شاعر العصر العباسي الأول: علي بن الجهم
تلكم الطائرات ذوات الخيوط البيضاء المُخَلَفة وراءها قَرِيْنَ خيالات النجمة أم ضنب، طائرات الثلث الأخير من ليل قريتنا الحبيبة، وهي تَسْكُب الهواء "الـمُتَخَيَّل" في رئة القمر، تأخذنا لعوالم فوق ضجيج اليومي من الحياة، إلى الأمام نحو فضاءاتٍ للرحيل أرحب وأعذب.
إكتمال قرص القمر الفتي، المدثر بالأحاجي،ولا منطقية الحكايات وأحداثها، بصدقها الطفولي وبراءته، أن يختطف النسر المهول (صقر الدنيا) ذلك الفتى الفارس (مُحُمَّد) من على سرج جواده المزيَّن بإعدادات وتجهيزات العريس المتمنطق أيقونة الفروسية والقتال والفأل الجميل، سيفاً بيمناه، وسوطاً بيسراه الـمُحَلاَّة حَرِيْرةً هاشاً بها على غنم الإنس والجن، والرأسَ تكسوه مُعتزَّةً به الضَّريرةُ وأَخَولتُها. وعروسُهُ المعطونة عطراً يكسوها "خُدْرَةً بهِيَّةً" بلون التراب الناعم (خِدَيْرا تِلَّه) تمتطي في براعة فتيات البقَّارة والأبَّالة والغَنَّامة ورشاقتهنَّ ظَهْرَ ثورٍ مُثقلٍ بعُطْفَتِهِ (هَوْدَجِهِ) المُطَعَّم بالخرز والوَدْع والأجراس سلاماً وأماناً من عيون النَّاس وآفات الطريق، وللحريرةِ والضريرة والمحلب والمسك وكامل العطور العُرْسيَّة، موقعُ التَّيمُّن والتبريكاتب رحلة عمر "بخيته وسعيدة"، فهي ملكة ملكات تلكم البوادي والفُرْقان المتوجة تاج عِزٍّ لأهلها وبطونهم وما جاورهم، ترافقها وصيفتها الباذلة نفسها خدمةً للعروس تبدأ بالزينة ولا تنتهي بالطعام وإعداده، والمكان وتهيأته، ولا الزينة وصناعته وكسوتها وإزالتها، إنها الوصيفة التي تمطي ناقةً بلا عُطْفَة (هودج)، تتثاقل في مسيرها من فرطِ ما تحمل من مكونات الطعام، والتَّطَيُّب، وكل ما يدخل الأُنثى عوالم العرس والدُّنيا الجديدة. ولكِّن هذا النّسر صقر الدنيا، يستبيح الأجواء "يُخَوِّي" مرتاداً البحر (النِّيل) يومياً قُبَيلَ بذوغ الفجر بُعَيدَ غياب الشَّمس في رحلتها البعيدة البعيدة ! المعلومة والموسومة "رمزيَّاً" بالضياء والعتمة. هذا النسر الطائر الجبار في عُتُوِه المهول -كما تقول الأحجية- يختطف مُحُمَّد عريس خِدَيرا تِلَّه ، وهما يرحلان متجهَيْن صوب مَضارب ديار العريس، وكانت وصية الحبُّوبات لـمُحُمَّد، ألاَّ يُرِي صقرَ الدنيا يدَه المخضبة بالحناء الممسكة بالسوط والتي تَعْلوها الحَريرة. ولكْن، للرحيلِ على راحةِ السعدِ والفرحِ الإنساني المُثمر بنيناً وبنات، المُحْي سنة الحياة في التوالد والتوارث والتكاشر الطبيعي، المعطون بلذةِ امتلاك الزمان والمكان بكل أبعادهما، هذا الرحيل المنتشي باللقاءات الصادقة الحميمة الطَّلقة الكريمة في زمن ماشي وزمن جاي وزمن لسع، هذا الرحيل أَلْقَى بشباكه عَلَى مُحُمَّد، فرفع اليد اليُسرى" سنارة الصقر المهول"، لِيتبسَّمَ نصف ابتسامةٍ ذلكم الصَّقْر ويختطف العريس. وهنا تبدأ كوة جموح الخيال البدوي الريفي القروي تنفتح على مصاريعها المستديرة لتدخلنا عالم الاجتماع الإنساني، وتصوراته للآخر الذي يتقاسمنا المِلْحَ والمُلاح، والآخر الذي نقاسمه الكلأ والمرعي والماء والنار وبعضاً من سماءٍ وأتربة، والآخر القريب البعيد، ونحن تسرقنا حمية الانتماء، وتموضعنا حول الكروموسومات فالجينات النّوويّة من قبيلة الـــــــDNA وجدَّاتهالا وعماتها وخالاتها ووصيفاتها !. باختطاف مُحُمَّد، تنقلب الوصيفةُ على خِدَيْرَا تِلَّه، وتلبس زينتها، وتدخل ديار أهل العريس، زاعمةً أنها هي العروس. أما خِدَيْرَا تِلَّه ، فكانت تنتظر قُدم الصَّقر واردِاً النيل، قُبَيل الفجرِ، لتناجيه، محاورةً زَوجَها الرَّاحِل في بطن الطائر ، يكسو صوتها الشَّجنُ والغبينة والحنين، فَيَستجيب هُو مُتسائلاً:
شارك هذا الموضوع: