الباقون علي النكوص .. العصيون علي الإنتقال( الحلقة الثانية)

جبير بولاد - 04-12-2020

.. في الحلقة السابقة، بعد ترحمنا علي السيد الصادق المهدي، كنا قد أكدنا حقيقة و ما نزال نؤكدها أن الصادق المهدي في شخصه و أسرته محط محبة و إحترام ، و لكننا نود هنا أن نجترح و نشجع علي الفصل في البيئة و الذهنية السودانية علي الفصل بين الشخص .. الفرد ، كشخص عادي مصون ، حين نتناول سيرته بين الناس و بين ذات هذا الشخص عندما يقحم تاريخه الشخصي و يصبح هذا التاريخ ملتحم بسيرة السودان و السودانيين في شأنهم العام و ماضيهم و مستقبلهم، أي يدخل ضمن تاريخ الوطن و ما لهذا التاريخ ، و عند هذه المنطقة تباح، بل من الأصح أن تكون منطقة استقصاء و استبصار و مساءلة نقدية، لأن في ذلك جزء كبير من التاريخ الجمعي و نتائج هذا التاريخ الجمعي علي حاضرنا سلبا و إيجابا و هنا يجب لضرورة الاستفادة من التجربة و التعلم من عثراتها أن نقف عليها وقوف الكيميائي في معمله .
.. هنالك حديث و معلومات كثيرة متوفرة حول ميلاد الصادق المهدي و نشأته و طفولته و تاريخ أسرته و السيادة المتوارثة و …الخ، كل ذلك مبذول في مظان كثيرة لا نود أن نضيع زمن القارئات و القراء الكرام فيها و لكننا بأزاء مناقشة ما توفر للصادق المهدي من هذه التركة و ما قيده له الزمان والمكان و ماذا فعل بهذه التركة التي من شأنها أن تحدث فرقا نوعيا في حياة من توفرت له .
_ تركة البيت المهدوي و الطائفة كطاقة بشرية نشطة و مأمورة.
_ التعليم الممتاز و الحديث .. فكتوريا و أكسفورد .
_ فرص السلطة السياسية و الدستورية لمرتين في ظروف مختلفة/مرتبطة .
_ تفرغه التام منذ وقت مبكر للتأمل و الكتابة و الحكم .
.. منذ ان توفي المهدي جد الصادق 1885 و الي ميلاد الصادق إبن الحفيد 1935 هذه أربعون سنة كانت كل امور البيت المهدوي تتكاثف لصالح الصادق كونه الوريث الذي سوف يدخل السياسة من أوسع أبوابها بعد أقل من ثلاثين عاما من عمره لتنضاف السنون الي سبعون سنة من تجربة و تطور و إستمرار البيت المهدوي الذي أسسه الجد المهدي علي أثر ثورة لن
ندخل في تفاصيلها إلا أنها بقت في ذاكرة السودانيين و كتبهم الي الآن مثار جدل عميق .
.. دخل الصادق بميراث سبعون عاما من البيت المهدوي و ميراث السيادة الإجتماعية و السلطة الروحية و ميراث التعليم الغربي الحديث، يا الله! يا تري كم في تواريخ الأفراد ضمن تواريخ البشر توفرت له كل هذه الأمور المرتبة حتي ليقول المرء أن من توفرت له لابد أنه أمام امرين لا ثالث لهما، أما أن يكون أعظم شخصية في تاريخ شعبه بأستثمار تلك الهبات الموروثة و المكتسبة و أما أن يطير ثم يقع علي عنقه أثر التهاويم التي تعتري من اورث هذه الأمجاد . . علي كل حال ، سننظر فيما يأتي من حديث و بقية نقاط فيما ساقت أليه هذه الهبات الموروثة و المكتسبة في شخصية الصادق و عقله و ترجمة هذا العقل في حياة السودانيين السياسية و الثقافية!
.. في أمر الطائفة الموروثة و الممتدة جغرافيا و اجتماعيا ، كانت أمام الصادق فرصة تاريخية للنهوض بهذا الكيان و الإنتقال به بما توفر له من تجارب تاريخية الي براحات عظيمة ، كونه ابن البيت المهدوي و معاصر الجد الثاني (السيد عبد الرحمن ) ثم الأب (الصديق ) و ايضا بما توفر له من تعليم حديث و مفاتيح معرفية .. هذا الوضع من المفترض أن يخلق عقلا جدليا .. عقل يدرك أن الطائفة كمرحلة تاريخية تلت مرحلة القبيلة هي أيضا الي زوال لتتحول الي حزب قومي كبير / حداثوي يمثل تطلعات السودانيين للنهوض بوطنهم موفور الموارد و الطاقات و ينقصه فقط عقل يجيد اقتناص الفرص و قدرة علي اعمال المقارنة و قراءة الواقع افقيا و رأسيا ! عقل تفرغ جل عمره للقراءة و التأمل و يتبعه كيان بشري نشط و لديه عقيدة فيمن يقوده !
لكننا نري علي النقيض تماما قام الصادق بالتشبث برابطة طائفية الكيان به و الاحتفاظ بروحه العقائدية الماضوية و أيضا ابقي علي جهل مناطق كثيرة تتبع لهذا الكيان ليحتفظ به كقاعدة ميكانيكية و عدة لربح جولات الانتخاب التي تعقب الديكتاتوريات الطويلة و المرهقة و التي للمفارقة كان هو من سهل مهمة هذه الديكتاتوريات مع عوامل أخرى و لكن يبقي العامل الأكبر لعودة الديكتاتور ذو البزة العسكرية المسنود برغبة الجماهير في التغيير من بعد فشل مريع من قبل من يدير الفترة الديمقراطية و هذا ما حدث بالضبط للسيد الصادق المهدي، و كثيرون الآن من ساسة و مثقفين و أكاديميين يريدوننا أن نقبر هذه الحقائق التاريخية مع الصادق داخل قبة المهدي الجد .
.. نواصل في الحلقة الثالثة