ولا نقول الكيزان، فالإسم الشائع هو الجبهجية منذ جبهة الميثاق وما تلاها حتى استيلائهم على السلطة ذات ليل حين كان رئيس وزراء الديمقراطية الصادق المهدي غارقاً في حفلة آل الكوباني فوجد نفسه حبيساً في كوبر وتلك حكاية اخرى ، الشاهد أنّ موالاة الجبهجية كانت ذات يوم في بدايات الحكومة البائدة شرف يسعى له الساعون ويهرول له المهرولون ويلهث له اللاهثون، حتى باتت كلمة (جبهجي) مفخرة للكثيرين من المتشبهين والمتشبهات والمستفيدين والمستفيدات والانتهازيين والانتهازيات والمتسلقين والمتسلقات وفي ذلك حكاوي وحكاوي.
ولذلك كان مدهشاً مع بداية ثورة الشباب هذه أن يقفز الكثيرون من مراكب النظام البائد ليلتحقوا بالعهد الجديد وهم معروفون إسما ورسماً ومواقع ومواقف لعامة الناس حتى لحظة كتابة هذه السطور من الوزراء إلى الخفراء وما بينهم، والمثير للدهشة كذلك هو مقدرة البعض على النفاق والتلوُّن بطريقة مقززة جداً هي واحدة من مساوئ الشخصية السودانية التي أقعدت بهذه البلاد طويلاً وآن الوقت لاجتثاث ظاهرة النفاق ليس المجتمعي فحسب وإنما النفاق السياسي المتجذر الباحث عن المصالح الشخصية الضيقة من اليمين لليسار بلا مبادئ ولا اخلاق.
وليس غلواً حين نقول اجتثاث ظاهرة النفاق في مجتمعنا، فكشفها وتعرية ممارسي ظاهرة النفاق كفيل بمحاصرتها وتقليلها حتى اجتثاثها من حياتنا التي نأمل أن تعود كما كانت قبل عهد المتأسلمين الذين غرسوا في قطاع عريض من مجتمعنا ممارسات لم تكن مألوفة لدينا والنماذج ماثلة.
وذاكرة الناس الجمعية تحفظ أسماء من كانوا في قاع المجتمع وتلك ليست مشكلة طالما هم يعيشون بين الناس باخلاقهم المرعية ولكن فجأة قفز هؤلاء بالزانة بين ليلة وضحاها على عتبات (التمكين بالدين) وتلك اللحي الدائرية المزيفة والاخلاق الأكثر تزييفاً بحثاً عن مكاسب ومناصب، ولذلك رغم سنوات البشير الثلاثين لكنه انهار كما تنهار بيوت الرمال بطريقة دراماتيكية تنبئ عن الأساس الاجوف الذي قامت عليه سلطة النظام البائد وتعالت ثم ما لبثت أن انهارت لضعف مقومات تأسيسها وهذا معلوم حتى للنظام البائد نفسه الذي حشد كل من هب ودب ووجد في ذلك الآلاف من ناقصي المواهب والمقدرات والاخلاق والفاقد التربوي، ولذلك النظام البائد هو أول من حفر نهايته بيديه باكراً حين استقطب ذلك النمط من المهرولين الذين ملأوا مفاصل الدولة من أعلاها لأدناها جعجعة وفساد ونفاق.
أحدهم كان يحمل درجة إكمال المرحلة المتوسطة وعندما أرادوا ذات عام هيكلة مشروع الجزيرة المغدور غيلةً جاء هذا الفاقد التربوي ضمن لجان الهيكلة منتصف التسعينات وهو لا يفقه أبجديات التنظيم الإداري الهيكلي ليفتي ضد هذا وضد ذاك من كفاءات مشروع الجزيرة التي نالت أعلى تأهيل وخدمت عشرات السنوات ثم يأتي مثل هذا الفاقد التربوي ليقرر ضمن لجنة قاصرة إقالات بالجملة للعنصر البشري وتقييد صلاحيات الإدارات برمتها بل وإلغاء بعضها مما وضع المشروع في منحدر لم يسلم منه بعدها.
مثل هذا الشاب الذي كان وقتها مفتوناً بوظيفته الجديدة التي ما كان ليحلم بها مجرد حلم كان يهرف صباح مساء بما لا يعرف جيئةً وذهاباً في أروقة الجزيرة بورد (عندنا هيكلة عندنا هيكلة) وعلى جهله المقنن ذاك شارك فعلاً في عمليات الهيكلة المزعومة.
ونواصل في حكاوي الجبهجية.
شارك هذا الموضوع: