شكراً أيَّتها الثَّورة!

بابكر الوسيلة - 25-10-2022
شكراً أيَّتها الثَّورة! | بابكر الوسيلة

كنت أتَّجه نحو السُّوق كلَّ يوم
مدلِّلاً خردة رائجة.. خاسراً عضلة القلب والعمر،
صرتُ، بأعجوبة، أتَّجه نحو الموكب
وأحمل على كتفيَّ إرث القصيدة،
يا لمكسبي!

شكراً أيَّتها الثَّورة!
صار لقدميَّ جناحان
وعلى الوادي نبتت شقوق معشوشبة المعنى
والأرض تحتي مسافة الحياة نحو الله.

شكراً أيَّتها الثَّورة!
حين تدثَّرت بعلَم السُّودان في ليلة ممطرةٍ
في ساحة الاعتصام،
اكتشفت رائحة التُّراب لأوَّل مرَّة
وبكيتُ
بكيت..
(كم كنت عاجزاً عن التَّضحية).

شكراً أيَّتها الثَّورة!
سمعتُ جاري يقول لزوجته:
بيننا الحبُّ يا فاطمة
فادَّخري البنتَ لموكب الغدِ،
والولد.. لرفعة العلم.

شكراً أيَّتها الثَّورة!
في الشَّارع رأيتُ الشَّباب
يعجنون المستقبل
وينفضون الغبار عن كلمات الحياة.

شكراً أيَّتها الثَّورة!
صرتُ أقرأ البيوت من أبوابها
دون أن أتضجَّر من دخول يومٍ كلصٍّ مدرَّب على الأبديَّة.

شكراً أيَّتها الثَّورة!
لقَّنت شرطيَّ الجوازات
حصَّةَ في فلسفة العمر عبر مطار الخرطوم
لقَّنت الشَّيخ درساً في فقه ضرورة القُبَل.

شكراً أيَّتها الثَّورة!
في التِّرس
رأيت عازفة الكمان
تنظِّف الموسيقى من طبول الحرب
ومن إذاعة البيان الأوَّل عن مسامع الأطفال.

شكراً أيَّتها الثَّـورة!
الفتي الذي جاء مسرعاً
من كرَّاسة المعلِّم قبل قليل.
كاد قلبه يطير
قبل أن يلحق الموكب العابر
وكان في انتظار أمِّه التي تستحمُّ
لكي يستحمَّ في الطَّست الوحيد
في الغرفة الوحيدة..

مات ميتة نظيفة
بطعم أمِّه
وطعم آخر الدُّروس: التَّرس.

شكراً أيَّتها الثَّورة!
بيني وبينك هذا التِّرس، أيُّها العالم
أعرف أنَّه من حجارة
لكنَّه من سجِلِّ العناق
بيني وبينك.الحياة، أيَّتها المعركة.

شكرأ أيَّتها الثَّورة!

*اللَّوحة: أُخذت من معرض المعمل المدني الذي تمَّت مصادرته من قبل عصابة الانقلاب مؤخَّراً، فعذراً لعدم ذكر الرسَّام.