استطاع تجمع المهنيين وحلفاؤه في قحت من ترجمة تطلعات الشعب السوداني للتغيير فعلا ثوريا أدى إلى تقويض نظام الانقاذ. منح تكتيك اختفاء القيادة وقوة حضور خطابها تجمع المهنيين سحرا لامس الخيال الصوفي والاسلام الشعبي المتجذر في السودانيين مما مكنه من تجاوز الخطاب والفعل السياسي للقوى السياسية "العادية". وبالنتيجة استطاع تجمع المهنيين وقحت من قيادة الثورة التي نجحت في تفكيك المرتكزات الاساسية لنظام البشير.
للاسف لم تتجاوز قدرات تجمع المهنيين وحلفائه عتبة تفكيك مرتكزات النظام السابق, ربما لأنه استعاربنجاح تكتيك الثورة المهدية في استثمار الظلم الاجتماعي و المخيال الاجتماعي المشبع "بغيبات الحضور والغياب" في تفجير ثورة ديسمبر 2018, ولكن دون وضع الثورة المهدية الملهمة في سياقها التاريخي, ودون الاستفادة من التراث الثوري الإنساني, وبكل تأكيد دون إدراك بأن قيادتهم لثورة ديسمبر ما هي الا نتاج تراكمات وصلت مرحلة الفعل الثوري القادر لإحداث تغيير جذري في سودان الان والغد.
بسبب انكشاف الضعف القيادي لتجمع المهنيين وعجزه علي التركيب بعد نجاحه في التفكيك وفشل قيادته في وضع المداميك الأساسية لبديل سياسي في المرحلة الانتقالية برؤية استراتيجية واضحة, تحرك الشريك العسكري, الذي فرضه توازن القوى والمعادلات السياسية الداخلية والخارجية, للتمدد في مساحات واسعة في المجال السياسي قبل ان يهيمن عليه كليا بسبب الصراعات العلنية والمستترة فيتجمع المهنيين وصراعات حلفائه البينينة والصراعات الإضافية بينه وبين أجزاء أخرى عديدة من قحت.
ومع تزايد هيمنة العسكريين, تناقصت سلطة قيادة الثورة وبدأت دوائر الفراغ القيادي تتوسع يوما بعد يوم مع تواتر رمي أعداء الثورة لحجارة المؤامرة في بحرها التي بدت مياهه, لبعض الغافلين, راكدة دون أن يعقلوا أن في السكون حركة وان حجارة الأزمات بقدر ما تكشف عن القدرة على الجلد تكشف أيضا ما للبحر من ممكنات ثورية .
نظرية ملء الفراغات في علم السياسة, كما هي في كل العلوم , تقول بأن ما من فراغ و إلا تم ملئه. ولذا لم تكن القوى الثورية عاجزة عن ملء ما تركه تجمع المهنيين وشركائه في قحت من فراغات تمت ملئها بفقاعات العسكريين التي بانفجارها تتوسع فراغات السلطة الحقة.
لشهور وشهور كانت فراغات الخطاب السياسي لقحت وفقاعات المكون العسكري تترامي في الفراغ في محاولة يائسة لملئها. وكانت عيون "الغبش التعاني" في لجان الأحياء تحدق بتركيز على الفقاعات التي تتناثر. كما كان فعل لجان المقاومة تفتق مفردات الخطاب المتهافت لقيادات الثورة المتصارعة. وكانت اللحظة التاريخية في مسيرة 30 يونيو "الأخرى" السانحة التاريخية لتحرك لجان المقاومة في الداخل ولجان قوي دعم الثورة ا في الخارج لملء الفراغ القيادي. وكان نصر 30 يونيو تتويجا لنظرية ملء الفراغات بفعل ثوري يفتح الباب لدخول لجان المقاومة في مسيرة الثورة السودانية قائدة لارادة الشعب في تغيير جذري منشود.
لأن الثورة بطبيعتها سيرورة تاريخية واستجابة لمتطلبات تاريخية وتطلعات شعبية, لن تلغي قيادة لجان المقاومة للمرحلة الراهنة ,التي لم تتشكل ملامحها او ملامح قيادتها, تاريخ وإنجازات مفجري الثورة وقياداتها ولكنها تسعى لاستيعابهم في مسار تصحيحي قد يكون البعض منهم قوة دفع له وقد يلفظ مسار الثورة بعض آخر منهم في اتجاه حضيض مزبلة التاريخ.
التحدي الأساسي للجان المقاومة, التي جعلت متطلبات الشجاعة والإقدام هي الاكثر تأهيلا لقيادة المرحلة الحالية, هو مدى قدرتها على الانتقال بالثورة إلى مرحلة تلامس تطلعات الشعب السوداني بملء الفراغ القيادي ووضع المداميك الأساسية لبناء وطن حر, ينعم بالسلام والعدالة.
شارك هذا الموضوع: