تناولنا في المقال الأول من هذه السلسلة عن مصطلح الحوكمة، ومفاهيم أخرى متعددة عن الحوكمة الشاملة، والفاعلة. كما تطرقنا في المقال الثاني لأهمية رفع الوعي المجتمعي بهذه الأسس، وتطبيقها على مختلف المستويات، وذلك بوعي أفراد المجتمع على ذلك، وتكتمل هذه المرحلة عبر ادخال مفاهيم الحوكمة وتدريب الطلاب عليها في المناهج التعليمية.
هذا المقال يتناول حقوق المواطنة التي نص عليها دستور الدولة، ومختلف المعاهدات الدولية، والتي يرتكز عليها نجاح، أو فشل، النظام الحاكم والمنظومة السياسية بأكملها من أحزاب سياسية، ونقابات، ومنظمات مجتمع مدني.
فهذه الحقوق تقدم للمواطن والمواطنة، في الغالب الأعم عبر مؤسسات الدولة، وبتمويل من الاموال العامة من الضرائب. يجب أن تخاطب أولويات المجتمع، وتسعى لتحقيق رفاهيته.
مؤسسات الخدمة العامة هي واجهة نجاح أو فشل سياسات المنظومة السياسية، وتعكس بصورة حقيقية وجود أو غياب أسس الحوكمة من قيادة متجددة، والشفافية المستحقة، والمساءلة والمحاسبة الضروريتين، ومحاربة نُذر الفساد، وكذلك التمييز الإيجابي، ووجوب احترام الاختلاف وحمايته، ودعم سانحات التنوع، ورضاء مستخدمي الخدمة، ومشاركتهم في تقييم الأداء.
لقد ظل مقدمو الخدمة العامة، أو ما يعرف "بأعوان الخدمة" على مر التاريخ في مختلف بقاع العالم مثالا يحتذى به في الالتزام بأخلاقيات الخدمة العامة من النزاهة، والكفاءة، وخبرة التواصل، وجودة العمل، وحسن إدارة الموارد. وعندما تغيب هذا الصفات فما هي إلا انعكاس لغياب أسس الحوكمة على مختلف قطاعات الدولة، وتحديدا السلطة الحاكمة المضلعة بالمسؤولية الوطنية.
إن ما يعيق التنمية المستدامة في كثير من دول أفريقيا هو إهمال عمل خدمات عامة فاعلة ومنتجة. أضف إلى ذلك عدم تقنين الخدمات الخاصة بل اختيارها كبديل للخدمات العامة لتقديم الخدمات الأساسية للمواطن بتكلفة باهظة، تلك التي ترهق الدولة والمواطن معا. ومن دون شك هذا الأمر يوثر سلبا على قطاعات محددة من المجتمع مما يزيد من فجوة العدالة الاجتماعية.
علي سبيل المثال نذكر خدمات الحكم المحلي، والبلديات المعنية بنظافة الأحياء، وصحة البيئة. فهي مثال عملي لأهمية تقديم هذه الخدمات من القطاع العام القومي، ومراقبة الأداء، لأن فشل هذه الخدمات من عوامل انتشار الأوبئة الفتاكة مثل مرض الكوليرا. ولا يمكن أن نقلل من أهمية وجود خدمات قطاع خاص، ولكن بفهم أن تقدم خدمات محددة ومحصورة وليس العكس.
فخدمات الصحة الأساسية الوقائية، والعلاجية، والتأهيلية، وكذلك خدمات التعليم العام هي من أساسيات، وأولويات أسس الحوكمة، وحقوق الإنسان. ويجب الا تكون مصادر ربحية تجارية للقطاع الخاص. فعليه أن تقدم بصورة أساسية عبر القطاع العام ..
والجدير بالذكر فان العديد من التجارب الافريقية الناجحة كانت استعادة الخدمات العامة الفعالة و المنتجة في مرحلة الانتقال الديمقراطي وجعلها بندا محوريا في استراتيجية و خطة العمل
لهذه الدول. كما اثبتت هذه التجارب أهمية الاستعانه و مشاركة مهاجري هذه الدول في حوكمة مؤسسات الدولة وتدريب الكوادر العاملة
وختاما رفع الوعي المجتمعي بأسس الحوكمة، والمبادئ الأساسية لها، هو الهدف الذي تسعي له منظمة برامج الحوكمة السودانية لأن ضمان نجاح الانتقال الديمقراطي في السوداني يعتمد على مشاركة الجميع. وذلك بمعرفة الحقوق، والمطالبة بها، ومعرفة الواجبات، وتنفيذيها، فضلاً عن تحديد مواصفات المواطن الصالح والمواطنة الصالحة، آملين في خاتم المطاف في تحقيق شعارات الثورة "حرية، سلام، وعدالة"، ومدنية خيار الشعب.
د سارة ابراهيم عبدالجليل
استاذة طب الاطفال و صحة الطفولة
عضو منظمة برامج الحوكمة
www.governance-programming.org
Reg No 0901
Sudan
شارك هذا الموضوع: