحاول الهاء الناس عن كل ما جرى.
أمام قوى الثورة مهام عسيرة من أهمها تفكيك كل الدولة من أجهزة عسكرية وأمنية وشرطية ومدنية من الأسلامويين وأعضاء المؤتمر الوطني، تفكيك الجهاز العدلي وتمكين أقضاء والعدليين من الثوار والمنحازين للثورة وأهدافها من المساهمة في التخلص من ذلك الأرث البغيض.
السؤال المركزى حاليا عمن يستفيد من كل ما يحدث في الأجهزة الرسمية بجانب اللجنة الأمنية؟ و لماذا نحكم على شعب خرج يتلقى زخات الرصاص بصدور عارية من أجل أسترداد كرامته بالموت السياسي والأعلامي معا في مرحلة عالية الحساسية كهذه في تاريخه ؟
اذا ما كانت هذه الحكومة حكومة ثورة كما يطلق عليها سادتها ويسميها تحالفها فكان من الواجب أن يشارك السيد رئيس الوزراء ومجلس وزرائه الأفطار الرمضاني لأسر الشهداء ومن ثم يتقدمون معهم الى قيادة القوات المسلحة لتسليم مذكرة مطالبهم العادلة. ذلك كان أكرم لهم من إضافتهم كمشاركين في القتل وأطلاق الرصاص على الثوار العزل والثائرات الماجدات.
أن الدولة القاتلة المذنبة هى التي لا تنكس أعلامها في مثل هذا الظرف الدقيق ولا يذهب رئيس وزرائها ووزرائه لتقديم العزاء لأسر الضحايا. اما القوى السياسية الصامتة عن الجريمة النكراء فلا عزاء لها ولا ميزة في بقائها.
يبقى أن أفضل ما نرد به على القوى البغيضة من عسكريين ومدنيين مساندين للقتل و البطش والتعنيف بأبناء وبنات شعبنا إقامة صلاة العيد بساحة الأعتصام والبقاء فيها للمعايدة الى أن يكتب الله فتحا لتحقيق العدالة وكل مطالب الثورة.
كتب علينا عيد فطرسياسي مأساوي بإمتياز وعلينا تحويل الدموع والأحزان الى طاقات تسهل إنجاز مهام الثورة بمنتهى الدقة والحزم.
والى جنات الخلد كافة شهداء الثورة السودانية.
شارك هذا الموضوع: