سأنامُ اللَّيلةَ في البيت..
في حُضن الذَّاكرة الأولى،
وحِصنِ الزَّوجةِ والوردةِ في قلب حديقتنا كالعادة..
وسأركَبُ، مزهوَّاً، في حوش البيت حصانَ الأولاد وألعبُ حربَ نجوم الرَّمل مع شُفَّع أحلامي بالماء،
لكنِّي لن أنسى أبداً، ما بين الرَّشقة والرَّشقة،
من بين الضَّحكات،
دماءَ الشُّهداء.
سأنام اللَّيلةَ في كتف القمرِ الصَّاحبِ،
وسأعرِف أيَّ بلادٍ جاءتني
في عزِّ غيابي
كي تتفقَّدَ حالي
أو تتفقَّدَ وهج الثَّورةِ في وجه حبيبي
أو تتفقَّدَ وردة بالي
وأيَّ بلادٍ
لم تنسَ الموكبَ في العلَم المغسولِ بدمعة أطفالي،
لم تتركْ فوق الحائط: "جئنا لكنَّا لم نجدِ الحارَة في المنزل..
لم نجدِ المنزلَ في القلب،
ولم نجدِ القلبَ على الأبواب"
فهذا ما يُوجع صدري.
ما يُوجع سطراً في الأشواق الحرَّى
وأنا أكتب بالحبِّ غيابي.
سأنام اللَّيلةَ تحت سمائي الأولى
فأنا لا أعرف كيف أنام بعيداً
في هذي الآخِرة الصُّغرى عن دنياوات صحابي،
لا أعرف أن أَسجنَ نافذتي في قوسينِ يتيمينِ من الذِّكرى،
رغم السِّجن الأكبر بين ثيابي..
قلبي حرٌّ في النِّسيانِ
وذاكرتي مسؤولة
سأنام اللَّيلةَ موفورَ النَّهرِ السَّابح فوق سريري..
حلمي عصفوري..
ما غرَّد وطنٌ بين الأغصان
وإلَّا غنَّيتُ به ورقصتُ له
وتماديتُ تماديت
حتَّى أصبحَ ريشي درويشي
وسمائي اتَّسعت بالأشواق لإسفيري.
ما كان الحزنُ
سوى أحدٍ بين السُّودانيِّين..
يُصابح يُمسي
ويُسبِّح باسم الطِّين..
يمشي.. ينسى أغنيةً في البيت
ويُقبِّلُ في الشَّارع زوجتَهُ..
يَسبَحُ في ماء خيال الشُّعراء،
ويَكتبُ للعشَّاق رسائلَهم،
للشُّهداء وصاياهم..
يرتاحُ كما قال الشَّاعرُ أحياناً
بين الدَّمع وبين العَين..
لا يَعرِفُ أسماءَ الأشياءِ
ولا يَنسى أبداً أن يتداخلَ بين الأسرار الكبرى..
يعرِف كيف يُغنِّي العاشقُ للوردةِ،
وكيف الأصحاب تَنادَوا
كي يُرفعَ وجهُ شهيدٍ يَرفعُ وجهَ الكون.
شارك هذا الموضوع: