غنَّيتُ السُّودان

بابكر الوسيلة - 19-10-2021
غنَّيتُ السُّودان | بابكر الوسيلة

كيف يكون هذا القلبُ دون هوىً،
وكيف تعيش نفْسٌ حرَّةٌ تحت السَّـماء بغير أن تهوى التَّنفُّس بالمكان.

هذا هو السُّودان
إنسان طفوليُّ الطَّبيعةِ
تحت أرض الاستواء بشمسه الغجريَّة الأضواء،
بموجةِ برزخِ العشَّاقِ في نهرين يلتقيان في مرَجٍ ويقترنان.

عشبٌ جماليُّ القصيدةِ في مخيِّلة المدى،
ثمَّ غاباتٌ من الأسرار
بِيدٌ على الأبد البدائيِّ المهول،
لنكشفَ زهرَنا المجهولَ في البستان

مئذنةٌ تصلِّي الصُّبح للدُّنيا
وحاضرُنا على فانوس مسجد..
صوتٌ لناقوسٍ
تراتيلٌ معلَّقةُ الصَّدى في باب معبد..
وأغنيةٌ ترقِّصُ طائراً
تسمو غصونٌ في الحقيقة، من جنون حديقةٍ ويطيرُ بين السِّرب إنسان.

بيتُ ربَابةٍ سكبتْ غزيراً صوتَها
في قرية كسبتْ مساءً مذهلاً للرَّمل فوق الرَّابية
جسدٌ تُؤهِّله الحروب على الدُّروب كطابية
أملٌ نضاليٌّ وقلبٌ راسخٌ
ورمالُ أحزان.

تذكَّر!
هنالك من وراء النَّهر قنَّاصون في المرعى
إذا غنَّت مزارعُنا على أنغام صوت ظهيرة للسَّاقية.
(لا زرعَ ينمو حول تلك الحاميَة)
دبَّابةٌ في اللَّـيل
تسعى كيفما تسعى
إلى بوَّابة امدرمان.

هذا هو السُّودان
لا حياةَ لمن يُنادي الحُبَّ في عينيه كما يجِبْ
لا حلمَ في الدُّنيا يقوم بما تُحِبْ..
يداك ساريتانِ،
وقلبُك للثَّرى علمٌ يرفرف في المدى من شدَّة الخفقان.

هي صورةٌ مُثلى، بلادي
وَيْ كأنَّي وجَوادي
لقطةٌ حُبلى مؤجَّلةٌ في روح فنَّان.

تذكَّر!
فأنا أقابل، كلَّ يوم، قاتلاً في قاتلينِ بلا لقاء..
أنا أعرِف الشُّهداء في جسدي: إذا فارقتُهم
عانقتُهم،
في الصَّدر أغنية لهم
يا للرِّثاء!
وأنا أعيشُ بهم
وأموتُ بالأحضان.

هذا هو السُّودان
مشوارٌ على قدمينِ عاريتينِ في الدُّنيا بلا عنوان.

هذا النَّهرُ
هذا النَّهرُ
أزرقُهُ سلالات النِّساء من الحمام
وأبيضُهُ سلالات الرِّجال من الحميم
إذا غنَّى استهام
وإذا بكى لا يستهيم..
فكيف ينكشف البكاءُ على دموع الضَّفَّتين
ولا لو مرَّة في العمر يُكتشَف الكمان؟

هذا هو السُّودان
من لغة إلى لغة
يقول الدَّارجيُّ الجدولَ المنسيَّ في كلماتنا..
فحرامٌ في تساؤلنا الصَّدى
وحرام في السُّكوت غَذَى اللِّسان.

هذا هو السُّودان
محبرتي إذا كتبتْ جوانحُه شهيدَه
ممحاتي إذا أخطأتُ عمراً في حياتي
مقبرتي إذا ماتت قصيدة
وميقاتي على قلقِ الزَّمان


.اللوحة من أعمال مِسْكة محمد نجيب.