تعويم الجنيه السوداني تم فعليا ولن يجدي في معالجة الخلل الاقتصادي!!!

محمد محمود الطيب حسن النور - 11-02-2021

أدمنت هذه الحكومة "المعزولة" عن الجماهير والبعيدة عن نبض الشارع اُسلوب الخداع والتضليل حتي اصبح السلوك السائد لها في التعامل مع ابسط الأشياء وهذا السلوك في الخداع والمراوغة يعكس تماما ابتعاد هذه الحكومة عن نبض الشارع وابتعادها عن الثورة وعدم ارتباطها بأهدافها٠وأثبت الأيام والشهور الماضية من عمر الثورة حقيقة الفشل الذريع في معظم الملفات لاسيما ملف الاقتصاد ومعاش الناس٠
وبرز هذا الفشل في وضع وتنفيذ ميزانية العام الاول للثورة 2020 والتي كانت ميزانية كارثية بكل المقاييس ويتكررهذا الفشل الان في ميزانية هذا العام والتي لاتبشر بخير ابدا ومضت في نفس خط ميزانية العام الماضي والتي تستند تماما علي التطبيق الكامل لروشتة صندوق النقد الدولي وستكون ميزانية العام 2021 مجرد إكمال لما تبقي من بنود روشتة صندوق النقد الدولي خاصة التطبيق الكامل لتحرير سعر صرف الجنيه او تعويم الجنيه السوداني وبالتالي استمرار معاناة الشعب السوداني الذي عاني الكثير من اخفاقات الحكومة وفشلها المتكرر٠
الكل يعلم الان ابتعاد هذه الحكومة عن تحقيق أهداف الثورة في جميع المجالات والتزامها بتنفيذ اجندة خفية لخدمة مصالح الطفيلية المتأسلمة وفلول النظام الكيزاني وفق صفقة يعلمها القاصي والداني الا وهي صفقة "الهبوط الناعم" وكذلك تعمل هذه الحكومة لخدمة مصالح محاور دولية واقليمية بشكل واضح للجميع٠
الكل يعلم الان ان الحكومة تتعامل وبشكل غير معلن مع السوق الأسود اسم الدلع " السوق الموازي" وظهر ذلك جليا في الاتي:
اولا/ محاولة الحكومة تجميع المبالغ المطلوبة للتعويضات الامريكية وهي عبارة عن مبلغ 335 مليون دولار وقامت الحكومة بشراء كميات كبيرة من الذهب وتصديره مما ادي لأرتفاع سعر الدولار وصرح بذلك "حميدتي" متهما الحكومة برفع سعر الدولار بسبب هذه العملية٠
ثانيا/ سمحت الحكومة للقطاع الخاص الطفيلي أستيراد وتصديرالسلع الاستراتيجية عن طريق السعر الحر للدولار مما يعد تقنين واعتراف رسمي بسعر السوق الأسود في تعاملات الحكومة وهذا يعني بالضرورة تعويم الجنيه او التحرير الكامل لسعر الصرف بصورة خفيه٠
ثالثا/ تتعامل محفظة السلع الاستراتجية والتي تتكون من مجموعة من الشركات والبنوك التجارية والإسلامية الطفيلية والتي سمح لها بأستراد السلع الاستراتجية خاصة الوقود وتصدير الذهب والمحاصيل الهامة علي ان يتم التعامل في كل هذه العمليات بسعر الدولار في السوق الموازي اَي تقنين رسمي لعملية تعويم سعر الصرف٠
رابعا/ أعلنت الحكومة التحرير الكامل لأسعار الوقود وتسعير المحروقات حسب السعر العالمي اَي التعامل بسعر السوق الموازي للدولار حتي البترول المنتج محليا وهو مايعادل نسبة ال 75% من الاستهلاك المحلي وتقوم الحكومة ببيع المحروقات للمواطن بسعر الدولار في السوق الموازي وحققت الحكومة من هذه العملية أرباح خرافية علي حساب المواطن المغلوب علي امره٠
خامسا/ الآن تعلن الحكومة عن إجراءات لتشجيع جذب تحويلات المغتربين وشراء الدولار منهم عن طريق البنوك التجارية بسعر المستوردين والمصدرين اَي بسعر السوق الموازي وهذا يعني التعويم بعينه٠

بدأ التحايل والاستهبال علي المواطن منذ استلام هذه الحكومة مقاليد الحكم واتضح تماما ان هناك ضبابية وعدم وضوح في الرؤية خاصة في البرنامج الاقتصادي وكان ذلك اكثر وضوحا في تناقض التصريحات بين المسؤولين٠
ففي قضية رفع الدعم مثلا صرح رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أنه
"لن يتم رفع الدعم عن السلع الاساسية دون موافقة الشعب" وفِي نفس الوقت تجد تصريحات وزير المالية والذي أعلنها داويه قبل أدائه القسم "أن دعم السلع الاساسية يعد اكبر التشوهات في الاقتصاد السوداني" رغم انه لاحقا حاول ان يتحايل ويعلن ان رفع الدعم او "ترشيد الدعم" كما يحلو له ان يسميه سيتم تدريجيا وسيكون مطبقا علي البنزين فقط ولن يشمل الجازولين والخبز والكهرباء ثم تراجع عن ذلك لاحقا٠
وكذلك قام وزير المالية السابق بنقص الاتفاق الذي تم بينه وبين اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير القاضي بتأجيل قضية رفع الدعم علي ان تناقش في المؤتمر الاقتصادي واتضح لاحقا اُسلوب الخداع والتضليل من رئيس الوزراء نفسه والذي علي مايبدو انه كان علي اتفاق تام مع وزير المالية ولكنه كان يتظاهر وكأنه ضد رفع الدعم ومع جماهير الثورة وعلي مايبدو انه كان يتحدث بلسانين لسان حاله للاستهلاك المحلي ومخاطبة جماهير الثورة ولسان وزير ماليته البدوي لمخاطبة منظمات التمويل الدولية خاصة صندوق النقد الدولي٠
ولَم تكن وزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي أحسن حالا في التنكر لمطالب الجماهير والالتزام بالتطبيق الحرفي لروشتة الصندوق فأكملت ما بدأه البدوي وتنكرت لأتفاقها مع اللجنة الاقتصادية أن لا تتضمن الميزانية المعدلة رفع الدعم عن السلع الاساسية ورغم توصيات المؤتمر الاقتصادي الذي أكد على عدم رفع الدعم دون ان يسبق ذلك إجراءات اقتصادية شاملة تهدف إلى إصلاحات في الهيكل الاقتصادي والتحكم في التضخم وإجراء إصلاحات أساسية في سعر الصرف ولكنها لم تضع أدنى اعتبار لكل ذلك وكان جل همها التجهيز لمؤتمر المانحين وتأكيد التزامهم بتنفيذ خطة صندوق النقد الدولي٠

ماهو التعويم وماالهدف منه؟؟
تعويم العملة يعني ببساطة أن يحدد السوق وقوى العرض والطلب
سعر صرف العملة الحرة بدلا من البنك المركزي٠
هناك نوعان من انواع التعويم

التعويم الحر او المطلق: تحديد سعر الصرف يتم بصورة تامة وفق آلية العرض والطلب وقوى السوق مع عدم تدخل البنك المركزي الا في حالات خاصة وتحت ظروف معينة استثنائية٠ يوجد هذا النوع من التعويم في بعض البلدان المتقدمة كالولايات المتحدة وأوروبا وكندا واليابان٠

التعويم المُدار: الأكثر شيوعا في العالم وهنا نجد ان سعر الصرف يتحدد وفق آلية العرض والطلب وقوى السوق ولكن يتدخل البنك المركزي لتوجيه سعر الصرف في اتجاهات مستهدفة عند الحاجة كاستجابة لبعض المؤشرات الاقتصادية لتحقيق أهداف السياسة النقدية المعلنة٠
نظام سعر الصّرف العائم لا يعني بالضرورة عدم تدخّل الدولة مطلقا في سياسة سعر الصرف في الواقع نجد ان معظم البنوك المركزيّة تتدخل في تحديد سعر الصرف الذي يمكنها تحسين أداء الميزان التجاري٠
والغرض من تعويم العملة بصفة عامة هو التخلص من تعدد أسعار الصرف والتخلص من السوق الموازي وكذلك جذب تحويلات المغتربين وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر٠

أسباب تعويم العملة!!!

الأساس النظري لسياسة التعويم يستند على المدرسة النقدية لميلتون فريدمان والمدرسة الكلاسيكية وجوهر هذه المدرسة ان حرية جميع الأسواق كفيلة باعادة التوازن وفق الأسعار الحقيقية ويشمل ذلك تحرير جميع الأسعار -أسعار السلع والخدمات، أسعار الفائدة، أسعار العمل (الأجور)، أسعار النقد الأجنبي (أسعار الصرف)٠
والافتراض الأساسي للنظرية النيوالكلاسيكية مبدأ كفاءة الأسواق وحرية الحركة الكاملة لرأس المال والعمالة والسلع ووفق هذا الافتراض أن التعويم سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى وبالتالي إلى تعزيز القوة التنافسية وهذا سيؤدي الي زيادة الصادرات والحد من الواردات ويقلل من عجز الميزان التجاري ويعود إلى حالة التوازن. والمنطق نفسه يعمل في اتجاه عكسي في حال وجود فائض تجاري إضافة لأسباب أخرى تبرر التعويم كجذب الاستثمارات الاجنبية وجذب تحويلات المغتربين٠
هناك الآلاف من البحوث والأوراق بل حتى توصيات المؤتمرات عن هذا الموضوع كذلك التجارب الماثلة أمام العيان في الكثير من الدول والتي اثبتت التجارب فشل هذا المودل الاقتصادي تماما٠
ان هناك دراسة حديثة تمت بواسطة خبراء اقتصاديين برئاسة كبير الاقتصاديين في صندوق النقد بعنوان:
"IMF Warns that currency devaluations will not fix the country’s economic problems "

تجدها في هذا الرابط
https://www.cnbc.com/2019/08/21/imf-warns-currency-devaluations-will-not-fix-economic-problems.html

وخلصت الدراسة للآتي:

A 10% depreciation on average improves a country’s" trade balance by around 0.3% of GDP within a 12 month period, primarily through contracting imports, the trade is largely invoiced in dollars. Over a three years span, increase to a 1.2% of GDP improvement in trade balance as export respond more meaningfully to exchange rate movements, thought the “ full expenditure switching effects” remains relatively modest"

وهذا يعني ان تخفيض العملة الوطنية بنسبة 10% قد يؤدي الي زيادة في اجمالي الناتج القومي بنسبة ضئيلة الغاية اقل من الواحد في المئه في المدي القصير بتأثيرها المباشر علي تقليل الصادرات فِي المدي المتوسط في خلال ثلاث سنوات ربما يزيد تأثير تخفيض العملة علي زيادة أجمالي الانتاج القومي بمايعادل 1.2% فقط ويعتمد هذا التأثير علي مرونة الطلب علي الصادرات والواردات٠
وهذا يؤكد بان هناك شروط لاختبار فعالية تخفيض او تعويم العملة حتي لأقتصاديات الدول المتقدمة والتي تلعب التجارة الدولية دورا هاما في مكونات أجمالي الناتج القومي لاقتصادها من هذه الشروط الاتي:

اولا/ اهمية قياس مرونة الطلب الصادرات والواردات وتطبيق مبدأ مايعرف في الاقتصادي الدولي
"Marshal/-Lerner Condition"
والتي تشترط لفعالية ونجاح تخفيض سعر الصرف علي الميزان التجاري يجب قياس مرونة الطلب علي الواردات ومرونة الطلب علي الصادرات والتأكد من ان حاصل مجموعهما يجب ان يكون اكثر من واحد صحيح٠

ثانيا/ ليكون تخفيض العملة المحلية مبررا يجب ان يكون حجم القطاع الخارجي (الاستيراد والتصدير) لإجمالي الناتج المحلي كبيرا مقارنة مع بقية المكونات وهل هناك معلومات وإحصائيات عن حجم النشاط الاقتصادي للقطاع الخارجي؟ وكم تمثل كنسبة لإجمالي الناتج العام؟ وهل تبرر هذه النسبة تخفيض او تعويم الجنيه ومايتبعه من تكلفة وإشكاليات اهما التضخم الجامح الماثل للعيان الان؟

ثالثا/ نسبة التخفيض هل تتناسب مع مايتوقع من فوائد واضرارهل تمت دراسة شاملة "Cost-benefit" لتقارن بين الفوائد المتوقعة والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية لتخفيض العملة الوطنية؟

رابعا/ هناك عوامل اخري هامة غير سعر الصرف تؤثر علي حركة الصادرات والواردات منها التسويق والعلاقات التجارية وغيرها من العوامل الغير سعرية هل تمت دراسة شاملة لمعرفة مدي تاثير تلك العوامل علي السياسة الاقتصادية المعلنة؟

خامسا/ التوقيت مهم في قرارالتخفيض وتختلف النتائج حسب الظروف اذا كانت الدولة في حالة انكماش او تضخم او كما في حالة السودان حالة الكساد التضخمي الجامح فالتخفيض في هذه الحالة يودي قطعا الي إشكالات كبيرة نتحسس اثارها كل يوم هل تمت دراسة هذا الاثر؟

سادسا/ The second round effect of multiplier and accelerator
التأثير الثانوي للمتغيرات الاقتصادية الناتجة عن زيادة الإنفاق الحكومي والضرائب علي زيادة اجمالي الناتج القومي وتأثير تخفيض سعر الصرف علي هذه العملية هل تمت دراسة ذلك التأثير؟٠

في حالة السودان يمكن دحض كل هذه الأسباب النظرية لتبرير تعويم الجنيه علي النحو التالي:

اولا/خفض العجز التجاري وخفض الدين الاجنبي عن طريق زيادة الصادرات والحد من الواردات ففي حالة السودان يظل العجز التجاري عجزا هيكليا فالطلب علي الصادر السوداني من المحاصيل الزراعية طلبا غير مرن ولايستجيب لتغير السعر ويعاني الصادرالسوداني من مشاكل غير متعلقة "بالأسعار" مثل مشاكل الانتاجية والترحيل والاسواق والمياه والمخصبات وعلاقات الانتاج٠فعجز الميزان الخارجي يحدث لقلة الصادرت، وزيادة الواردات لأسباب هيكلية لا علاقة لسعر الصرف بها فمعظم الصادرات السودانية الزراعية والحيوانية او حتي التعدينية تعاني من مشاكل في الانتاج وتدني الانتاجية وضعف التسويق والتمويل الداخلي والخارجي وهي مشاكل لاتحل بواسطة تعويم سعر الصرف اما الوردات ستظل كما هي سلع كمالية تخدم الطبقة الحاكمة الطفيليه بكل بساطة فالصادرات السودانية كالقطن والصمغ العربي والذهب تعاني من مشاكل في جانب العرض والانتاج نتيجة لاختلال البنية الهيكلية للأقتصاد الطفيلي وتخفيض سعر الصرف قد لايكون له اثرا كبيرا وذو تاثير محدود في تحفيز الصادر٠
اما الواردات فتنقسم الي سلع وخدمات كمالية مثل العربات والاثاثات وادوات التجميل والسفر وعادة ما تستورد هذه السلع الطبقة الطفيلية المسيطرة حتي الان ولم تتم ازالتها من المشهد وهي سلع قليلة المرونة في الطلب ولاتستجيب للسعر فعند تخفيض قيمة الجنية وغلاء سعر الدولار يظل الطلب علي هذه السلع ثابتا بفضل تمكن الطبقة الطفليلية من السيطرة علي الاقتصاد، اما الوردات الاخري فهي سلع وخدمات ضرورية للطبقات الفقيرة كالأدوية ومدخلات الانتاج الصناعي والزراعي والسفر للخارج للعلاج والدراسة وهي ايضا سلع هامة وذات طلب غير مرن وسيطلبها الموطن مهما زاد سعرها نتيجة تخفيض قيمة الجنيه، وهذا يثبت ان تخفيض الجنيه في حالة الاقتصاد السوداني غير فعال ويتنافي مع الاساس النظري لروشتة الصندوق والتي تستند علي فرضية تخفيض العملة ستؤدي الي تحفيز الصادر وتقليص الوراد وبالتالي تقليل فجوة العجز الخارجي لميزان المدفوعات، بل بالعكس التخفيض يؤدي الي اثار تضخمية وانكماشية خطيرة٠واذا افترضنا جدلا ان التعويم يمكن ان يزيد حصيلة الصادرات فنسبة الصادرات لاجمالي الناتج العام في الاقتصاد السوداني لاتتعدي نسبة 8% سنويا٠

ثانيا/ استهداف معدلات التضخم في السودان حسب الجهاز المركزي للإحصاء في السودان إن معدل التضخم السنوي في البلاد ارتفع إلى 254% في شهر نوفمبر (2020 اخر احصائية) ٠
من اهم اسباب ارتفاع معدل التضخم بدرجة أكبر اعتماد البلاد الشديد على المنتجات المستوردة باهظة الثمن بسبب تخفيض سعرالعملة ومن اسباب التضخم ارتفاع تكاليف الانتاج وزيادة الضرائب والجمارك علي السلع او مايسمي بتضخم جانب العرض 'Cost Push Inflation'٠

ثالثا/ تشجيع تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية فوزير المالية السابق صرح عن فقدان تحويلات المغتربين التي تقدر بأكثر من 4 مليار دولار، وستفقد البلاد اكثر واكثر لسبب عدم الثقة في النظام وغياب السياسات التحفيزية المناسبة حتي الان٠
يقدر جهاز السودانيين العاملين بالخارج عدد السودانيين المهاجرين بنحو 6 ملايين كانت تحويلاتهم للعام 2019 حوالي 150 مليون دولار فقط مقارنة بنحو 3.1 مليار دولارفي العام ٠2008

رابعا/ تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وفي هذا الاطار الاستثمار لا يجذب بسعر الدولار فقط ولكن يتم بتوفير المناخ الملائم من سياسات وقوانين وبنية تحتيه قوية من طرق ومؤاني ومصادر طاقة كهربائية دائمة وغيرها من الاساسيات٠

من التحليل اعلاه يتضح جليا ان المسوغات النظرية لتطبيق سياسة التعويم لاتنطبق علي حالة السودان تماما لامن حيث التنظير ولا التنفيذ بل علي العكس تعتبر (Counterproductive) اي معيقة وحتما ستؤدي لنتائج عكسية وكارثية مثل ارتفاع معدلات التضخم بدرجات غير مسبوقة اضافة الي الكساد الحاد في معظم القطاعات الانتاجية كما اجمع عليه معظم الاقتصاديين٠
ويتمثل الهدف الاساسي للحكومة من تحرير سعر الصرف في تمكين البنك المركزي بتوفيراكبر قدر من الدولار من المغتربين لتمويل الصرف علي الواردات ومدخلات الانتاج والتي تخدم الطبقة الطفيلية المسيطرة حتي الان٠
والهدف الثاني يتمثل في الانصياع التام لشروط صندوق النقد الدولي فسياسة التحرير الاقتصادي وتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي كانت ومازالت ديدن الميزانية المقدمة بواسطة وزير المالية حتي الان٠

التعويم سيكون لها عواقب كبيرة على الاقتصاد الوطني وسيكون عرضة لتقلبات الاقتصاد الدولي والأقليمي فعند ارتفاع اسعار البترول في السوق العالمي علي سبيل المثال سيضعف من قوة العملة المحلية مقارنة مع الدولار وفي حالة انكماش الاقتصاد الدولي سيؤثرذلك علي حجم الصادرات والتي تعتبر من اهم عوامل قوة العملة الوطنية٠
والجدير بالذكر حتي خبراء صندوق النقد الدولي يحذرون من العجلة في تنفيذ سياسة التعويم الشاملة لخطورة مايترتب عليه من اثار كارثية سياسية واجتماعية٠

تجربة مصر في تعويم الجنيه!!

ورد في الانباء الاتي:
كشف وزير المالية المصري محمد معيط عن أن "بلاده نجحت في الحفاظ على معدل نمو 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في ظل أزمة كورونا، بينما تراجعت غالبية مستويات النمو لمعظم الدول، ولم يتجاوز معدل البطالة المستوى الذي كان عليه في العام المالي 2017 – 2018، عندما سجل 9.6 في المئة نهاية يونيو الماضي".
ولفت إلى أن "مصر استطاعت خفض العجز الكلي للناتج المحلي إلى 7.9 في المئة خلال العام المالي الماضي مقارنة بـ 8.2 في المئة عام 2018-2019".
كما أشار إلى خفض نسبة الدين للناتج المحلي لتصل إلى 87 في المئة في نهاية يونيو الماضي، مقارنةً بـ90.4 في المئة في يونيو 2019، وكذلك 108 في المئة في يونيو 2017." انتهي

كل المؤشرات والارقام الايجابية اعلاه والصادرة من وزير المالية المصري تؤكد تماما ان تقييم الاداء يعتمد علي الجهة التي تقيم ففي هذه الحالة نجد وزير المالية يركز علي مؤشرات معينة لتحقيق اهداف معينة٠
لذلك عندما نريد تقييم تجربة الصندوق في مصر او اَي مكان اخر يجب ان نضع في الاعتبار الاتي
اولا/ من هو المتحدث وعن ماذا يتحدث ولماذا يتحدث هكذا وما الهدف لأن في هذا الامر الكثير من الانحياز والموقف الايديولوجي المتعصب في بعض الأحيان٠
ثانيا/ في التجربة المصرية تجد جماعات المصالح والمستفيدين من سياسات التحرير الاقتصادي وهذا الجماعات تتكون من منظمات التمويل الدولية والمستثمرين الإجانب والمحلين والمصرفيين ورجال الاعمال وموظفي الحكومة والبنك المركزي وبعض المهنيين والأكاديميين من المؤمنين بسياسات التحرير٠
ثالثا/ غالبا مايكون التقييم والإشادة بمعايير الأداء الجيد في مؤشرات الاقتصاد الكلي الاساسية مثل معدل نمو الناتج القومي مستوي التضخم والعطالة وعجز الموازنة والميزان التجاري وحجم الاحتياطي من النقد الأجنبي٠
رابعا/ يتم تجاهل مؤشرات اداء القطاع الاجتماعي وشبكات الضمان الاجتماعي والصرف علي الدعم النقدي المباشر للاسر المتأثرة من رفع الدعم ومعدلات مستوي الفقر والصرف علي التعليم والصحة والخدمات الاجتماعيه٠
خامسا/ تجاهل مستوي اداء قطاع الانتاج الحقيقي في قطاعات الزراعة والصناعة والبنيات الاساسية ويتم التركيز علي قطاع الخدمات مثل القطاع المصرفي وقطاع الفنادق وتجارة التجزئة٠
فإذا نظرنا الي اداء المؤشرات الأساسية في الاقتصاد المصري بعد تطبيق سياسات الصندوق فنجد الاتي:
معدل نمو اجمالي الناتج المحلي 5.3% وهو تحسن طفيف نسبيا ولايستحق كل هذه التضحيات والمعاناة من جانب الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل٠
عجز الميزانية ارتفع ليبلغ 8.2% من اجمالي الناتج المحلي مستوي التضخم انخفض مقارنة مع العام 2019 ليبلغ نسبة 5.1%
الدين الخارجي ارتفع ليبلغ 125.3 ملياردولار حتي سبتمبر 2020
وأذا نظرنا الي اداء القطاع الاجتماعي والدعم المباشر للطبقات الفقيرة فنجد ارتفاع معدل الفقر الذي بلغ 33.4 % ومستوي العطالة والذي بلغ 9.6% إجمالي قوة العمل٠
اما القطاع الانتاجي في القطاعات الهامة فنجد الاتي:
يقول وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، " ان الصادرات المصرية،ما زالت ضعيفة بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، واستيراد المواد الخام بسعر دولار مرتفع مقابل الجنيه، مما أدى عدم ارتفاع الصادرات، كما ان سعر الفائدة مرتفع جدًا، وهو من اعلى أسعار الفائدة عالميًا، مما لايشجع الاستثمار بالشكل المطلوب.
وطالب النحاس بضرورة دعم الصناعة المحلية، لزيادة التصدير من خلال حوافز جديدة وخفض تكلفة الإنتاج من خلال خفض قيمة الغاز للمصانع، حتى تتمكن من المنافسة خارجيًا، حيث أن هناك العديد من المنتجات أرخص في بلد المنشأ من أن يتم استيرادها من مصر، فمن الطبيعي لا ننجح في تصديرها" انتهي
هناك عجز في الميزان التجاري بلغ 29 ملياردولار حتي اكتوبر2020
حيث بلغت الواردات 51 مليار دولار والصادرات بلغت 22 مليار دولار
سعر الفائدة ارتفع ليصل الي 8.25% وكذلك ضريبة الدخل ارتفعت لتصل الي 22.5% وكذلك ضريبة الشركات والتي بلغت 22.5% ايضا٠كل هذه المؤشرات السلبية تؤكد حقيقة الوضع في مصر بعد التطبيق الكامل لتعويم الجنيه المصري٠

يعتبر توحيد سعر الصرف النجاح الوحيد لتجربة مصر في تعويم الجنيه كما يؤكد بعض الاقتصاديين ولذلك أسباب موضوعية خاصة بالحالة المصرية ولايمكن تعميمها علي السودان نلخصها في الأتي:

اولا/ موقف الاحتياطي من العملات الحرة في مصر كان معقولا خاصة بعد الحصول علي 12 مليار دولار عقب توقيع الاتفاق مع صندوق النقد اضافة لوجود ودائع دولارية من دول الخليج عندما نفذت مصرسياسة التعويم كانت تتمتع باحتياطي من العملات الحرة يقدر بأكثر من 30 مليار دولار٠
ثانيا/ النظام المصرفي في مصر قوي الي حد كبير وله خبرة تراكمية خاصة في التعامل الدولي والاقليمي وكذلك نجد فيه الانضباط والصرامة مما يزيد من الثقة وتعامل المصريين العاملين بالخارج معه في تحويل اموالهم او حتي فتح حسابات ادخار بالعملات الحرة٠
ثالثا/ حجم تحويلات المغتربين في مصر ضخم مايقارب 27 مليار حسب اخر احصائية وهذا يعكس ثقة المصريين في التعامل عبر القنوات الرسمية وربما يعكس أيضا وجود حزم تحفيزية لجذب مدخرات العاملين في الخارج وايضاً نلاحظ ان المصريين عموما يستفيدون من فترة الهجرة والتي غالبا ماتكون لفترة محددة ويكون فيها التركيز علي إقامة مشاريع استثمارية في مصر لذلك يتعين عليهم ضرورة التعامل عبر القنوات الرسمية للاستفادة من الاعفاءات والحوافز الحكومية لتشجيع الاستثمار والادخار والتحويلات الرسمية٠
رابعا/ تتمتع مصر بمصادر قوية للعملات الحرة مثل قناة السويس
(6 مليار) وتحويلات العاملين بالخارج ( 27 مليار) والصادرات حوالي (22 مليار) و الاستثمار الأجنبي المباشر حوالي (16 مليار) وعائد السياحة حوالي ( 8مليار) دولار سنويا٠
كل ذلك يساهم في استقرار سعر الصرف واختفاء السوق الموازي خاصة عند توازن العرض والطلب وفِي حالة عدم التوازن الطفيف يتدخل البنك المركزي والذي يتمتع باحتياطي مناسب يمكنه من التدخل والتحكم في سعر الصرف المناسب لتتفيذ السياسات الاقتصادية المعلنة٠
الاحتياطي النقدي لمصر حوالي 84 مليار حسب اخر الإحصائيات وتمتلك مصر أيضا احتياطي من الذهب يتجاوز المليار دولار هذا العام٠
يفتقد السودان كل هذه الخصائص لذا ستكون خطوة تعويم الجنيه قفزة في الظلام ستأتي بنتائج كارثية لامحالة!!

تقييم اداء كل هذه السياسات في السودان واثارها حتي الان!!!

عند تقييم اداء المعايير الكمية لأهم مؤشرات الاقتصاد الكلي مثل معدل نمو الناتج القومي مستوي التضخم والعطالة وعجز الموازنة والميزان التجاري وحجم الاحتياطي من النقد الأجنبي وحجم الدين الداخلي والخارجي٠ نجد الاتي:

قبل تنفيذ هذه السياسات كان مستوي التضخم المتوقع في الموازنة الأصلية للعام 2020 يهدف ان يصل بنهاية العام الي 30% وفي الموازنة المعدلة كانت توقعات معدل التضخم ان يبلغ نسبة 65.2%، وكلها تقديرات غير واقعية فنجد في واقع الامر ان مستوي التضخم قد تسارع بوتيرة عالية خلال العام المنصرم 2020 وحسب الجهاز المركزى للاحصاء بالسودان أن متوسط معدلات التضخم للعام 2020 بلغ 163.26%، مقارنة بمتوسط معدلات تضخم وصلت إلى 51% للعام 2019 وذلك بفضل سياسة زيادة المرتبات الجنونية بنسبة ( 569% ) والتي طبقها وزير المالية ابراهيم البدوي وتم تمويلها بطباعة العملة وكذلك الإفراط النقدي لتمويل عجز الموازنة وعدم التحكم في الكتلة النقدية ووجود كتلة نقدية خارج النظام المصرفي والعمليات المستمرة في تزوير العملة وتدهور سعر الصرف والعجز المزمن في الميزان التجاري وارتفاع اسعار مدخلات الانتاج بسب ارتفاع اسعار الوقود والمدخلات المستوردة وايضاً تزداد نسب التضخم لضعف بنيات الانتاج في كافة القطاعات الاقتصادية٠
كما نلاحظ ايضا زيادة عرض النقود من 1.030 تريليون جنيه في الموازنة الأصلية إلى 1.202 تريليون جنيه في الموازنة المعدلة أما معدل نمو عرض النقود فقد ارتفع من نسبة 50.4% إلى نسبة 75.6% وتعبر هذه الزيادة من اهم الاسباب في ارتفاع وتيرة التضخم والملاحظ استمرار هذا التوجه في ميزانية 2021 ايضا٠
اما في مايتعلق بسعر الصرف وتدهور قيمة العملة الوطنية نجد ان
سعر صرف الجنيه انخفض بمعدلات متسارعة للغاية نتيجة تطبيق هذه السياسات٠
ففي يناير 2020 كان الدولار يعادل 80 جنيه وفِي فبراير صعد الدولار الي 90 ثم الي 110 جنيه وقفز الي 144 جنيها في نهاية مايو وبداية يونيو بلغ سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار 147 جنيها وفِي يوليو بلغ سعر الدولار 180 جنيها ووصل الي مستوي 220 جنيها في اغسطس ليبلغ في أكتوبر 255 جنيها وفِي نوفمبر وديسمبر 2020 صعد الدولار في السوق الموازي ليبلغ ال 268 و270 مع نهاية العام٠
ويعزي هذه التدهور الي العجز المزمن في الميزان التجاري وسياسة الحكومة في السماح للقطاع الخاص الطفيلي باحتكار الصادر والوارد وخاصة قطاع الذهب والمحاصيل وتجنيب عوائد الصادر في الخارج مما يسبب شحا في العملات الأجنبية وايضاً عدم التحكم في الكتلة النقدية والعملة المزورة يؤدي كل ذلك الي استمرار تدهور قيمة العملة الوطنية٠
ويجب الاشارة هنا الي الدور السلبي لتصريحات المسؤولين في الارتفاع الجنوني لسعر الدولار خاصة تصريحات وزيرة المالية غير المسؤولة٠

وفي تقييم عام لتلك السياسات فنجد ان معدل النمو في العام 2020 كان سالبا مع وجود عجز كبيرفي الميزانية والميزان التجاري وارتفاع معدلات البطالة ونسبة الفقر وتدهورعام في مستوي معيشة المواطن بشكل ملحوظ خاصة بعد رفع الدعم من الوقود والكهرباء ولم تف الحكومة بالتزامها بتقديم الدعم النقدي المباشر الكافي للمواطن كتعويض لرفع الدعم السلعي٠

فتوفير شبكة الامان لتخفيف المعاناة بعد قرار رفع الدعم مجرد وعود لم تقم الحكومة بتنفيذها ونلاحظ ذلك من الأتي:

اولا/ برنامج سلعتي تم تمويله بنسبة 10% فقط واضح ان هناك عجز في تمويله كما انه لم يغط كل الولايات ولَم يشمل كل المواطنين ولَم يغطي معظم السلع الهامة وفي الكثير من الحالات لايستطع المواطن شراء هذه السلع لضعف الدخل او انعدامه بسبب العطالة اوالعجز او المرض٠
ثانيا/ زيادة المرتبات تشمل القطاع الحكومي وتغطي نسبة 5% فقط من السكان وتسببت في خلق فوارق في المرتبات بين القطاع الخاص والعام ولَم تشمل القطاع غير الرسمي والعاطلين عن العمل مما يعني تحملهم اثر زيادة المرتبات التضخمي٠
ثالثا/ برنامج دعم الاسر والدعم النقدي المباشر يعاني مشاكل في التمويل ومشاكل ادارية وفنية ولوجستية ومن المستحيل ان يغطي 32 مليون مواطن كما ادعي البدوي للأسباب سالفة الذكر. وايضاً هناك مشكلة التضخم الحاد والذي سيلتهم المبلغ الشهري في يوم واحد٠
رابعا/ مشروع التعاونيات مازال في طور القوانين والتشريعات ولكي تعمم التجربة علي مستوي القطر وتنعكس اثارها علي حياة المواطن تحتاج التجربة لسنوات ربما تتجاوز مدة الفترة الانتقالية٠

البرنامج الوطني البديل!!
كان امام الحكومة خياران في اتباع السياسة الاقتصادية المناسبة وبالتالي اختيار نظام سعر الصرف المناسب لتطبيق السياسة المتبعة ويمكن تلخيص ذلك في الاتي:
اولا/ محاولة سد عجز الموارنة باتباع سياسة التحرير الشامل في اسعار الوقود واتباع سياسة نظام سعر الصرف المرن المداراوالتعويم الجزئي في اتجاه التحرير الكامل وتوحيد سعر الصرف كهدف نهائي ويعني هذا ان يتحمل المواطن كل الاعباء الناجمة عن التضخم المتوقع من هذه السياسة٠
فبدلا من معالجة عجز الموارنة عن طريق تقليل وترشيد الإنفاق الحكومي بشكل ملموس وزيادة فعالية الإيرادات الضريبية وغير الضريبية ووقف الاعفاءات والامتيازات الضريبية والجمركية واستراد الأموال المنهوبة واستعادة ملكية شركات الامن والجيش ووقف التهريب والتجنيب وسيطرة الدولة علي انتاج وتصدير الذهب وتقوية كل القطاع الانتاجية وخاصة قطاع الصادر مما يكون عليه بالغ الأثر في مجمل الأداء الاقتصادي رفضت حكومة حمدوك المضي في هذا الاتجاه لأسباب عديدة سياسية وعقائدية واقتصادية وكذلك للخوف من المواجهة مع العسكر في تبني اَي برنامج وطني يعتمد تمويله علي السيطرة علي كل الموارد الذاتية والتي في يد العسكرحتي الان٠
اتبعت الحكومة خط صندوق النقد الدولي والاعتماد علي الخارج تماما وانتهاج سياسة التحرير التضخمية والانكماشية والتي يتحمل المواطن اثارها الكارثية جوعا ومرضا وقهرا والجدير بالذكر ان هذه السياسة ستؤدي الي المزيد من التضخم والمزيد من الانكماش في النشاط الاقتصادي والمزيد من عجز الميزانية رغم اختفاء فاتورة الدعم من الميزانية وذلك بسبب استمرار الصرف الحكومي السياسي والسيادي بعد توقيع اتفاق جوبا والذي يأتي بتكاليفه الاقتصادية الباهظة٠
وسيم تمويل هذا العجز عن طريق المزيد من طباعة النقود وبالتالي تدور في نفس الحلقة الشريرة
تانيا/ كان يمكن ان تسير الحكومة في اتجاه اخر منحاز لجماهير الثورة يعتمد الاتي:
اولا/ مكافحة جادة للتضخم عن طريق تغيير العملة والتحكم في الكتلة النقدية ومعالجة عجز الموازنة بضبط الإنفاق وتحسين اداء الإيرادات وكذلك تشجيع التعاونيات وتقوية المواصلات العامة وتوفيرها بأسعار منخفضة٠
ثانيا/ العمل علي خفض مستويات العطالة خاصة وسط الشباب وتشجيع برامج التدريب المهني٠
ثالثا/ تقليل عجز الموازنة ليصل لمستويات معقولة حسب المعايير الدولية مثلا ان لا يتجاوز عجز الميزانية 5% من اجمالي الناتج المحلي مع ملاحظة الإبقاء علي الدعم٠
رابعا/ تحسين اداء ميزان المدفوعات والميزان التجاري بتحسين اداء الصادرات وترشيد الواردات٠
خامسا/ توفير قدر من الاحتياطي من العملات الحرة عن طريق جذب تحويلات المغتربين ووقف تجنيب وتهريب عوائد الصادر والسيطرة علي انتاج وتصدير الذهب٠
ومن الأهمية بمكان يجب الإشارة الي حقيقة مهمة انه لابد من تقوية سعر صرف الجنية عن طريق الاحتفاظ بقدر مناسب من الذهب كأحتياطي لدي البنك المركزي لتعزير موقف سعر صرف الجنيه السوداني امام العملات الآخري
اثناء تنفيذ هذا البرنامج يتم تطبيق نظام سعر الصرف الثابت ويتم التعامل مع هذا السعر الثابت في جميع المعاملات الرسمية للحكومة والمدرجة في الميزانية وكذلك التعامل مع المواطنين والقطاع الخاص علي ان يكون هذا السعر يعكس السعر التوازني حسب معطيات واقع ميزان المدفوعات والتعاملات الخارجية٠
وعند تطبيق هذا البرنامج خاصة التحكم في مستويات التضخم وخروجه عن مستويات التضخم الجامح وبلوغه مثلا مستوي اقل من 40% في السنة الاولي وقابل للتحسن في السنوات القادمة وسيساعد ذلك اداء كل مؤشرات الاقتصاد الكلي مثل الميزانية العامة وميزان المدفوعات وسيساعد في جذب مدخرات المغتربين كما يساعد تقوية سعر صرف الجنيه وانخفاض معدلات التضخم في تحسين مستوي معيشة المواطن وتحسين مستوي الاستهلاك والانفاق والادخار وتحسين مستوي الانتاج والانتاجية في الاقتصاد السوداني بشكل عام٠

سعر الصرف التوازني للاقتصاد السوداني !!
هو السعر الذي يتحدد بناء علي العرض والطلب وفق موقف ميزان المدفوعات الحقيقي ومتغيرات الاقتصاد الكلي في حالة التوازن. اذن هو السعر الذي يتحدد مع توازن الاقتصاد الكلي عندما يكون الاقتصاد في حالة نمو معافي وبيئة اقتصادية لا تعاني من اختلالات هيكلية مزمنة
وبناء علي ذلك نجد ان سعر الصرف التوازني في السودان قد يختلف عن سعر السوق الموازي نسبة للاختلالات الهيكلية الاتية:

اولا/ تزايد نشاط المضاربات والتي أصبحت السمة البارزة في الاقتصاد السوداني وتمثل مصدرا أساسيا لعدم الاستقرار في سوق العملات الحرة وتوسع نشاط السوق الموازي بشكل مزعج وأصبح خارجا عن السيطرة ويتحكم في سعر الصرف وفِي مجمل النشاط الاقتصادي وله اثاره علي الانتاج والتبادل والتوزيع والاستثمار ومعدلات النمو بصورة عامة.كما نلاحظ مؤخرا تعامل الحكومة في السوق الموازي وشراء الدولار بشكل واسع٠
ثانيا/ الإفراط النقدي وعدم التحكم في الكتلة النقدية ووجود كتلة نقدية ضخمة خارج النظام المصرفي٠
ثالثا/ تزايد معدلات الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي اضافة لتزايد نشاط تزوير العملة الوطنية٠
رابعا/ النشاط الاقتصادي الموازي يمثل اكثر من 60% من مجمل النشاط الاقتصادي٠
خامسا/ العجز المزمن في الميزانية وميزان المدفوعات وشح احتياطي العملات الحرة وتراكم الديون الداخلية والخارجية٠
سادسا/ هروب عوائد الصادر وعدم تمكن بنك السودان من الحصول علي عوائد الصادر٠
سابعا/ صعوبة التحكم في الواردات وخاصة الواردات الكمالية لأغراض غير إنتاجية٠
ثامنا/ الفشل في جذب مدخرات المغتربين٠
تاسعا/ التضخم الجامح والمزمن خاصة تضخم جانب العرض٠
عاشرا/ اختلالات هيكلية مزمنة في بنيات الانتاج خاصة في قطاع الصادر والقطاع المالي والمصرفي وعدم استقلالية البنك المركزي في صياغة وتنفيذ السياسات النقدية٠
علي سبيل المثال اذا افترضنا ان سعر السوق الموازي للدولار اليوم هو 360 جنية للدولار نجد ان هذا السعر قد لا يعكس السعر التوازني الحقيقي بناء علي معطيات ثوابت الاقتصاد الكلي وميزان المدفوعات للأسباب سالفة الذكر٠
لذلك نجد ان هذا السعر لا يعبر عن سعر حقيقي وفيه الكثير من المبالغة لذلك قد يحدث تشوهات لا تقل اهمية عن التشوهات التي قد تحدث عند تحديد سعر رسمي اقل من سعر السوق مثلا ان تحدد الحكومة السعر الرسمي ب 55 جنيه للدولار٠
فدعاة تحرير سعر الصرف او مرونة سعر الصرف في اتجاه التعويم يسعون الي تحديد السعر التوازني هذا ويكون في نصب اعينهم محاولة اللحاق بالسعر الموازي والذي بدوره ابعد ما يكون من السعر التوازني٠ في وضع الاقتصاد السوداني الراهن٠

لذلك يكون من الأجدى قبل الشروع في تعويم سعر الصرف او الاتجاه نحو تحرير سعر الصرف اجراء الدراسات المتخصصة والمكثفة والمبنية علي المعلومات الدقيقة عن كل المتغيرات الاقتصادية المتعلقة بالاقتصاد الكلي سالفة الذكر والتأكد منها بكل دقة ورصد تأثيراتها علي مجمل النشاط الاقتصادي وبصفة خاصة مستوي التضخم ومعالجة اسبابه موقف الميزانية العامة وميزان المدفوعات والميزان التجاري للتمكن من تحديد السعر التوازني بكل دقة وبناء عليه تحديد السياسة الأمثل لسعر الصرف والتي تتناسب مع معطيات الاقتصاد الكلي في الفترة المحددة٠

د٠محمد محمود الطيب
wesamm56@gmail.com
فبراير 2020

REFERENCES

https://mawdoo3.com/%D9%85%D8%A7%D9%87%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%B5%D9%88%D8%AF%D8%A8%D8%AA%D8%B9%D9%88%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9
https://www.avatradear.com/education/trading-for-beginners/floating-exchange-rate
https://www.ida2at.com/neo-liberal-ideological-root-is-all-our-problems/
http://www.acrseg.org/40702
https://tryagnews.com/?p=3710
http://www.acrseg.org/39585
[1] ) Esteban Pérez Caldentey, The Concept and Evolution of the Developmental State, International Journal of Political Economy, Vol. 37, No. 3, Fall 2008, pp. 27-53.
https://democraticac.de/?p=46742
http://www.aleqt.com/2011/03/21/article_517191.htm
https://www.bbc.com/arabic/interactivity-37865618
https://www.youm7.com/story/2017/11/3/سنة-أولى-تعويم-مصر-أقوى-بالأرقام-بعد-تحرير-سعر-الصرف/3493010
https://www.alaraby.co.uk/economy/2017/4/19/تعويم-العملات-ونماذج-من-مصر-وتونس-والمغرب
Exchange Rate Arrangements and Economic Performance in Developing Countries.” World Economic Outlook
http://www.economist.com/node/20518
http://www.imf.org/external/pubs/ft/issues13/
https://www.kol7sry.news/2016/10/egypt-float-pound.html
http://www.alarabiya.net/ar/aswaq/financial-markets/2016/11/04/10-أهداف-تسعى-مصر-لتحقيقها-من-ت
https://www.independentarabia.com/node/165896/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%AD%D9%88%D9%86-%D9%88%D8%AE%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%B1-4-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%88%D9%8A%D9%85
%C2%A0



الكاتب: محمد محمود الطيب حسن النور

من مواليد مدينة أمدرمان حاصل علي بكالوريوس الاقتصاد جامعة الخرطوم دبلوم عالي العلاقات الدولبة جامعة الخرطوم دبلوم عالي في التخطيط الاقتصادي مركز الدراسات الانمائية والبحوث الاقتصادية جامعة الخرطوم عمل في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لمدة عامين ثم اعتقل في بيوت الاشباح بواسطة جهاز أمن نظام البشير هاجر هجرة قسرية الي الولايات المتحدة طالبا اللجوء السياسي واستقر في منطقة واشنطون العاصمة حاصل علي ماجستير الاقتصاد الإقليمي والإدارة العامة من جامعة جورج ميسون فيرجينيا حاصل علي ماجستير علوم الكمبيوتر ونظم المعلومات تخصص اوراكل من جامعة ميريلاند حاصل علي ماجستير إدارة الاعمال MBA Finance من جامعة ستراير حاصل علي الدكتوراه في الاقتصاد تخصص اقتصاد دولي واقتصاديات التنمية من جامعة هوارد بواشنطن دي سي عمل أستاذا للاقتصاد في جامعة ستراير وكلية برنس جورج وكلية هوارد الجامعية له عدة بحوث ومقالات في السياسة والاقتصاد نشرت في العديد من وسائل التواصل الاجتماعي