في الأنباء تمت إحالة د. امل الفاتح للصالح العام دون تحديد مسببات لذلك ، و هي قيادية نسائية شابة لقسم الصحة العالمية ، قدمت مثالا متميز بالتعاون و العمل المشترك المؤسسي إبان جائحة الكرونا في ٢٠٢٠
ولا ندري على أسس مهنية او اي تقييم انبنى هذا القرار، ولكننا لا نستغرب هذا الإجراء في ظل غياب المؤسسية في كثير من إجراءات التعيين والإعفاء.
إن أهم الأسباب التي ساهمت في اندلاع ثورة ديسمير السلمية تمثلت في انعدام الحوكمة، والمؤسسية، وانتشار الفساد الإداري، والمالي، و التمكين الايديولوجي في الخدمة العامة. وقد ساهم هذا الخلل في فشل هذه المؤسسات التابعة للدولة، وانعكس سلباً على تقديم الخدمات للمجتمع بتنوعاته السكانية، والطبقية، والجندرية. وقد كان الاختيار للموظف العام طوال الثلاثة عقود الماضية يتم بناءً على ولائه في خدمة السلطة، وليس للوطن، حيث غابت الكفاءة المطابقة للوصف الوظيفي، وهي أهم شروط الحوكمة الراشدة في الدولة.
وبعد مرور عامين من قيام المجلس التنفيذي، وفي غياب المجلس التشريعي، وعدم اختيار قيادة مؤهلة للسلطة القضائية، مع إضافة العديد من التغييرات علي الوثيقة الدستورية المعنية بتنظيم عمل السلطات في خلال الفترة الانتقالية، نعود إلى التساؤل عن أسس الحوكمة في اختيار موظفي الخدمات العامة، والذي هو قائم بالضرورة على المعايير المهنية المنضبطة، والفرص المتساوية، والكفاءة في العمل.
الثابت أنه عند التساؤل عن التحفظات عما آلت إليه الخدمة العامة أثناء الفترة الانتقالية ترددت كثيراً المخاوف الأمنية من اختيار الموالين للنظام الحاكم السابق، وقد لاحظنا أن الاختيار يتم دون تطبيق الأسس المعلومة الصحيحة للإجراءات الحكومية المعنية بشفافية التعيين.
علي الجانب الآخر، جميعنا يدرك التباطؤ في تفكيك نظام الثلاثين من يونيو في القطاع العام، وكمثال على ذلك وزارة الصحة مما انعكس على تدني مستويات الخدمة الصحية، و ندرة الدواء، و ارتفاع تكاليف العلاج، وسفر المرضى للخارج طلبا للعلاج مما يكلف الدولة مبالغ هائلة. كذلك لاحظنا التخبط في الاختيار، والتعيين، والإعفاءات، دون توضيح المسببات، أو تقديم تقييم عملي، وحقيقي يعكس مستوي الأداء، او معرفة رأي مستخدمي الخدمة. ولكل هذا يبدو الأمر كاختيارات عشوائية تعتمد علي العلاقات الشخصية، والحزبية، أو ما يعرف بالمحاصصات، والتي تحظى باولوية أعلى من المصلحة العامة.
وفي ظل هذا الأسلوب غير المؤسسي المطبق، والمتكرر، علي مدار الفترة الانتقالية من خطأ في الاختيار، ثم إعفاء دون توضيح، لابد أن نتسأل: كيف يمكننا أن نؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، و تأسيس خدمات عامة مؤهلة، وحقوق متساوية لقطاعات المجتمع كافة؟
لا شك أن هناك تحديات كبرى لنجاح الانتقال الديمقراطي في ظل الأزمة المؤسسية التي تمنع استعادة خدمات عامة مميزة للمجتمع، ونرى ان هناك حاجة قصوى لدعم القيادات الثورية المؤهلة وتمكينها من تحقيق شعار الثورة المعني بالعدل، وهو من اهم عوامل الحصول على حوكمة مستدامة. فالعدل مطلوب أيضا في تقديم الكفاءات الشبابية النسائية في مقابل الاهتمام الذكوري بتقصير فرص التوظيف على الرجال.
وللاسف رغم مساهمة المراة المميزة في الثورة وتقدمها مواكب التظاهر ضد النظام البائد سوى أن هناك تجاهلا لتحقيق المساواة في التوظيف وهذا من يقوض اسس الحوكمة التي تقوم على التنوع الجندري لمقتضى الحاجة في التوظيف.
بالرجوع إلى قانون الخدمة المدنية لسنة 2007 الفصل السابع (تقويم الاداء)، والفصل الحادي عشر (انتهاء وإنهاء الخدمة وإجراءاتها) لا نجد أي التزام، أو تطبيق، لهذه البنود علي نسبة عالية من الإعفاءات التي تمت في الفترة الانتقالية. ولكل هذا لا نزال في انتظار مخرجات نشاط اللجنة العليا لإصلاح الخدمة المدنية، خصوصا أن
الثلاثة عقود من الاستبداد حولتها إلى خراب، ومحسوبية، وفساد، فضلا عن ذلك اصبحت مهجورة من الكفاءات النزيهة التي هاجرت، وبالتالي تبقى حوكمة الخدمة المدنية أمرا محوريا لنجاح الانتقال الديمقراطي.
شارك هذا الموضوع: