تزامن لقائي القصير به في العام ٢٠٠٦ في ذات يوم مغادرتة المدينة عائدا إلي الخرطوم ، فجاء الامر كترحيب متأخر ووداع برفقة السلامة ، حملني علي ذلك عشق لفنه و دافع آخر ارتبط بأحداث لم أكن من حضورها زمنا لكن هي السير الخالدة تمشي بين الناس بهامة عالية ، زيارته كانت برفقة الرئيس الجنوب افريقي السابق ثامبو امبيكي ضمن جهود الاتحاد الافريقي لتفقد الاوضاع بعد اندلاع الصراع المسلح بدارفور ، حيث أحيا حفلا بمعسكر ابوشوك للنازحين بشمال دارفور ، تلك الزيارة مضت أحداثها لتكشف وجه آخر لعلاقته بمدينة الفاشر ، لكني لم اكن الوحيد الذي هم لوداعه بمطار الفاشر اثناء انتظاره إعلان الصعود للطائرة المتجه إلى الخرطوم ، حيث كان بصالة كبار الزوار وحوله عدد من قادة السلطة الحاكمة آنذاك في سياق برتوكولي لوداعه و لا سيما بعد ان غادر امبيكي و تأخر هو لأحياء حفل ثاني بمباني الإذاعة بالفاشر ، إستاذن كيلا من مجالسه علي اليمن ان يفسح المجال للزائر الثاني و الذي ما ان توهط حتي دفع احد الحضور بسؤال مستكشفا سر العلاقة التي دفعت ذاك الزائر ليحرص علي وداعه قبل المغادرة ؟
التفت الزائر نحو كيلا لتحمل لغة الجسد إحالة السؤال الي كيلا لفك طلاسم الإجابة ، التي كشفت الي بدايتها في 1976 حين شرف كيلا الفاشر في زيارة فنية بدعوة من المكتب التنفيذي لنادي النهضة الثقافي الاجتماعي بحي كفوت بمدينة الفاشر أحيا خلالها حفلين بمدن الفاشر و نيالا ،ثم زيارة ثانية بمشاركة من فرقة الفنانة عواطف سليمان ايضا تلبية لدعوة من ذات نادي النهضة أحيت فيها الفرق حفلين بكل من الفاشر و الجنينة ، مكن عائد الزيارتين من شراء مقر النادي الحالي بعد ان كان يشغل دار موقتة بمنزل الراحل زين العابدين محمود المقر الحالي لمدارس زين العابدين الخاصة بالفاشر ، بعد حفل مدينة الجنينة واصلت الفرق الي مدينة انجمينا التشادية في زيارة فنية استثمرت الفرقة عائدها في شراء الات عزف نحاسية من دولة تشاد ،الزائر الاخر هو الاستاذ بدوي محمد او " بدوي التوم " احد اعضاء اللجنة التنفيذية السادسة لنادي النهضة في العام ١٩٧٦ التي جاءت الزيارات الفنية تلبية لدعواتها ،حيث شغل الشفيع محمد احمد " أزرق " رئاسة المكتب التنفيذي الي جانب عضوية اخرين ، علي سبيل المثال لا الحصر محمد الحبيب علي بدوي " الحبيب " ،الأخوين عبدالرحمن نصر و عمر نصر " أولاد نصر " و محمد علي حمدالنيل " حمدالنيل " والرشيد امام علي ، كما ساهم في تسهيل الاتصال والسفر مجموعة انحدرت اصولهم من حي كفوت بالفاشر من المقيمين بالخرطوم ٱنذاك وهم الراحل محمد زين العابدين " حسبو " ، حسين إمام علي " الكوتش " و تاج السر محمد بدوي .
إلتقط بدوي قفاز الحديث مضيفا الي أن كيلا هاتفه فور وصوله ليعلمه بأن رحاله حطت بالمدينة بالإضافة إلي أجندة زيارته الفنية ، إكتملت الاجابة علي التساؤل في صيغة كشفت حيويتها صفحة من تاريخ فني و إجتماعي ظل قيد الشفاهية ، قادت في إقتدار إلي الربط بين زيارتي كيلا للفاشر (1976 – 2006) ثلاثين عاما حقب زمنية كشفت التراجع السالب الذي دفعت اليه السلطة البلاد فقبل ثلاثة عقود كان الفن داعم للحراك المدني ، الحفل الخيري الاول مسرحه سينما الفاشر الوطنية الذي يبعد حوالي خمسة كيلومترات من معسكر ابوشوك للنازحين ، في عرض حال للاستقرار الذي ساد السودان آنذاك ، المدنية و رقة الحال و اللطف و مالات ما أفرزته سياسات المغول من هدر للكرامة و الحق في الحياة فكمال عثمان كيلا لم تقف حائلا أكاديميته حيث تخرج من كلية الحقوق بجامعة الخرطوم من أن يصبح احد الرواد السودانيين الذين احترفوا فن الجاز.
السنيين العجاف التي ادخلت السلطة السابقة البلاد انعكست تراجعا فصمت عري المدينة النسبية التي كانت تكابد النهوض بعد ان قطع عليها العسكر الطريق مرتان عقب الاستقلال ، لكن اثر سياسات الكيزان فاقت حدود تخيل الذاكرة فتعاملوا مع الوطن و شارعه ملكية حزبية فسارعوا إلي تموين المليشيات التي سلحت بالبارود والسلوك القح من نسخ متعددة لتعيد ترسيم قواعد الاخلاق و معايير الجمال وفق انساق من صلصال الإسلام السياسي ، خطواتهم التي كانت تطأ الأرض في خيلاء مزهوة بشهوة الإستخلاف و التمكين بالضرورة لم تأبه سيكولوجيتها بالرفض الضميري لفرض أنساق سلطوية علي الخيارات ، فمضت في غيها ألي تكوين فرق شرطية (الشرطة الشعبية ) للإعادة صياغة الانسان السوداني فكسرت" رج " رقبة التطور المرتجى لكافة نواحي الحياة في فضاءها العام والخاص ، فتراخت الاوتار حين غيبت غلظتهم حرية الكلمة و اللحن .
رحل كيلا في الثاني من يناير ٢٠٢١بالخرطوم عن عمر ناهز ال ٧٣ عاما بعد ان اثري الوجدان السوداني مغنيا بالعربية و الإنجليزية ، رحل وكانه كان علي موعد مع ثورة ديسمبر المجيدة ، فسلام عليك في الخالدين ولمثلك تعزف الموسيقي احتراما و سلاما و وداعا .
شارك هذا الموضوع: