نحن والشفافية.. والفساد

د. محمد قسم الله محمد ابراهيم - 23-08-2020
نحن والشفافية.. والفساد |  د. محمد قسم الله محمد ابراهيم

صدر في مطالع هذا العام 2020 التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية (تقرير مؤشر مُدركات الفساد) عن وضع الفساد في العالم خلال العام الماضي 2019م، وكعادتنا احتلّ السودان موقعه في ذيل القائمة التي تتكون من 180 دولة، تصدرت الدنمارك ونيوزيلندا مؤشر معايير الشفافية والنزاهة بين دول العالم بينما تصدرت الإمارات العربية المتحدة الدول العربية بنسبة 70% من مؤشر النزاهة في المركز 21 عالمياً تلتها السعودية، ثم سلطنة عمان وكلها حققت معدلات مرتفعة وفقاً للمعيار العالمي والتصنيف الدولي للنزاهة ومكافحة الفساد، بينما كانت المؤخرة (طيش العالم) من نصيب ستة دول بين كل دول العالم نال منها السودان للأسف واحد من الثلاثة مقاعد الأخيرة متفوقاً فقط على اليمن والصومال بينما سبقتنا من بين الدول الأسوأ في النزاهة العراق وسوريا وليبيا.
منظمة الشفافية الدولية منظمة مجتمع مدني مستقلة مقرها في ألمانيا وتهتم المنظمة وفقاً للتعريف بها (أنها تقود الحرب على الفساد، وتجمع الناس معاً في تجمع قوي للعمل على إنهاء الأثر المدمر للفساد، وخلق تغيير نحو عالم من دون فساد)، وقد اعتادت المنظمة إصدار تقارير سنوية ترصد مقاييس مستوى النزاهة والفساد في الدول التي يشملها التقرير، وتشير التقارير إلى انه ليست هنالك دولة خالية تماماً من الفساد، وتقول إنّ استشراء الفساد تعود مسبباته إلى عدم الاستقرار السياسي في المقام الاول كما هو الحال عندنا وفي الدول المتذيلة للقائمة الدولية، كما أنها تعزي الأسباب كذلك إلى ذهاب جزء كبير من الميزانيات للتسليح لمقابلة النزاعات والحروب الداخلية مما يجعل موارد ضخمة نهباً للفساد، كما أنّ الحزبية الفئوية المسيطرة على مقاليد الحكم واحدة كذلك من مسببات الفساد بل وحمايته والتدخلات السياسية تجد طريقها هنا وهناك في تعطيل مسارات الرقابة وإبطال جدواها كما يحدث في مؤسسات القطاع الحكومي عندنا بطريقة مؤسفة جداً.
ومن نافلة القول إنّه إذا استمرت معدلات الفساد في الاتساع فإنّ ربقة الفقر والبؤس المجتمعي ستتسع بطبيعة الحال فالعلاقة طردية باعتبار الموارد التي تتسرب حتف الأنوف لجيوب الفاسدين وهي موارد على قلتها لا تجد التوظيف السليم والتشغيل الأمثل الذي يمكن أن ينتج بعضاً وليس كل الحلول في المعضلة الاقتصادية الازلية ليس في السودان فحسب ولكن في كل الدنيا التي تعاني من جدلية المشكلة الاقتصادية النسبية بين ندرة الموارد المحدودة (limited resources) والحاجات الانسانية غير المحدودة (unlimited needs).
النتيجة التي حصلنا عليها وتصنيفنا بين الدول الأسوأ والأعلى معدلات فساد تجعلنا لا نطمئن على مستقبلنا الاقتصادي ناهيك عن مستقبل الاستقرار السياسي، فمحور الرحى يرتبط بالاستقرار الاقتصادي الضامن الوحيد لأي إنطلاقة نهضوية مأمولة، كما انّ هذا التصنيف المتدني بل والمخجل جداً يجعل حكومتنا تجد عنتاً فوق العادة للحصول على ثقة الممولين ليس المقرضين إنما المانحين الذين سيفتقدون الثقة والحال هكذا إلى أنّ اموالهم ستمضي للمشروعات المقترحة بل سيكونون على يقين انها ستهرب لجيوب المسئولين الحكوميين والمنتفعين من أشياعهم في نادي الفساد بصورة مباشرة او غير مباشرة.
أما التحدي الحقيقي فهو ليس في تعزيز مؤسسات الرقابة العاجزة عن النظر لكل المشهد المتآكل بفعل الفساد في المنظومة الاقتصادية الكلية ، بل يجب تزويد هذه المؤسسات بالقوانين الصارمة الكفيلة بإنجاز المهام المرسومة علاوة على تدعيمها بالعناصر الكفؤة التي يمكن بها ابتدار طريق طويل وشائك نحو استرداد بعضاً من سمعتنا المفقودة في ميادين الشفافية الدولية.